[color=Lime]هناك[color:4cb9=Lime:4cb9] في
المدينة الهادئة الواقعة على ضفاف النيل عشنا مع أسرة الطفل و الواقعة لا
نملك أن نصدقها أو نكذبها ، لكنها حدثت و إليكم التفاصيل .
نشأ طارق في أسرة بسيطة الحال ، والده الذي أقعده المرض كان يكافح من أجل
تربية الأولاد بجنيهات قليلة استطاعت الأم أن تدير شئون المنزل ، لم ينتظر
أن يرهق والده بمطالبه . كان ينتهز فرصة إجازة الصيف ليعمل و يوفر مصاريف
دراسته حتى أتم دراسته في دبلوم المدرسة الثانوية الصناعية ، عقب أدائه
الخدمة العسكرية بحث عن ابنة الحلال ، بسرعة كان القدر قد أعدها له ،
شاهدها ذات في إحدى المناسبات العائلية ، تلاقت نظرات الإعجاب و كانت
ابتسامتها قد شجعته على الاقتراب و التعارف ،حين عاد صارح والدته برغبته
في الزواج من إحدى الفتيات التي رآها في الفرح ، و همست الأم في فرح ، مين
دي يا حبيبي ، الأوصاف التي أعلنها كانت كفيلة بأن تعرفها الأم فهي ابنة
إحدى صديقاتها و لم تنتظر لليوم التالي و أطلقت زغرودة و هي تدخل بيت
العروسة ، خطوبة و زواج ، مرت خطواتهما بهدوء فطارق زوج هادئ يحاول بشتى
الطرق أن يوفر لزوجته حياة هادئة مستقرة . و ذات يوم عاد مرهقاً من عمله
فوجدها تنتظره و على وجهها ابتسامة جميلة ، طارق أنا حامل .. هكذا همست ..
لم يدر بنفسه إلا و هو يحملها بين يديه و ربتت على كتفيه و رجته أن يتركها
حفاظاً على الجنين .. شهور الحمل مرت و وضعت له مولداً جميلاً أسماه محمد
..
طار قلب طارق من الفرحة . ترقى خبر ترقيته في عمله و حين عاد مسرعاً ليخبر
زوجته كان لديها خبر سعيد أيضاً .. في حنان همست له .. أنا حامل يا حبيبي
خلاص ابنك محمد أصبح عمره عامين استبشر خيراً و دعا الله أن يبارك فيه .
فكر في مستقبل طفله و الضيف المنتظر و صارح شقيقه بمشاركته في كشك لبيع
الحلوى و كبرت تجارتهما و أصبح عمله الجديد يدر عليه دخلاً لا بأس به .
كبر المولود الصغير أحمد و لاحظ والده تعلقه الشديد بأمه ، لم يكن يتركها
تؤدي أي عمل و لو بسيط في المنزل إلا و يتعلق بجلبابها و لم تكن هي الأخرى
تتحمل البعد عنه . لاحظ الزوج الأمر الذي زاد أكثر مما يتصور حاول مراراً
أن يحمله أثناء انشغالها بأعمال المنزل أو لقضاء حاجة غير أنها كانت ترفض
، و حين استفسر منها همست له في خوف بأنها تشعر بأن الولد سيضيع منها في
أي لحظة ، شعور غريب لم تستطع تفسيره و أضافت يأتي هاجس دائماً و أسمع
صوتاً يهمس في أذني و يقول : ابنك .. ابننا .. و سنأخذه منك .. ربت الزوج
على كتف زوجته و طمأنها قائلاً بأن تلك هواجس بسبب حبها الشديد له . بلغ
الطفل السادسة من عمره ، رفض أن يصحبه والده للمدرسة و أصر على أن تصحبه
أمه ، و أمام إصرار الصغير دفعه الأب دفعة بيده ، غضب الطفل و انزوى في
ركن الحجرة ، شعر الأب بأن يده لا يقوى على تحريكها ، ظن أن إرهاق العمل
هو السبب ، يزداد عليه شيئاً فشيئاً، لاحظ الطفل ما يحدث أسرع لوالده ،
طبع قبلة على رأسه معتذراً ، و في براءة مد يده يمسح بها يد والده و هو
يتمتم بكلمات لم يفهمها الأب لكنه اعتاد عليه من الطفل على فترات متقطعة،
ضمه الأب لصدره بيده التي كانت تؤلمه منذ لحظات حينما تأكد الأب أن ابنه
يحمل شيئاً يعجز عن تفسيره .
اعتادت الأم أن تصحب الصغير إلى المدرسة حتى أثناء الفسحة كانت تحمل له
الطعام و تجلس في فناء المدرسة ، تجلس بجواره تطمئن أنه لا يزال موجوداً
في كنفها و احتار الأب من تصرفات الطفل الذي كان يجلس على فترات وحيداً في
غرفته يتمتم بكلمات غير مفهومة كأنه يحدث شخصاً لا أحد يراه ، ظن الأب
أنها شقاوة الطفولة لكن ، ذات يوم حدثت المفاجأة ، بعد منتصف الليل عاد
الأب من عمله حين دلف للمنزل رأى نور شقة والده بالطابق الأول مضاءة، ألقى
التحية عليه و على شقيقته التي تقيم مع والدها و صعد الدرج لشقته بالطابق
الثالث حيث يقيم في منزل العائلة ، أخرج مفاتيحه و بهدوء فتح الباب و
أغلقه خلفه جيداً بالترباس الحديدي المعلق أعلى الباب ، اقترب من باب حجرة
الأولاد ، ألقى نظرة عليهما و طبع قبلة على وجه طفليه و استدار متوجهاً
لحجرته حيث تنام زوجته المريضة في فراشها استيقظت الزوجة حين أضاء نور
الغرفة و سألته إن كانت تعد له الطعام ، رفض مؤكداً أنه تناول بعض
السندوتشات في العمل ، خلع ملابسه و استلقى بجوارها متمتماً ببعض الآيات
القرآنية التي اعتاد أن يرددها قبل أن يغمض عينيه ، في تلك الأثناء سمع
صوت وقع أقدام في بهو الشقة و استفسر عمن بالخارج من ابنيه ، أجاب الأكبر
بأن شقيقه أحمد أيقظه طالباً كوباً من الماء ، لحظات قليلة و دوى صوت
الطفل الأكبر محمد . صراخ هستيري انتفض على إثره الزوجان ، و أسرعا إلى
حجرة الأولاد فوجدا محمد يقف على باب الحجرة يصرخ بشدة و لا أثر لشقيقه
أحمد ، صرخ الأب فين أخوك يا ولد ، أخوك فين . أجاب و هو يرتعد خوفاً ..
يا بابا .. أنا دخلت شايل كوب الماء لأحمد و أنا على الباب رأيت رجلاً
ضخماً كبيراً جداً يرتدي ملابس بيضاء كاملة شاهدته يحمل شقيقي أحمد و يهبط
به تحت الأرض . صرخ الأب ، بتقول إيه يا ولد .. أنت بتخرف .. الذهول أصاب
الأب و لم يدر بزوجته و هي تسقط مغشياً عليها من هول المفاجأة .. أسرع
الأب يبحث عن نجله تحت الوسادة و الملاءة و الفراش .. لم يجده .. أسرع
للباب فوجده مغلقاً بالترباس الضخم و المفاتيح كما أغلقه هو جيداً .. في
كل ركن من أركان الشقة الضيقة ذات الجرتين و صالة و دورة مياه بجوارها
مطبخ صغير لم يجد الأب ابنه ، رفع السجاجيد من على الأرض و كأنه يبحث عن
سراب ، كان صراخه هو الإجابة الوحيدة لما يبحث عنه أصيب بالذهول و لطم
خديه ، الزوجة انهارت و هي تطلق صرخاتها ، دقات شديدة على الباب ، الكل
استيقظ ، الأهل و الجيران ، الدهشة علت الوجوه حين عرفوا السبب ، بعد أن
هدأ الجميع ، أشارت لهم إحدى السيدات بإحضار مصاحف و ترديد آيات من القرآن
الكريم ، البعض أشار على الأب بضرورة إبلاغ مركز الشرطة .
و ماذا أقول ؟.. هكذا أجاب ، يا خويا روح بلغ الشرطة جايز يعملوا حاجة و
يكون الولد اتسرق ، في البداية رفض الأب : يا جماعة الولد كان نايم في
حجرته و أنا شفته و كنت قافل الباب كويس بالترباس من جوه و المفاتيح كانت
متعلقة في الباب من جوه مين اللي هايدخل و أنا ساكن في الثالث ، همهات
الجميع جعلته يرضخ ، أمام العميد مأمور المركز وقف يروي ما حدث ، اندهش
الرجل و ابتسم و هو يربت على كتفه ، مهدئاً إياه .. يا ابني إحنا مش بنحرر
محضر ضد عفريت قول كلام غير ده .. كلمات ما حوله جعلته يحرر محضراً
باختفاء الطفل لكن .. ضد من ..!؟
كانت الساعة قد اقتربت من الثانية بعد منتصف الليل . المنزل يضج بالناس
يرددون القرآن بصوت مرتفع ذهول وخوف و أسئلة كثيرة تكمن في الصدور في
محاولة لتصديق ما حدث .. حين اقترب أذان الفجر .
أشارت العجوز للجميع بالوضوء و الاستعداد للصلاة و حين أدى الجميع الصلاة
أمام المنزل بالطابق الأرضي سمعوا صوت ارتطام كبير أمام دورة المياه
الكائنة بالطابق الأول تحت السلالم أمام المدخل الرئيسي ، نظر الجميع
لمصدر الصوت ، فوجدوا جسد أحمد ملقى أمام دورة المياه مغطى بطبق كبير ، في
خوف اقترب الأب من جسد ابنه و يداه ترتعشان و اتسعت عيناه و صرخ .. ابني
.. ابني .. امتدت يداه بسرعة تحمل ابنه ، تحسسه ، هو فعلاً ابني ، حمله ،
ضمه لصدره و تفحص وجهه فوجد على جبهته ورم ضخم يشبه حجم البرتقالة ، كان
أحمد في سباته العميق ، كأن لم يحدث شيء ، أنفاسه تتلاحق بصورة منتظمة
كأنه نائم في فراشه ، حاول الأب إيقاظه و أن يدلف به حجرة والده ، بالطابق
الأول ، رفض جسد الصغير أن يدخل الحجرة . و نصحه بعض المشايخ أن ينام
الطفل في نفس فراشه ، و فعلاً ، بصعوبة فتح الطفل عينيه و سأل عما يحدث
حوله و لماذا يوجد هؤلاء الناس ، فسأله والده أين كنت يا ابني ؟ في براءة
أجاب أنا كنت نايم هنا في سريري يا بابا .. ماروحتش في أي مكان .. نظر
الأب في وجه ابنه و فوجئ بأن الورم في جبينه اختفى تماماً .. الله أكبر و
سبحان الله كانت هي الكلمات التي يرددها الجميع ، لم تنم الأسرة و لا
الجيران ، حين أطلقت الشمس أشعتها الذهبية تملأ سماء الكون كان الأب يحمل
طفله لأحد العالمين ببواطن الأمور و ترددوا على المنزل و التقوا بأحمد
الذي لم يذكر لهم أي شيء .. في النهاية أكدوا للأب أن ما حدث سوف يتكرر
لابنه و عليه ألا يقلق على ابنه أو يسأله أين كان لأن له قريناً يأخذه كل
يوم للعب معه و يعيده سالماً ، القلق أصاب الزوجين على الطفل من تلك القوى
الخفية التي تأخذ طفلهما يومياً .
مثلما اندهش الجميع .. اندهشنا و لم نصدق و لم نكذب ، كان لزاماً علينا أن
ننتقل لمنزل الأسرة بالغربية ، المنزل مكون من ثلاثة طوابق يقيم الأب مع
ابنته بالأول و الثاني لشقيق آخر بينما أسرة طارق تقيم بالطابق الثالث ،
استقبلنا رب الأسرة و لا يزال في حالة ذهول .. أحمد جاء .. طفل جميل ملامح
البراءة تبدو في وجهه حين سألته عن حكاية اختفائه من على فراشه بالطابق
الثالث لم يجب ..الأب حدثني أحمد لم يتكلم لقد طلبوا منه عدم الكلام ،
سألته ، مين ؟ همس الأب ، ربنا يحفظنا و يحفظ ابني ، و أضاف : ابني يختفي
من أمامنا و تكررت تلك الواقعة مرتين بعد كده و الله أعلم بيحصل إيه و
إحنا نايمين ، سألته كيف ؟ قال : بعد الواقعة الأولى منذ يومين .. استأذنت
زوجتي أن تذهب مع شقيقها لقضاء بعض الأعمال ، في التاسعة صباحاً خرجت .. و
أثناء وجودي أحسست بالقلق على ابني .. فعدت للمنزل العاشرة صباحاً من عملي
فلم أجد ابني .. ظننت أن زوجتي أخذته معها و عدت لعملي مرة أخرى و تركت
شقيقه الأكبر نائماً وحيداً و عقب انتهاء عملي عدت الساعة الثانية و كانت
زوجتي قد عادت و ظنت أني أخذت الولد معي الشغل ، بكينا عندما لم نجده ، و
صرخت الأم ، لكني ذكرتها بكلام الشيوخ ، دقائق قليلة و وجدت ابني أمامنا ،
كيف جاء و جلس بيننا لا أعرف .. سألته .. كنت فين يا أحمد ، قال : يا باب
أنا قاعد معاكم منذ أن حضرت أنت و ماما ، و أنا كنت باكل في المطبخ .. و
جرت زوجتي للمطبخ فوجدت الطعام في الأواني كأنه معد حالاً .. مرة أخرى
مساء أمس .. لكن الاختفاء كان لمدة ساعة فقط .
*محمد أنت بتخاف تنام بجوار أخوك ؟ و إيه اللي حصل لأخوك ؟
لا ... أنا بأحس أني في أمان خالص و المرة اللي فاتت أيقظني أخي علشان
عايز يشرب و لما روحت أجيب له ماء لقيت حاجة كبيرة قد الراجل الكبير لابس
أبيض شايل أخويا و نزل به تحت الأرض .. و لم ينحني و هو يحمل أخي من على
السرير .
لا أنا شفت كله أبيض في أبيض ..
تركت الأسرة الصغيرة .. تعيش في ذهول مما حدث و تترقب في أي لحظة اختفاء الصغير .. يعيشون على أعصابهم .. و لا يجدون من يساعدهم !