°o.Oßoundkawy 3la tooool°o.O
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

°o.Oßoundkawy 3la tooool°o.O

el banade2 w bas
 
الرئيسيةالبوابةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 مبادئ الملاحده الفكريه والرد عليها OoO متجدد OoO

اذهب الى الأسفل 
انتقل الى الصفحة : 1, 2  الصفحة التالية
كاتب الموضوعرسالة
Bound2
*ابــــــــالبناديقــــــــــــــو*
*ابــــــــالبناديقــــــــــــــو*
Bound2


عدد الرسائل : 1286
العمر : 32
تاريخ التسجيل : 25/03/2007

مبادئ الملاحده الفكريه والرد عليها OoO متجدد OoO Empty
مُساهمةموضوع: مبادئ الملاحده الفكريه والرد عليها OoO متجدد OoO   مبادئ الملاحده الفكريه والرد عليها OoO متجدد OoO Icon_minitimeالإثنين يونيو 04, 2007 8:28 pm

بسم الله الرحمن الرحيم




[color=Plum]الحمد لله وكفي وسلام علي عبده الذين اصطفي




إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات
أعمالنا .من يهده الله فلا مضل له ، ومن يضل فلا هادى له ، واشهد أن لا
إله إلا الله وحده لا شريك له وأشهد أن محمداً عبده ورسوله .


أما بعد : فقد أعظم الله تعالى المنة على هذه الأمة بأن بعث فيها أفضل
رسول وأنزل إليها أكمل دين وأقوم شريعة ،فكانت الأمة التي استحقت أن تسمى
" المسلمـين " : لتحقق معاني الإسلام فيها : إسلام القلب والجوارح ، إسلام
الفرد والمجتمع ،إسلام الحياة كلها لله تعالى وحده لا شريك له .




وهو الإسلام الذي تضمنه تلك الكلمة العظيمة التي تعدل الكون كله ، بل ترجح
به (لا إله إلا الله ) .وظلت الأمة الإسلامية قروناً تقود الجماعة البشرية
وتسيطر على العالم المتحضر إلا قليلاً وتتبوأ مركز الأمة الوسط بين
العالمين ؛ كل ذلك بفضل إدراكها لتلك الكلمة العظيمة والعمل بمقتضاها
وحقيقة مدلولها في واقع الحياة . ثم أخذ شأن الأمة الإسلامية في الانحطاط
وحضارتها في الذبول ؛ وفقدت شيئاً فشيئاً ،مركزها المرموق ومنزلتها
السامية ، ولم يكن لذلك من سبب إلا أن نور (لا إله إلا الله ) قد خفت
،ومقتضياتها قد أهملت ، ومدلولاتها قد انحسرت .




ولما كانت كلمة (لا إله إلا الله ) هي روح هذه الأمة وسر وجودها ومنبع
حياتها ،فإنها ظلت تفقد من ذاتيتها وأصالتها بمقدار ما تفقد من نور هذه
الكلمة العظيمة حتى آل الأمر في العصور الأخيرة إلى الفقدان الكامل أو شبه
الكامل .


وعندما تصاب أمة من الأمم بهذا المرض المدمر :"فقدان الذات" فإن أبرز
أعراضه يتمثل في الانبهار القاتل بالأمم الأخرى والاستمداد غير الواعي من
مناهجها ونظمها وقيمها .




وقد وقع ذلك في حياة الأمة الإسلامية تأويلاً لقوله صلى الله عليه وسلم
(لتركبن سنن من كان قبلكم شبراً بشبر وذراعاً بذراع حتى لو أن أحدهم دخل
حجر ضب لدخلتم ،وحتى لو أن أحدهم جامع امرأته بالطريق لفعلتموه )




ولم يكن أخطر من هذا المرض إلا الجهل بحقيقته وعدم إدراك أسبابه فكان
التشخيص الخاطئ سبباً في العلاج الخاطئ ،الذي جاء بمضاعفات جديدة .




ولقد خيل للأمة أن هذا الداء العضال يمكن مداواته باستعارات ساذجة
ومظاهرجوفاء وترقيعات صفيقة تتلقاها جميعها من الكفار الذين أصبحت تخجل من
أن تسميهم بهذا الاسم ، بل أسمتهم "العالم المتحضر " و "الأمم الراقية " !!


وكان استعدادنا الذاتي وقابليتنا للذوبان هما المبرر الأكبر للحرب النفسية
الشرسة التي نسميها "الغزو الفكري" تلك التي استهدفت مقومات وجودنا وأسس
أصالتنا .




وجاءت طلائع الغزو الفكري - كما هو الحال في سبل الشيطان - متعددة
الشعارات ،متباينة الاتجاهات ،عليها من البهرجة والبريق ما يكفي لتضليل
وإغراء أمة منبهرة مهزوزة .




جاءت الاشتراكية والقومية والوطنية والديمقراطية والحرية وفلسفة التطور
واللادينية ..وغيرها من المسميات والشعارات وسرت عدوى هذه الأوبئة سريان
النار في الهشيم وتغلغلت في العقول والقلوب التي فقدت رصيدها من (لا إله
إلا الله ) أو كادت ،وتربت على ذلك أجيال ممسوخة هزيلة أخذت على عاتقها
مهمة تعبيد أمتها للغرب والإجهاز على منابع الحياة الكامنة فيها .


ومرت في مطلع هذا القرن حقبة مظلمة راجت فيها سوق الأفكار الموبوءة
المنحرفة ، حتى أظهر أعداء الإسلام تفاؤلهم بأن هذه الأمة ستلفظ أنفاسها
عما قليل .




ولكن الله تعال رد كيدهم في نحورهم وأنبت في وسط الركام والظلام رجالاً
صدقوا ما عاهدوا الله عليه ؛ فانفجرت في كل بلد إسلامي حركة جهادية
،وانبثق من تلك الحركات فكر أصيل يستمد من الكتاب والسنة مباشرة ،مهتدياً
بالوثبات التجديدية التي لم يخل منها عصر من عصور الإسلام .وتكمن قوة هذا
الفكر ،بل حياته ،في سر واحد فقط ، هو إدراكه ـ أن سبب انحطاط هذه الأمة
هو انحرافها عن حقيقة "لا إله إلا الله " وان الطريق إلى بعثها يبتدئ من
تصحيح مفهوم هذه الكلمة وما تفرع منها وإزالة ما علق في ذهن الأمة حولها
من غبش واضطراب ؟




وكان مقتضى هذا الإدراك - من الوجهة المنهجية العلمية - أن ما يسمى "علم
الكلام " الذي شغل علماء العقائد الماضون به أنفسهم أصبح مسألة تاريخية
،وأن العودة إلى صفاء العقيدة الإسلامية ووضوح تصوراتها ومفهوماتها تستدعي
منهجية أصلية نقية كل النقاء من التأثيرات الإغريقية القديمة ومن إيحاءات
وسموم الغزو الفكري الحديث .




ولم يكن الإيمان بهذه الحقيقة سهل المنال ، بل أن الرجال الذين اكتشفوها
عانوا بأنفسهم مرارة التجربة وهم يحاولون دراسة الإسلام وفق منهجية غربية
عنه ،ورأوا أن من حق دينهم ومن حقنا نحن الأجيال التالية أن لا تتكرر
المأساة وأن ينيروا الطريق باختطاط منهج علمي أصيل وتأسيس دراسات إسلامية
تخصصية تدرس العقيدة الإسلامية ، بل تدرس الأفكار والمذاهب غير الإسلامية
على ضوء ذلك المنهج الأصيل .




وكان من هؤلاء الرجال : الشيخ الفاضل محمد أمين المصري ، رحمه الله،
(الرئيس السابق لقسم الدراسات العليا بكيلة الشريعة بمكة المكرمة ) ، الذي
بذل جهده لإدخال مادة "المذاهب الفكرية " ضمن برنامج الدراسات العليا لفرع
العقيدة .




وكان من توفيق الله تعالى أن عهد بتدريس هذه المادة إلى علم من أعلام الفكر الإسلامي المعاصر ،هو الأستاذ " محمد قطب "حفظه الله .




وكان من توفيقه سبحانه لكاتب هذا البحث أن يلتحق بفرع العقيدة وأن يختار
رسالته لنيل درجة التخصص الأولى " الماجستير " في هذه المادة وعلى يد ذلك
الأستاذ .




وإذ كان على أن أختار مذهباً فكرياً ليكون موضوعاً لرسالتي فقد هداني الله
لاختيار مذهب " العلمانية " وآثرته على غيره لأسباب ، منها :












وقد عرفت منذ اللحظة الأولى أن مهمتي ليست بيسيرة ،وأن على أن أخوض في
ميادين بعيدة عن مجال دراستي الشرعية البحتة جاعلاً كل قراءاتي السابقة في
الفكر الغربي بمثابة التمهيد فقط لما يجب علي أن أنهض به .




وفعلاً خصصت نصف المدة المحددة للرسالة -تقريباً -في اطلاع دائب وقراءة
متواصلة مسترشداً بالتوجيهات القيمة والآراء السديدة التي كان أستاذي
الفاضل يزودني بها باستمرار ،فاطلعت على أمهات النظريات والاتجاهات في
السياسة والاقتصاد والعلم والاجتماع والأدب والفن وكنت كلما ازددت إيغالاً
في الاطلاع ازدادت ثقتي وقوي عزمي على إكمال الطريق ..مع أن المراجع
المذكورة آخر الرسالة لا تساوي إلا جزءاً مما قرأت ،فإنني لا أشعر بشيء من
الخسارة ، بل أحمد الله تعالى الذي أراني الفكر الجاهلي الأوربي على
حقيقته ..والحق أنني علمت علم اليقين أن هذا الفكر ليس باطلاً فحسب ، بل
هو أيضاً تافه هزيل ،وتمنيت من أعماقي أن يهب الله كل شباب أمتي ما وهب لي
من معرفة تفاهته وهزاله .




ثم ابتدأت الكتابة مقسماً الموضوع خمسة أبواب :




الباب الأول : موضوعه دين أوربا الذي انحرفت عنه إلى اللادينية ،أثبت فيه
تحريف الدين النصراني وأنه لا يمثل دين الله الحق لا في العقيدة ولا في
الشريعة .وتعرضت بالنقد للتحريفات والبدع والخرافات النصرانية ورغم اتفاقي
مع دعاة اللادينية في نقد النصرانية ،فقد كنت مخالفاً لهم في منهجهم ، وفي
بعض الأحيان أعرض وجهة نظرهم وأنقدها .




وسيلحظ القارئ في هذا الباب الإفاضة وعدم التساهل ، وما ذاك إلا نتيجة
اقتناعي بأن السبب الأكبر في انحراف أوروبا من صنع الكنيسة ،وأن الإسلام
يحارب الخرافة كما يحارب الإلحاد .




الباب الثاني :موضوعه أسباب العلمانية .


مع أن تحريف النصرانية في الحقيقة هو السبب الممهد للعلمانية فقد خصصت هذا الباب للأسباب المباشرة لها ،وهي :










والحق أن هناك أسباباً قد لا تقل عن هذه ،غير أنني آثرت أن لا أعرضها ،
بصفتها أسباباً مستقلة ؛فالقوى الهدامة :"اليهود" ،يمكن اعتبارها سبباً
مستقلاً ، لكنني لم أعرضها بهذا الاعتبار ، لأن اليهود -كما سيتضح من
ثنايا البحث - يستغلون الأحداث ولا يصنعونها ،فاكتفيت بعرض نماذج من
استغلالاتهم في مواطنها ،مثل :


استغلال الثورة الفرنسية لتحطيم الرابطة الدينية والخروج من (الجيتو)
..واستغلال الدارونية لنشر الإلحاد والإباحية ..واستغلال الثورة الصناعية
للسيطرة على اقتصاد العالم ..واستغلال الديمقراطية لتوجيه السياسة الدولية
..


على أنني قد عرضت نظريات اليهود مستقلة في مواطنها ،مثل ريكاردو وماركس في
الاقتصاد ،ودوركايم وفرويد في الاجتماع والأخلاق " ،وذلك لضمان وحدة
الموضوعات وتماسكها . ومثل هذا يقال في حركة الإصلاح الديني التي هزت
الكنيسة وحطمت الوحدة الشكلية للعالم المسيحي .




الباب الثالث : العلمانية في الحياة الأور

















1- غموض المدلول الحقيقي لهذا الاصطلاح الخادع بالنسبة لكثير من المثقفين
فضلاً عن العامة ؛فبالرغم من الكساد الذي بدأت المذاهب الأخرى ،كالشيوعية
والاشتراكية ،تمنى به بعد اكتشاف الجماهير لحقيقتها ؛ ما تزال أسهم
العلمانية مرتفعة ،سواء باسمها الصريح ، أو تحت شعار الديمقراطية ،أو شعار
" الدين لله والوطن للجميع " ، أو شعار "لا دين في السياسة ولا سياسة في
الدين " .

2- الصراع بين الكنيسة والعلم ، عرضت فيه الصراع النكد عرضاً تاريخياً منذ
نظرية كوبر نيك إلى نظرية نيوتن بمدرسة النقد التاريخي ،ومذهب الربوبيين
والملحدين الأوائل .
3- الثورة الفرنسية :التي نجحت في إقامة دولة لادينية في أوربا النصرانية،وأضحت أسبابها وآثارها واستغلال القوى الهدامة لها .
4- نظرية التطور:التي كانت إيذاناً بانتهاء وصاية الكنيسة الفكرية على
أوروبا وانسحابها من الميدان إلى الأبد ..وقد تحدثت عن الآثار المدمرة
للنظرية في الفكر والحياة وتطبيقها المريب في حقول المعرفة وميادين السلوك
..
ب

2- التوافق بين ذات العلمانية بوصفها فكرة غريبة واعية وبين موضوعها
المتمثل في عزل الدين عن توجيه الحياة ، وهو ما يعاني منه الواقع الإسلامي
المعاصر ، فالعلمانية -م[color:4506=DarkOrchid:4506]وضوعياً - موجودة في كل نواحي الحياة الإسلامية
المعاصرة وإن لم يكن لها وجود ذاتي متكامل ، كما هو الحال في أوربا ..هذا
التوافق يجعل تقبلها - ذاتياً - أمراً سهلاً ، ومن ثم يحتم على ذوي
الاختصاص دراستها وكشف زيفها وإيضاح تعارضها مع المفهوم الصحيح للإسلام
ومقتضيات "لا إله إلا الله ".

1- الطغيان الكنسي : دينياً وسياسياً ومالياً ،مؤيداً بالشواهد التاريخية




.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
http://www.boundk.tk
Bound2
*ابــــــــالبناديقــــــــــــــو*
*ابــــــــالبناديقــــــــــــــو*
Bound2


عدد الرسائل : 1286
العمر : 32
تاريخ التسجيل : 25/03/2007

مبادئ الملاحده الفكريه والرد عليها OoO متجدد OoO Empty
مُساهمةموضوع: رد: مبادئ الملاحده الفكريه والرد عليها OoO متجدد OoO   مبادئ الملاحده الفكريه والرد عليها OoO متجدد OoO Icon_minitimeالإثنين يونيو 04, 2007 8:29 pm

[color=Purple]


وهو الباب الرئيسي في الموضوع ، وقد قسمته حسب التقسيم التقليدي 6 فصول :




الأول : في الحكم والسياسة ، تعرضت فيه للفكر السياسي اللاديني وأشهر
نظرياته ، مثل : " النظرية الخيالية ، نظرية العقد الاجتماعي ، نظرية الحق
الإلهي " ، ثم النظريات الحديثة التي تقوم على " الميكافيللية ، فلسفة
التطور ، الديمقراطية " بتفسيرها الليبرالي والشيوعي .




وقد انتهجت أسلوب النقد بطريق العرض ، فقد كنت أعرض أي نظرية كما يراها
أصحابها ، عرضاً يوحي للقارئ بنقدها دون أن أتقول عليهم ، وهكذا في بقية
الفصول .




وقد رأيت أفضل أسلوب لرد هذه النظريات هو عرض أثارها الواقعية ونتائجها التطبيقية ، مستشهدا بشهود من أهلها ، وذلك لسببين :








الثاني : في الاقتصاد ، تحدثت فيه عن النظام الإقطاعي ثم عن المذاهب
اللادينية الاقتصادية : " المذهب الطبيعي " الفيزيوقراطى " ، المذهب
الكلاسيكي الرأسمالي ، المذهب الشيوعي " ، عارضاً نظريات كل مذهب . ثم
عقبت على ذلك بعرض الواقع المعاصر والنتائج الفظيعة التي نجمت عن فصل
الاقتصاد عن الدين ، مؤيداً كل ذلك بالشواهد




1- إن تطبيق أي نظرية هو المحك الرئيسي لنجاحها أو إخفاقها.
2- أن مناقشة تفصيلات النظريات اللادينية المختلفة فوق كونها تستهلك بعداً
كبيراً لا تتفق مع حكم الإسلام فيها ، الذي يرفض تلك التصورات جملة رفضاً
أساسيا ، كما سيتضح في الباب الخامس .
الواقعية ، سواء في الغرب
الرأسمالي أو الشرق الشيوعي .




الثالث : - علمانية العلم ، تحدثت فيه عن الأسس والملابسات التي قامت
عليها لادينية العلم ، مثل موقف الكنيسة والإرث الديني والوثني في النفسية
الأوربية ، الذي يصور الإله عدواً للإنسان يتعمد تجهيله كما في سفر
التكوين وأساطير الإغريق .. ومظاهر لادينية العلم مثل " استبعاد الغائية
والاكتفاء بالعلل الصورية ، حذف اسم الله من أي بحث علمي والاستعاضة
بتعبيرات ملتوية كما في مسألة أصل الحياة وتعميم التفسيرات الميكانيكية
للكون والحياة ، ورفع شعار العلم للعلم في الغرب والعلم للمذهب في الدول
الشيوعية "


وعقبت - كالمعتاد - بالحديث عن أثر الفصل بين العلم والدين في المجتمع
المعاصر ونتائجه السيئة ، مثل انتشار الإلحاد وظهور الفوضى العقائدية
والقلق على الأجيال المثقفة واستحالة العلم نفسه إلى خطر يهدد البشرية
جمعاً .




الرابع : علمانية الاجتماع والاخلاق ، مهدت له بالحديث عن مجتمع وأخلاق
القرون الوسطى في ظل الكنيسة ثم فصلت القول في النظريات والمدارس
الاجتماعية اللادينية - مبتدأ بالحديث عن أصول وولادة علم الاجتماع - وهي
" نظرية العقد الاجتماعي - المدرسة الطبيعية ، المدرسة الوضعية العقلية (
كونت ، دوركايم ) النظرية الاجتماعية الشيوعية ، النظرية العضوية
والنفعيون ، الدراسات النفسية الحديثة (السلوكية - التحليل النفسي)"، ثم
أردفت لذلك بالحديث عن الواقع الاجتماعي والأخلاقي المعاصر مكتفياً بنموذج
واحد ، هو قضية المرأة وما نجم عنها من الشرور الاجتماعية المستطيرة ..
وقدمت نماذج واقعية للهبوط الخلقي الشائن الذي تعانى منه المجتمعات
اللادينية المعاصرة ، شرقاً وغرباً .




الخامس : في الأدب والفن ، تحدثت فيها عن الاتجاهات الأدبية الأوربية :








أ- الرومانسية : تصويرها للهروب ، ومثاليتها ، تأليه الطبيعة .


ب- الواقعية : نشأتها ، أهدافها ، ميزاتها الفنية .




- الأدب المعاصر " من الواقعية إلى اللامعقول " المؤثرات الفكرية والاجتماعية فيه ، اتجاهاته الكبرى :


أ- الإباحية ، مع سر نماذج لها .


ب- الضياع " اللاإنتهاء " مع أمثلة أدبية له .




وفي مقابل الواقع المعاصر في كل مجال عرضت هنا نماذج موجزة لمدارس الضياع
المعاصر " الوجودية ، الرمزية ، السوريالية ، العلمية ... الخ"


وكان من أبرز العقبات التي واجهتني في هذا الباب محاولة عرض النظريات
المعقدة بأسلوب موجز سهل الإدراك .. وأحمد الله إذ أعانني على ذلك .


السادس: ماذا بقى للدين ، وهو تكملة عامة للباب مع التركيز على يوم الدين
أو " ساعته ! " وبيان الإفلاس الذي منيت به الكنائس وكيف أصبحت مباءات
للمفاسد العصرية .






الباب الرابع : العلمانية في الحياة الإسلامية :




لقد رأيت ، منذ وضع خطة الموضوع ، أنه لا ينبغي بحث العلمانية بصفتها مذهباً فكرياً غربياً دون التعرض لأثارها في الحياة الإسلامية .


والحق أن العلمانية في العالم الإسلامي جديرة برسالة مستقلة ، لكنني أرجو
أن أكون قد وفقت لعرض أسبابها ومظاهرها عرضاً شافياً .. مع مراعاة حجم
الرسالة ومدتها هذا مع أن الحديث عن العلمانية ونتائجها في أوروبا هو في
الحقيقة شامل لمظاهرها في كل مكان على سبيل الأجمال .


وقد قسمت هذا الباب فصلين كبيرين :




الأول : أسباب العلمانية في العالم الإسلامي ، وقد أو جزتها في سببين بارزين :




انحراف المسلمين الذي يقابل تحريف النصرانية في أوروبا ، أوضحت فيه صور
ذلك الانحراف ، لاسيما ما يتعلق منها بالتوحيد والعقيدة وانحسار مفهومات
الإسلام في مجال الشعائر التعبدية بتأثير الأفكار الصوفية والركود الحضاري
العام ، واختتمته بنماذج لتقبل المسلمين الذاتي للعلمانية .








الثاني : مظاهر العلمانية في الحياة الإسلامية : وهو فصل كبير قسمته إلى ثلاث أقسام :
















الباب الخامس : حكم العلمانية في الإسلام :




وقد رأيت أن يكون هو خاتمة أبواب الرسالة ، وقسمته فصلين :




الأول : فصل تمهيدي بعنوان : هل للعلمانية في العالم الإسلامي مبرر ؟


أوضحت فيه الفروق الجوهرية بين الإسلام والنصرانية المحرفة عقيدة وشريعة
وتاريخاً وواقعاً ، مما ينفي أي مبرر عقلى لاسترداد هذا المذهب المنحرف .




الثاني : حكم العلمانية في الإسلام :

بينت فيه حكم العلمانية
على ضوء أصول العقيدة الإسلامية والمدلول الحقيقي لكلمة " لا إله إلا الله
" ومفهومي " الطاغوت والعبادة " وخرجت من ذلك بنتيجة هي أن العلمانية
تتنافي مع الإسلام من جهتين :








كونها شركاً في عبادة الله ، وفصلت القول في ذلك مورداً الأدلة من الآيات والأحاديث ومستشهداً بأقوال علماء السلف .




ومن خلال ذلك ناقشت شبهة التعلم بحرية أداء الشعائر التي تسمح بها بعض
الأنظمة العلمانية ، وشبهة قصور الشريعة عن مجاراة التطور الإنساني
والإحاطة بجوانب الحياة المعاصرة .


والحق أن تضخم حجم الرسالة مع انتهاء المدة المقررة لها قد حالاً دون
الإفاضة والتفصيل في بعض الموضوعات - لاسيما ما يتعلق بالواقع الإسلامي
المعاصر - كما حالاً دون وضع الفهارس تفصيلاً للأعلام والموضوعات تعين
القارئ على الإفادة من الرسالة بصورة أوفي ، أما التعريف بالإعلام فعله
يتضح من خلال عرض نظرتاهم وآرائهم بالإضافة إلى الإشارة إلى سنة الوفاة
وقد أعرف العلم في الحاشية إذا اقتضى الأمر ذلك .




وكل ما أرجوه هو أن يتقبل الله منى هذا العمل خالصاً لوجهه الكريم ، وأن
ينفع بهذه المحاولة المتواضعة من يسلك هذا الطريق من بعد ، لنصل إلى فكر
إسلامي أصيل متكامل .




وإنني إذ أشكر الله تعالى على توفيقه ومنه ، لأشكر من بعده فضيلة نائب
رئيس الجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة ، وسعادة عميد كلية الشريعة بمكة
المكرمة ، وفضيلة المشرف على هذه الرسالة .. وكل من أسهم بجهده المشكور في
شئ منها ، وأخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين .



1- عصر النهضة " الكلاسيكية الجديدة " وما هدفت إليه من بعث التراث الوثني الإغريقي وإنماء النزعة الإنسانية .
2- العصر الحديث :



3







2- التخطيط اليهودي الصليبي : تحدثت فيه عن جذور العداوة التاريخية
للمسلمين من قبل اليهود والنصارى وأبديتها والخطة الجديدة للغزو وإفادتها
من الواقع الإسلامي المنحرف ، وقسمت المؤامرة أربعة أجنحة كبرى ( قوى
الاحتلال المباشر ، المستشرقون ، المبشرون ، الطوائف اليهودية والنصرانية
، والباطنية ) .. وفصلت القول في جهود وأعمال كل جناح في سبيل تحقيق الهدف
المشترك : إخراج المسلمين من دينهم وصبغتهم بالصبغة الغربية اللادينية

1- في الحكم والتشريع ، تحدثت فيه عن بداية الانحراف المتمثلة في تخلف
المسلمين الحضاري ، وجمود الاستنباط الفقهي ، وتوهم دعاة اليقظة بأن سبب
تأخر المسلمين هو عجزهم التنظيمى والإدارى وما أدى ذلك إليه من تبلور فكرة
( الإصلاح ) .. واستيراد التنظيمات ثم التشريعات الكافرة وكيف انتهي الأمر
بالحركة ال
إصلاحية إلى العلمانية الكاملة في تركيا ، وإلى إقصاء الشريعة
في البلاد العربية ، ومصر خاصة ، بالتعاون بين الاستعمار ودعاة الإصلاح ،
وأثر ذلك في ظهور الأفكار السياسية اللادينية والأحزاب المتعددة
الانتماءات .[color:83c3=Plum:83c3]


2- في التربية والثقافة : تحدثت فيه عن المستوى التربوي والثقافي للعالم
الإسلامي قبل احتكاكه بالحضارة الغربية اللادينية وكيف تمت الازدواجية
الخطرة في التعليم . وحركة التغريب الأولى ، ثم عن الدعوات الهادفة إلى
لادينية التربية والثقافة ، مثل " الدعوة إلى اقتباس الحضارة الغربية
خيرها وشرها ، واحتقار الماضي الإسلامي تربوياً وتاريخياً ، وتطوير الأزهر
، وتطبيق المناهج التعليمية الغربية ، واستيراد المذاهب اللادينية في
الفكر والأدب"
3- في الاجتماع والأخلاق ، ابتداءه بالحديث عن سوء تمثيل المجتمع الإسلامي
لحقيقة الإسلام ، والتقبل الذاتي لتقليد الغرب : ثم فصلت القول فيما أسمى
( قضية تحرير المرأة ) ، ابتداء من جمال الدين الأفغاني ورفاعة الطهطاوى ،
وانتهاء بقاسم أمين وحركة النهضة النسائية ! . مع إيضاح دور العلماء
والزعماء والأدباء الذين اسهموا في مؤامرة ، وسريان الفكرة إلى بلاد الشام
والمغرب فضلاً عن تركياً ، والنتائج الواقعية لها .
1- كونها حكما بغير ما أنزل الله .








الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
http://www.boundk.tk
Bound2
*ابــــــــالبناديقــــــــــــــو*
*ابــــــــالبناديقــــــــــــــو*
Bound2


عدد الرسائل : 1286
العمر : 32
تاريخ التسجيل : 25/03/2007

مبادئ الملاحده الفكريه والرد عليها OoO متجدد OoO Empty
مُساهمةموضوع: رد: مبادئ الملاحده الفكريه والرد عليها OoO متجدد OoO   مبادئ الملاحده الفكريه والرد عليها OoO متجدد OoO Icon_minitimeالإثنين يونيو 04, 2007 8:30 pm

.*.*. العلمــــــــــــــ تعريف ـــــــــــــــــانية .*.*.







ل[color=Red]فظ العلمانية ترجمة خاطئة لكلمة ( Secularism ) في الإنجليزية ، أو (Secularite) بالفرنسية (1) ، وهي كلمة لا صلة لها بلفظ " العلم " ومشتقاته على الإطلاق .




فالعلم في الإنجليزية والفرنسية معناه

( Science ) والمذهب العلمي نطلق عليه كلمة( Scientism ) (2) والنسبة إلى العلم هي ( Scientific ) أو (Scientifique ) في الفرنسية .




ثم إن زيادة الألف والنون غير قياسية في اللغة العربية ، أي في الاسم
المنسوب ، وإنما جاءت سماعاً ثم كثرت في كلام المتأخرين كقولهم : (روحاني
، وجسماني ، ونوراني ........ ) .




والترجمة الصحيحة للكلمة في الإنجليزية هي ( اللادينية ) أو ( الدنيوية )
لا بمعنى ما يقابل الأخروية فحسب ، بل بمعنى أخص هو ما لا صلة له بالدين ،
أو ما كانت علاقته بالدين علاقة تضاد .




وتتضح الترجمة الصحيحة من التعريف الذي تورده المعاجم ودوائر المعارف الأجنبية للكلمة :




تقول دائرة المعارف البريطانية مادة




( Secularim ) : ( هي حركة اجتماعية تهدف إلى صرف الناس وتوجيهم إلى الاهتمام بالآخرة إلى الاهتمام بهذه الدنيا وحدها .)




ذلك أنه كان لدى الناس في العصور الوسطى رغبة شديدة في العزوف عن الدنيا
والتأمل في الله واليوم الأخر ، وفي مقاومة هذه الرغبة طفقت الـ

( Secularism) تعرض
نفسها من خلال تنمية النزعة الإنسانية ، حيث بدأ الناس في عصر النهضة
يظهرون تعلقهم الشديد بالإنجازات الثقافية والبشرية وبإمكانية تحقيق
مطامحهم في هذه الدنيا القريبة .




وظل الاتجاه إلى الـ

( Secularism ) يتطور باستمرار خلال التاريخ الحديث كله ، باعتبارها حركة مضادة للدين ومضادة للمسيحية (3) .




ويقول قاموس " العالم الجديد " لو بستر ، شرحاً للمادة نفسها :-








1- الروح الدنيوية ، أو الاتجاهات الدنيوية ، ونحو ذلك . وعلى الخصوص : نظام من المبادئ والتطبيقات
( Practices ) يرفض أي شكل من أشكال العبادة.








ويقول معجم أكسفورد شرحاً لكلمة


2- الاعتقاد بأن الدين والشؤون الكنسية لا دخل لها في شئون الدولة وخاصة التربية العامة " (4)
( Secular)




"1- دنيوي ، أو مادي ، ليس دينيا ولا روحيا ً : مثل التربية اللادينية ،
الفن أو الموسيقى اللادينية ، السلطة اللادينية ، الحكومة المناقضة
للكنيسة .








ويقول " المعجم الدولي الثالث الجديد " مادة



2- الرأي الذي يقول أنه لا ينبغي أن يكون الدين أساساً للأخلاق والتربية " (5)
( Secularism)


" اتجاه في الحياة أو في أي شأن خاص يقوم على مبدأ أن الدين أو الاعتبارات
الدينية يجب ألا تتدخل في الحكومة ، أو استبعاد هذه الاعتبارات استبعادا
مقصوداً ، فهي تعنى مثلاً " السياسة اللادينية البحتة في الحكومة "




" وهي نظام اجتماعي في الأخلاق مؤسس على فكرة وجوب قيام القيم السلوكية
والخلقية على اعتبارات الحياة المعاصرة والتضامن الاجتماعي دون النظر إلى
الدين " (6)




ويقول المستشرق " أر برى " في كتابة " الدين في الشرق الأوسط " عن الكلمة نفسها :




" إن المادية العلمية والإنسانية والمذهب الطبيعي والوضعية كلها أشكال
اللادينية ، واللادينية صفة مميزة لأوربا وأمريكا ، ومع أن مظاهرها موجودة
في الشرق الأوسط فإنها لم تتخذ أي صيغة فلسفية أو أدبية محددة ، والنموذج
الرئيسي لها هو فصل الدين على الدولة في الجمهورية التركية " (7)




والتعبير الشائع في الكتب الإسلامية المعاصرة هو " فصل الدين عن الدولة "
، وهو في الحقيقة لا يعطى المدلول الكامل للعلمانية الذي ينطبق على
الأفراد وعلى السلوك الذي قد لا يكون له صلة بالدولة ، ولو قيل أنها " فصل
الدين عن الحياة " لكان أصوب ، ولذلك فإن المدلول الصحيح للعلمانية "
إقامة الحياة على غير الدين " سواء بالنسبة للأمة أو للفرد ، ثم تختلف
الدول أو الأفراد في موقفها من الدين بمفهومه الضيق المحدود : فبعضها تسمح
به ، كالجماعات الديمقراطية الليبرالية ، وتسمى منهجها ( العلمانية
المعتدلة -




Non Religious ) أي أنها مجتمعات لا دينية ولكنها غير معادية للدين وذلك مقابل ما يسمى ( العلمانية المتطرفة -[color:ad0a=Red:ad0a] Anti Religious ) ، أي المضادة للدين ، ويعنون بها المجتمعات الشيوعية وما شاكلها .




وبديهي أنه بالنسبة للإسلام لا فرق بين مسلمين ، فكل ما ليس دينيا من
المبادئ والتطبيقات فهو في حقيقته مضاد للدين ، فالإسلام واللادينية
نقيضان لا يجتمعان ولا واسطة بينهما
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
http://www.boundk.tk
Bound2
*ابــــــــالبناديقــــــــــــــو*
*ابــــــــالبناديقــــــــــــــو*
Bound2


عدد الرسائل : 1286
العمر : 32
تاريخ التسجيل : 25/03/2007

مبادئ الملاحده الفكريه والرد عليها OoO متجدد OoO Empty
مُساهمةموضوع: رد: مبادئ الملاحده الفكريه والرد عليها OoO متجدد OoO   مبادئ الملاحده الفكريه والرد عليها OoO متجدد OoO Icon_minitimeالإثنين يونيو 04, 2007 8:31 pm

.*.*. التحــــــــــــــــــريـــــــــــــف .*.*.



أولا : تحـــــــــــــ العقيدة ـــــــــــريف



ثانيا : تحـــــــــــــ الشريعة ــــــــــــــــــريف


__________________________________________________ ______________




أولاً :تحـــــــريف العقيــــــــدة



قضيــــــــــــــة الألوهيـــــــــــــــة :



إن قضية الألوهية لتأتي في طليعة المعضلات الفلسفية العريضة التي شغلت
أذهان الفلاسفة والمفكرين قروناً طويلة ، لا سيما ما يتعلق بتصور الإله
وصفاته ، حيث تفاوتت التصورات المنحرفة ،فأوغل بعضها في التجريد حتى وصل
إلى درجة المعميات والألغاز المبهمة ، وسفل بعضها في التجسيم حتى هبط إلى
مستوى الجمادات والمخلوقات التافهة ، وقد كانت البشرية في غنى عن هذا
التخبط والضلال لولا أنها ضيقت على نفسها وحاولت بلوغ الحقيقة من غير
طريقها ،ولم تكن بحاجة إلى الخوض في هذه القضية بتاتاً لو أنها استلهمت
الفطرة الكامنة في أعماقها واستقت معرفتها بالله من طريق الوحي الإلهي
نفسه ،واستبدلت بتخرصات الفلاسفة وتحريفات الكهان تعاليم الأنبياء ،عليهم
الصلاة والسلام .



ولو جاز أن نتلمس عذراً لأحد من التائهين في هذه القضية ،لالتمسناه
للأمم التي انقطع عنها الوحي فترات طويلة ، أو للذين لم تقع أعينهم على
شيء من آثار الأنبياء ، أما إذا كان المتخبطون ممن يستطيعون أن ينعموا
بنور الحقيقة لكنهم آثروا عليه الإدلاج في الظلمات ،فما عذرهم حينئذ ؟



لكم تكون الخسارة فادحة لو أن عالماً من جهابذة الطب كتب أروع بحث
علمي في فنه وأوصى خادمه بحفظه ،لكن الخادم عبث به فقدم وأخر وشطب وأضاف
حتى حوله إلى خزعبلات سخيفة ..فكيف إذا كان موضوع العبث هو الوحي الإلهي
الذي لا تستقيم بغيره حياة ولا تصلح بسواه دنيا ولا آخره ؟


إن المسيح-عليه السلام- قد بعث في بيئة بركام هائل من الخرافات والوثنيات
- ذكرنا بعضها قريباً - وجاء كأي نبي مرسل لينقذ قومه من هذا الركام
ويهديهم إلى التوحيد الذي دعا إليه سلفه من الأنبياء ،ولا شك أنه قام
بمهمته خير قيام ،وكان عليهم شهيداً ما دام فيهم فلما توفاه الله حدث من
أتباعه ما لم يكن في الحسبان من تحريف ونكوص .



وعملية التحريف التي استغرقت زهاء عشرة قرون -بل نستطيع أن نقول أنها
لم تتوقف حتى الآن - بدأت مبكرة حين كان الحواريون لا يزالون على قيد
الحياة ، كما أنها ابتدأت بموضوع ليس بالهين ، وهو القول بأن للمسيح طبيعة
إلهية ، مع أن سيدنا عيسى عليه السلام - كما تعترف دائرة المعارف
البريطانية -"لم تصدر عنه أي دعوى تفيد أنه من عنصر إلهي أو من عنصر أعلى
من العنصر الإنساني المشترك " (1) .



وتتفق المصادر التاريخية - فيما نعلم - على أن اليد الطولي في
التحريف كانت لمبشر من أتباع الحواريين ،تسمية المسيحية المحرفة "بولس
الرسول " ، وهو الذي أثار موضوع ألوهية المسيح لأول مرة ، مدعياً أنه "ابن
الله " (2) - تعالى عن ذلك - وكانت هذه الدعوى البذرة الأولى للتثليث .




>> بـــولــس <<




الاسم الأصلي لبولس هو "شاؤل" وهو كما يبدو من سيرته شخصية تآمرية ذات
عبقرية عقائدية ،ويظهر أنه كان ينفذ تعاليم المحكمة اليهودية العليا
"سانهدرين " ،حيث كان أستاذه عمانوئيل أحد أعضائها(3)



وقد اشتهر أول حياته باضطهاد المسيحيين (4) .ثم تحول فجأة ليصبح
الشخصية المسيحية الأولى والقطب الكنسي الأعظم ،ومنذ ظهوره إلى الآن لم
يحظ أحد في تاريخ الكنيسة بمثل ما حظي به من التقديس والإجلال ، إلا أن
"أحرار المفكرين " الأوربيين لم يخفوا عداوتهم له ، حتى أن الكاتب
الإنجليزى "بنتام"ألف كتاباً أسماه "يسوع لا بولس " ..ومثله "غوستاف لو
بون " في حياة الحقائق " . أما المؤرخ "ويلز " وهو من المعتدلين - فقد عقد
فصلاً بعنوان "مبادئ أضيفت إلى تعاليم يسوع " ،قال فيه :



"وظهر للوقت معلم آخر عظيم يعده كثير من النقاد العصريين المؤسس
الحقيقي للمسيحية ،وهو شاؤل الطرسوسي ، أو بولس ، والراجح أنه كان يهودي
المولد وإن كان بعض الكتاب ينكرون ذلك ! ولا مراء في أنه تعلم على أساتذة
من اليهود ، بيد أنه كان متبحراً في لاهوتيات الإسكندرية الهلينية …وهو
متأثر بطرائق التعبير الفلسفي للمدارس الهيلنستية ، وبأساليب الرواقيين
بيسوع الناصري بزمن طويل ..ومن الراجح جداً أنه تأثر بالمثرائية ، إذ هو
يستعمل عبارات عجيبة الشبه بالعبارات المترائية ،ويتضح لكل من يقرأ رسائله
المتنوعة جنباً إلى جنب مع الأناجيل أن ذهنه كان مشبعاً بفكرة لا تبدو قط
بارزة قوية فيما نقل عن يسوع من أقوال وتعليم ، ألا وهي فكرة الشخص الضحية
الذي يقدم قرباناً لله كفارة عن الخطيئة .فما بشر به يسوع كان ميلاداً
جديداً للروح الإنسانية أما ما علمه بولس فهو الديانة القديمة ،ديانة
الكاهن والمذبح وسفك الدماء طلباً لاسترضاء الإله " .



" ..ولم ير بولس يسوع قط ، ولا بد أنه استقى معرفته بيسوع وتعاليمه
سماعاً من التلاميذ الأصليين ، ومن الجلي أنه أدرك الشيء الكثير من روح
يسوع ومبدأه الخاص بالميلاد الجديد ، بيد أنه أدخل هذه الفكرة في صرح نظام
لاهوتي ، ذلك بأنه وجد الناصريين ولهم روح ورجاء وتركهم مسيحيين لديهم
بداية عقيدة ؟ (6)



ولندع الآن كل التأثيرات والثقافات التي عرفها بولس ، باستثناء واحدة
منها هي "لا هوتيات الإسكندرية" التي كان متبحراً فيها ، ومعلوم أن هذه
اللاهوتيات هي المدرسة الفلسفية المسماة "الأفلاطونية الحديثة " التي
أشرنا سابقاً إلى عقيدتها الثالوثية ،وعنها نقل بولس فكرة التثليث
"يضاهئون قول الذين كفروا من قبل " والتعديل الذي أدخله على الأفلاطونية
شكلي فقط :فالمنشئ الأزلي الأول فيها يقابله عنده الله "الأب" والعقل
المتولد عن المنشئ الأول يقابله عنده يسوع "الابن " ، والروح الكلي يقابله
"روح القدس " . ثم أنه سار شوطاً أبعد من ذلك ،فاستعار من المثرائية فكرة
الخلاص . وجعل القربان الضحية هو الأقنوم الثاني "الابن" . ثم إن الكنيسة
أكملت المسيرة فأضافت إلى فكرة الخلاص فكرة تقديس الخشبة التي صلب عليه
المخلص ، وهكذا "تتابعت البدع واحدة في أثر الأخرى ، وكان نتيجة ذلك أن
دفنت التعاليم الأصلية بطريقة تكاد تكون غير محسوسة تحت تلك الإضافات
المألوفة "(6)


بهذه الطريقة ،وبغض النظر عن الأهداف والدوافع الخفية ، هدم بولس عقيدة
التوحيد وأوقع أتباع المسيح فيما كان قد حذرهم منه أبلغ تحذير . واكتسبت
تعاليم بولس الصفة الشرعية المطلقة بقيام أحد أتباعه بكتابة الإنجيل
الرابع المنسوب إلى يوحنا الحواري ، والذي قال عنه جيبون أنه :


"فسر نظرية الكون الأفلاطونية تفسيراً مسيحياً وأظهر أن يسوع المسيح هو
الكيان الذي تجسد فيه "الكلمة " أو العقل الذي تحدث عنه أفلاطون والذي كان
مع الله منذ البدء (7) .



على أنه من الإنصاف أن نذكر أن الثلاثة القرون الأول التي تسميها
الكنيسة "عصر الهرطقة " شهدت صراعاً محتدماً بين أتباع بولس واثانسيوس ،
وبين منكرة التثليث وعلى رأسهم "آريوس" ، ولم يكتب النصر النهائي
للثالوثيين إلا في مجمع نيقية ، مع انهم كانوا أقلية فيه .




يقول برنتن :

"وقد امتدت هذه الهرطقات فشملت الجانب الأكبر من
السلوك والعقائد ، ونستطيع أن نأخذ الجدل النهائي الذي ثار حول العلاقة
بين يسوع والإله الواحد - الإله الأب - مثلاً لعصر الهرطقة كله ، وأخيراً
قبلت المسيحية الرسمية في عام 325 في مجلس نيقية بالقرب من القسطنطينية
عقيدة التثليث أو ما نادى به أثانسيوس ، والثالوث "الله الأب ، ويسوع
الابن ، والروح القدس ، طبقاً لهذه العقيدة : أشخاص حقيقيين ، عددهم ثلاثة
لكنهم واحد أيضا ، وبقيت المسيحية وحدانية تثليثها يسمو في الرياضيات (Cool .


وهنا ، عند هذه النقطة خاصة تصطدم أراء بولس وكنيسته بالفطرة والعقل
اصطدما مباشراً ، فمهما حاول أي عقل بشرى أن يتصور أن الثلاثة واحد
والواحد ثلاثة فإنه لا يستطيع إطلاقاً ، مع أن الملايين من أتباع الكنيسة
يقولون في كل صلاة " باسم الأب والابن وروح القدس إله واحد " .




لقد ظل العقل البشرى يلح على الكنيسة أن تعطيه إجابة مقنعة يتخلص بها من سؤال داخلى قاتل وهو : كيف أصدق أن 1 + 1 + 1 = 1 ؟


فكان رد الكنيسة المتكرر دائما هو أن ذلك " سر " لا يستطيع العقل إدراكه .



هكذا كان رأى القديس أوغسطين (430) وهو يواجه حملة آريوس على التثليث
الكاثوليكي ، وقال أن كل ما جاء في الأناجيل لا ينبغي للعقل أن يجادل فيه
" لأن سلطانها أقوى من كل سلطان أمر به العقل البشرى (9) .


كذلك القديس توما الأكويني ( + 1274 ) ، فهو " يقرر أن الحقائق التي
يقدمها الإيمان لا يقوى العقل على التدليل عليها ، ففي استطاعة العقل أن
يتصور ماهية الله ( Essence ) ، ولكنه لا يستطيع أن يدرك تثليث الأقانيم
ومن دلل على عقيدة التثليث في الأقانيم حقر من شأن الإيمان ) (10)


وهكذا كان رأى الكنيسة وهي تواجه انتقادات " أبيلارد " في القرن الثاني
عشر الميلادى الذي أدان رأى أبيلارد وقرر إحراق كتابه وأن يضعه بيده في
النار (11) ولا يزال هذا هو رأى الكنيسة وإلا فماذا في إمكانها أن تقول
غير ذلك ؟


حتى الكنائس الشرقية تذهب إلى هذا الرأي ، فالقس باسيلوس يقول : " أن هذا
التعليم عن التلثيث فوق إدراكنا ، ولكن عدم إدراكه لا يبطله " ..


وزميله توفيق جيد يقول : " إن تسمية الثالوث باسم الأب والابن والروح
القدس تعتبر أعماقا الهية وأسراراً سماوية لا يجوز لنا أن نتفلسف في
تفكيكها أو تحليلها أو أن نلصق بها أفكارنا من عندياتنا" (12) .



من هذه الإجابات يتضح أن الكنيسة لم تضع حلاً للمشكلة إلا المشكلة
نفسها ، فالعقل يسأل الكنيسة عن سر التثليث فتجيب بأن هذا " سر " وياليت
أنه كان السر الوحيد ، ولقائل أن يقول : أن الأديان بما فيها الإسلام لا
تخلو من مغيبات أو حقائق لا يستطيع العقل إدراكها ولكن يدفع هذا القول أن
هناك فرقا بين ما يحكم العقل باستحالته كالتثليث وبين ما لا يستطيع العقل
إدراكه ، والإسلام ، وإن كان فيه الأخير ، فإنه يخلو تماماً من الأول ،
فليس فيه ما يحكم العقل باستحالته أبداً (13)



إن الكنيسة ، بتبنها لعقيدة التثليث ، قد فتحت على نفسها ثغرة واسعة
يستطيع أعداؤها أن ينفذوا من خلالها إلى هدم الدين البوليسي الكنسي بسهولة
، وكانت هذه العقيدة واضرابها المقومات الأساسية للفكر الديني الذي تستر
بستار " النقد التاريخى للكتب المقدسة " ابتداء من القرن السابع عشر ، ولا
بأس هنا أن نورد قول أحد أقطاب هذا الفكر وهو الفيلسوف " رينان " الذي
حرمته الكنيسة وحظرت كتبه :



" أنه ينبغي لفهم تعليم يسوع المسيح الحقيقي ، كما كان يفهمه هو ، أن
نبحث في تلك التفاسير والشروح الكاذبة التي شوهت وجه التعليم المسيحي حتى
أخفته عن الأبصار تحت طبقة كثيفة من الظلام ويرجع بحثنا إلى أيام بولس
الذي لم يفهم تعليم المسيح ، بل حمله على محمل أخر ثم مزجه بكثير من
تقاليد الفرنسيين وتعاليم العهد القديم ، وبولس ، كما لا يخفي ، كان
رسولاً للأمم أو رسول الجدال والمنازعات الدينية ، وكان يميل إلى المظاهر
الخارجية الدينية كالختان وغيره ، فأدخل أمياله هذه على الدين المسيحي
فأفسده ، ومن عهد بولس ظهر التلمود المعروف بتعاليم الكنائس ، وأما تعليم
المسيح الأصلي الحقيقي فخسر صفته الإلهية الكمالية ، بل أصبح إحدى حلقات
سلسلة الوحي التي أولها ابتداء العالم وآخرها في عصرنا الحالي والمستمسكة
بها جميع الكنائس ، وأن أولئك الشراح والمفسرين يدعون يسوع الهاً دون أن
يقيموا على ذلك الحجة ، ويستندون في دعواهم على أقوال وردت في خمسة أسفار
: موسى ، الزبور ، وأعمال الرسل ورسائلهم وتآليف أباء الكنيسة ، مع أن تلك
الأقوال لا تدل على أن المسيح هو الله) (14) .




وإذا كان التثليث يتصف بهذه الصور العقيمة المستغلقة ، وإذا كانت الكنيسة
تعلم انها لم تستطع ، حلّ هذه المعضلة _ بل إنها غير مقنعة في نفسها بما
تقدم من حلول - فلم هذا الإصرار على تلك العقيدة ؟ أهو التقليد الأعمى أم
شهوة التسلط على العقول والقلوب ؟ إن أحد هذين أو كليهما ، لا مرية فيه
ولكن الكنيسة تمارى . زاعمة أنها تتبع روايات العهد الجديد وشروحها .



وهنا نجد مرة ثانية ، أن الكنيسة تستدل على الدعوى بالدعوى نفسها ،
فإن منكرى التثليث إنما ينكرونه لاعتقادهم أن الكنيسة هي التي أضافته إلى
نصوص الأناجيل أو فهمته خطأ من ثناياها ، وحينئذ تحتاج الكنيسة إلى إثبات
صحة استدلالها منها ، وأنى لها ذلك .



















الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
http://www.boundk.tk
Bound2
*ابــــــــالبناديقــــــــــــــو*
*ابــــــــالبناديقــــــــــــــو*
Bound2


عدد الرسائل : 1286
العمر : 32
تاريخ التسجيل : 25/03/2007

مبادئ الملاحده الفكريه والرد عليها OoO متجدد OoO Empty
مُساهمةموضوع: رد: مبادئ الملاحده الفكريه والرد عليها OoO متجدد OoO   مبادئ الملاحده الفكريه والرد عليها OoO متجدد OoO Icon_minitimeالإثنين يونيو 04, 2007 8:31 pm

أما احتجاج منكري التثليث على الكنيسة بأنها أقحمت
العبارات الدالة على التثليث في صلب الأناجيل فإن له ما يسوغه وهذا أحد
الأمثلة عليه :

في الفصل الخامس من رسالة يوحنا الأولى نجد هذه العبارات : " إن الذين
يشهدون في السماء هم ثلاثة : الأب ، والكلمة ، والروح القدس . وهؤلاء
الثلاثة هم واحد والذين يشهدون في الأرض هم ثلاثة : الروح ، والماء ،
والدم. والثلاثة هم في الواحد " فالمحققون من علماء النصارى أمثال كريسباخ
وشولز وآدم كلارك ، وحتى المتعصبين مثل هورن ، يرجحون أن أصل العبارة هكذا
: " وأن الشهود الذين يشهدون ثلاثة وهم الروح والماء والدم " وغير أن
معتقدي التثليث أضافوا إليها عبارة " هم في السماء ثلاثة … الخ " حتى
أصبحت العبارة بهذه الإضافة دليلاً من أدلة الكنيسة على التثليث ومما يؤيد
قول هؤلاء أن المصلح الكنسي " مارتن لوثر " لم يترجم هذه العبارة إلى
الألمانية عندما ترجم العهد الجديد إليها (15) .

وأما اعتقادهم أن الكنيسة فهمت التثليث خطأ من نصوص الكتب المقدسة
واستنبطته من تأويل بعض عبارات الأناجيل القائلة " أبي " : " ابن الله "
وأشباهها ، فليس بأقل من سابقة ، وقد نبه إلى ذلك جرين برنتن ، فقال


" يستطيع المرء إذا أخذ بالتفسير الطبيعي لمصادر العهد الجديد أن
يزعم أن يسوع لم يدع لنفسه الألوهية قط ، وأن مثل هذه العبارات ( أي أبي
وابن الله ) إنما رويت محرفة أو استعملت مجازاً أو كانت هذا أو ذاك (16).



ومن اليسير علينا تأييد هذا الرأي بما ورد في الأناجيل والرسائل من إشراك
سائر الناس مع المسيح في إطلاق هذه العبارات عليهم وعدم اختصاصه بهذه
الصفات جاء ذلك في مواضع كثيرة ، منها :



" كل من يؤمن أن يسوع هو المسيح فقد ولد من الله ، وكل من يحب الوالد يحب المولود منه أيضا ، بهذا نعرف أننا نحب أولاد الله" (17) .

في إنجيل متى يقول المسيح : " طوبى لصانعي السلام لأنهم أبناء الله يدعون " (18) .

وفيه أيضا يقول المسي للتلاميذ : " صلوا أنتم هكذا أبانا الذي في السموات ليتقدس اسمك .."

يقول في إنجيل لوقا : " ومن اعترف بي قدام الناس يعترف به ابن الإنسان قدام ملائكة الله "(19)

وفي متى عنه : " أن ابن الإنسان سوف يأتي في مجد أبيه مع ملائكته ".



هكذا نجد في العهد الجديد نصوصاً كثيرة تصف الناس جميعا - المسيح وغيره -
بأنهم أبناء الله ، وهو معنى مجازى قطعاً ، وتصف المسيح بأنه " ابن
الإنسان " ويمكن درء التعارض بينها بشأن المسيح برد نصوص المجاز إلى
الحقيقة لأنها هي الأصل ، وبذلك لا يكون للمسيح عليه السلام أية ميزة ،
عدا كونه رسولاً ، إلا أن القدرة الإلهية خلقته من أم ( بلا أب ) .



ولكن الكنيسة تماري في هذه الحقيقة الساطعة مستدلة بالأناجيل ، لاسيما
إنجيل يوحنا مما يجعل الباحث ينقب عن حقيقة الأناجيل ذاتها ومدى حجيتها
على هذه القصة وغيرها (20)



ب . تحريـــــــــــــــف الأناجيــــــــــل :



ليس ثمة شك في أن الله تبارك وتعالى إنما أنزل على المسيح عليه السلام
إنجيلا واحداً مكملاً للتوراة المنزلة على موسى عليه السلام ، وما من شك
أيضا في أن المسيح حين هتف ببنى إسرائيل : " قد كمل الزمان واقترب ملكوت
الله فتربوا وآمنوا بالإنجيل (21) ، وإنما كان يعنى ذلك الإنجيل المنزل ،
لا شيئا آخر سواه .


والقرآن الكريم هو الكتاب الوحيد الذي تكفل الله بحفظه بنفسه ( إنا
نحن نزلنا الذكر وآنا له لحافظون) " 15-9 " . أما الكتب السابقة فقد وكل
حفظها إلى علماء دينها .

(( إنا التوراة فيها هدى ونور يحكم بها النبيون الذين أسلموا للذين هادوا
والربانيون والأحبار بما استحفظوا من كتاب الله )) " 65 - 44 " إذن فقد
كان في عهدة الكنيسة أن تحفظ هذا الإنجيل بنصه السماوي وصبغته الإلهية،
فلا يمسه عبث عابث ، ولا يجترئ عليه يد محرف ، لكن الكنيسة - كعادتها _
فرطت في واجبها ، بل إنها هي التي فتحت للمعرضين باب التحريف والقول على
الله بغير علم .


إن محرري دائرة المعارف البريطانية ، وهو من ذوى الكفاءات العالية في
معظم التخصصات - ومنها اللاهوت - لم يتطرفوا أو يبالغوا في القول بأنه "
لم يبق من أعمال السيد المسيح شئ ولا كلمة واحدة مكتوبة " (22) ، بما إنما
عبروا بذلك عما ينبغي أن يقرره الباحث العلمي المدقق .



ونحن المسلمين نؤمن بأن في خبايا الأناجيل شيئا من أقوال المسيح وتعاليمه
التي يحتمل أنها وحى من الله ، لكن ذلك لم يثبت لدينا بسند تاريخى موثوق
إلى المسيح ، وإنما آمنا به لأننا لو عرضناه على الوحى الإلهي المحفوظ "
القرآن " والسنة ، لوجدنا الصلة بينهما واضحة أما من لا يؤمن بالقرآن ولا
يعترف إلا بحقائق البحث المجرد فليس غريباً أن ينكر الأناجيل برمتها مثل
قولة دائرة المعارف البريطانية هذه .



ولندع رأى المعاصرين ولنعد إلى القرن الأول الميلادي حيث احتمال وجود
الإنجيل أقوى وأرجح ، فماذا نجد ؟ يقول آدم كلارك أحد شارحي الأناجيل :



" محقق أن الأناجيل الكثرة الكاذبة رائجة في أول القرون المسيحية وكثرة
هذه الأحوال الغير صحيحة (كذا) هيجت لوقا على تحرير الإنجيل ، ويوجد ذكر
أكثر من سبعين من هذه الأناجيل الكاذبة والأجزاء الكثيرة من هذه الأناجيل
باقية ، وكان " فابرى سيوس " جمع الأناجيل وطبعها في ثلاث مجلدات" (23)

هكذا قفز العدد من واحد إلى سبعين ، و المسيحية لا تزال في مهدها ، مما
دفع لوقا إلى كتابة إنجيله ، فأي هذه الأناجيل يا ترى الإنجيل الحقيقي
الموحى إلى المسيح ما دمنا مسلمين بأن الله لم ينزل إليه إلا إنجيلاً
واحداً ؟



إن لوقا نفسه ليفسح لنا الطريق إلى الحقيقة النيرة التي تهدم الأناجيل كلها - ومنها إنجيله - وها هي ذي مقدمة إنجيله تنطق بها .


يقول لوقا في المقدمة : " إذا كان كثيرون قد أخذوا بتأليف قصة في
الأمور المتبقية عندنا كلما سلمها إلينا الذين كانوا منذ البدء معاينين
وخداماً للكلمة ، رأيت أنا أيضا ، إذ قد تتبعت كل شئ من الأول بتدقيق ، أن
أكتب إليك على التوالى أيها العزيز تاوفيلس لتعرف صحة الكلام الذي علمت به
" (24)

وعلى هذا فلا السبعون الكاذبة ولا إنجيله الصادق وحي من الله ولا أحدها هو
منسوب إلى المسيح ، بل الكل سير وقصص يكتبها أتباع المسيح عن حياته ودعوته
كما سمعوها من أسلافهم الذي رأوا المسيح وخدموه ، ولو استعرنا عبارة
الفيلسوف الفرنسى غوستاف لوبون لقلنا عن الأناجيل :



" هي مجموعة من الأوهام والذكريات غير المحققة التي بسطها خيال مؤلفيها
(25) . إن أشبه الكتب الإسلامية بالأناجيل ، من جهة موضوعها لا من جهة
ثبوتها ، هي كتب السيرة … فهل يمكن بأى حال من الأحوال القول بأن سيرة ابن
هشام مثلاً وحي منزل من الله ؟ إن هذا لمحال شرعاً وعقلاً ، فكيف وسيرة
ابن هشام مقطوع بنسبتها إلى مؤلفها ومتصلة السند بصاحب السيرة صلى الله
عليه وسلم ومحفوظة بأصلها العربي ، لم تتناولها الترجمات ، كما هو الحال
في الأناجيل ، كما أنها لم تفرض بسلطة قانونية أو كهنوتية وإنما أقرها
البحث والتدقيق ، وكم من علماء مسلمين بلغوا ذروة العبادة والورع لا يعتد
الباحثون المسلمون من رواياتهم بشيء لأن شروط التحقيق العلمي لم تتوفر
فيهم ، أما الكنيسة فلا يكاد راهب ينقطع في صومعة أو عابد يتظاهر بحب
المسيح حتى نقول " أنه مملوء بالروح القدس " وتمنحه لقب " رسول " أو
"قديس" ، وتعد كلامه وحياً ملهماً لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من
خلفه .



ولذلك فليس غريباً أن يكون لدى الكنيسة مائة وعشرون رسولاً (26) يؤخذ
كلامهم - على علاته - قضايا مسلمة وتقديس رسائلهم ، كما تقدس الأناجيل .


تلك حصيلة المسيحية في قرونها الثلاثة الأولى : سبعون إنجيلاً يكذب
بعضهم بعضاً ، ومائة وعشرون رسولاً ، منهم من ألف أناجيل ، ومنهم من كتب
رسائل ، ومنهم من كان يكرز ( يعظ ) من حفظ ومعلوماته … وطوائف وفرق تجل عن
الحصر تختلف في قضايا أساسية بالغة الأهمية ، وكان عام 325 يمثل معلما من
معالم التاريخ البارزة ، ففيه عقد مجمع نيقية الذي ابتدئت به صفحة جديدة
في تاريخ الديانات العاملة . وأن هذا المجمع ليستحق أن يقف عنده المرء
طويلاً .

أن أي مجمع أو مؤتمر يجب أن تتوفر فيه شروط خاصة - لاسيما إذا كان دينيا - ومن أوجب هذه الشروط .

حرية البحث والمناظرة ، سواء في جدول أعماله أو صيغة قراراته ، فلا تكون
هنالك سلطة قاهرية تفرض على المجتمعين موضوعاً أو قراراً بعينه مما كانت .


نزاهة القصد وروح التفاهم ، بأن يكون الوصول للحق هدفاً مشتركاً بين المجتمعين بدون تعصب أو إصرار

اتخاذ قرارات سائغة ومنطقية مع اعتراف مقرريها بأنها عرضة للخطأ والصواب وقابلة للنقاش ، وإلا جاز اتهامهم بالاستبداد الفكرى .



وهذه الشروط - مع الأسف - مفقودة كلياً في هذا المجمع " المقدس " :

فأولا :- لم يكن سبب انعقاده ذاتيا نابعاً مع الأساقفة أنفسهم ، بل إن
الإمبراطور الرومانى " قسطنطين " هو الذي دعا إلى انعقاده وهو رجل وثنى ظل
وثنيا إلى أن عمد وهو على فراش الموت (27) .



ثانيا :- حضر المجمع ألفان وثمانية وأربعون من البطاركة والأساقفة يمثلون مذاهب وشيعاً متناحرة ، أبرزها فرقتان :

الموحدين ، كما يدعون ، أتباع آريوس ، وكان عددهم يقارب سبعمائة عضو .

الثالوثيون ، أتباع بولس ، وكان عددهم حوالي ثلاثمائة وثمانية عشر عضواً .

ومعلوم أو وثنية قسطنطين ثالوثية ، وهذه في حد ذاتها تمثل قوة معنوية
للثالثوثيين ، فكيف إذا أضيف إلى ذلك أنه جمع الثلاثمئة وثمانية عشر
أسقفاً في مجلس خاص وجلس في وسطهم وأخذ خاتمة وسيفه وسلمه إليهم ، وقال :
" قد سلطتكم اليوم على مملكتى .. "



ثالثا :- لم تكتف قرارات الجمع بالتحيز لقسطنطين ودعاة التثليث ، بل لعنت
وحرمت من يخالف هذه القرارات ، والحرمان عقوبة لها حجمها الكبير في
المسيحية ((28) .


وأبرز قرارات المجمع القرار الذي اتخذه بشأن الأناجيل ، وهو أن
الأناجيل المعتمدة الصحيحة هي الأناجيل الأربعة المنسوبة لـ ( متى ، لوقا
، مرقص ، يوحنا ) وأما ما عداها فمزيف مكذب تحرم قراءته ويجب حرقه وإبادته
. وهذا بلا شك قرار جائر بحق الدين والتاريخ ، ويستطيع المرء أن يحمل
المجمع ، أو هذا القرار خاصة ، مسؤولية ضياع النسخة الأصلية من الإنجيل
المنزل ، لاسيما وأن الناظر إلى هذه الأناجيل يجد بينها من التضاد الشكلي
والموضوعى ما يؤكد أنها ليست وحياً ، بل ليست سيرة صادقة للمسيح عليه
السلام .


إن اختيار أربعة مؤلفات من بين سبعين مؤلفا مع عدم إبداء أسباب تبرر
ذلك ، لهو إجراء قسرى ، يعبر عن روح الرعونة والصلف اللذين لم ينفكا عن
الكنيسة في أية حقبة من تاريخها ، ولذلك فليس عجيباً أن يعاملها العاقون
من أبنائها بمثل ذلك التطرف والغلو ، وليت الأمر اقتصر على هذا ، لكن
الكنيسة لم تحفظ الأناجيل الأربعة نفسها من التحريف بعد أن فرضتها على
أتباعها ، وكان للأباطرة دخل في هذا التحريف ، ولا لوم عليهم فإنما قلدوا
الكنيسة في ذلك . يقول " لاندر " أحد مفسري الأناجيل :

" حكم على الأناجيل المقدسة جهالة مصنفها بأنها ليست حسنة بأمر السلطان
أناسطيوس في الأيام التي كان فيها " مسالة " حاكماً في القسطنطينية فصححت
مرة أخرى " (29) . وهذا القول اعتراف بالغ الخطورة ، فهو يقرر ثلاث حقائق
تاريخية :

أن مؤلفي الأناجيل مجهولون ، وظلوا كذلك حتى القرن الرابع الميلادي .

أن لأهواء الحكام وميولهم يداً فيما تعرضت له الأناجيل من تحريف باسم التصحيح .

أن التحوير والتعديل ظل يمارس في الأناجيل دون شعور بالحرج ، مما يدل على
أنه عادى مألوف ، قد أورد الشيخ " رحمة الله الهندى " خمسة وأربعين شاهداً
على التحريف بالزيادة في الأناجيل ، مدعمة بالوثائق والاعترافات ، نختار
واحداً منها للتمثيل فقط .



" الآية الثالثة والخمسون من الباب السابع وإحدى عشر آية من الباب الثامن
من إنجيل يوحنا إلحاقية ( مضافة) قال هورن في الحاقية هذه الآيات : أرازمس
وكالون وبيزا وكروتيس و ……… والآخرون من المصنفين الذين ذكرهم ونفينس
وكوجز لا يسلمون صدق هذه الآيات " ثم قال :

" كرايز ستم وتهيو فلكت ونونسى كتبوا شروحا على هذا الإنجيل ، فما شرحوا
هذه الآيات ، بل ما نقلوها في شروحهم ، وكتب ترتولين وساى برن في باب
الزنا والعفة وما تمسكا بهذه الآيات ولو كانت هذه الآيات في نسخها لذكراً
أو تمسكا بها يقينا "

وقال وارد كتلك : " بعض القدماء اعترض على أول الباب الثامن من إنجيل يوحنا نورتن بأن هذه الآيات إلحاقية يقينا " (30) .

فهذه أثنتا عشرة فقرة ، يكاد يكون هناك إجماع على إضافتها وغيرها كثير ،
ولا غرابة في ذلك ، فليس لدينا حد فاصل بين كلام الله وكلام البشر ، بل
ليس هناك ضابط يعرف به كلام المسيح من كلام غيره ، فالشك وارد على كل فقرة
في الأناجيل إلى درجة أن أعظم المتعصبين لها لا يستطيع إقناع الباحث
العلمي بسوى ذلك .
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
http://www.boundk.tk
Bound2
*ابــــــــالبناديقــــــــــــــو*
*ابــــــــالبناديقــــــــــــــو*
Bound2


عدد الرسائل : 1286
العمر : 32
تاريخ التسجيل : 25/03/2007

مبادئ الملاحده الفكريه والرد عليها OoO متجدد OoO Empty
مُساهمةموضوع: رد: مبادئ الملاحده الفكريه والرد عليها OoO متجدد OoO   مبادئ الملاحده الفكريه والرد عليها OoO متجدد OoO Icon_minitimeالإثنين يونيو 04, 2007 8:32 pm

.*.*. >> ثانياً :تحـــــــــــــــريف الشريعــــــــــــــــــــة << .*.*.



>><<









[color=Red]فصل الدين عن الدولة :


يحسن بنا قبل الخوض في هذا الموضوع أن نوطئ له بمقدمتين :


الأولى : عن الدين في نظر الروم طبيعته والتزاماته .


الثانية : عن حالة الشريعة الإنجيلية ومدى تطبيقها في واع الحياة قبل أن يعتنقها الروم رسمياً .




أولاً -

[color:6b1e=red:6b1e] الدين في نظر الروم :



نستطيع أن نقول أمن المجتمع الروماني (أي الجنس الأبيض المستعمر ) لم
يكن دين موحد يتعبد به ، ولا فلسفة واحدة يؤمن بها ، بل كان غارقاً في
دياجير جاهلية كاحلة متعددة الألوان مختلفة الأنحاء ؛


فالطبقة الحاكمة تشارك الشعب في أعياده الوثنية وتخدم تماثيل الآلهة
الكثيرة ، بيد أنها لا تدين في الواقع بغير الشهوة العارمة للتسلط والرغبة
الجامحة في الاحتفاظ بكرسي المملكة ، لا سيما وأن الإمبراطور نفسه كان
((الهاً )) يعبده الشعب .



أما الطبقة المثقفة فأشتات متفرقة ، منها اتباع المدرسة الرواقية
المغلة في التجريد والتصوف ، ومنها مريدو المدرسة الأبيقودية المفرطة في
البهيمية والحسيات ، ومدارس أخرى متأثرة بالفلسفات الوثنية الأغريقية في
تصوراتها وأفكارها .



وأما الطبقة العامة من الشعب فهي تميل بطبيعتها إلى التدين لكن
التناحر بين الآلهة والصراع المرير بين الفلاسفة ، أفقها الثقة في
المعتقدات الدينية والفلسفية بجملتها ، فآثرت الاستجابة لداعى الهوى
والانصياع إلى الملذات الجسدية والإغراق في المتع الحسية .



خلاصة القول أن الروم لم يعتنقوا دينيا اعتناقاً جدياً يجعلهم يسمون
تصوراتهم وعقائدهم ونظام حياتهم منه وحده نعم كان لهم آلهة ولم تكن آلهة
تقليدية (( لم تكن سوى محاكاة شاحبة للخرافات الوثنية اليونانية لقد كانت
أشباحاً سكت عن وجودها حفاظاً للعرف الأجنبي ولم يكن يسمح لها قط بالتدخل
في أمور الحياة الحقيقية ).



وبذلك نستطيع أن نجزم بأن المجتمع الروماني كان مجتمعاً مادياً لا
دينياً يعانى عزلة حادة عن معتقداته - أيا كانت - وبين واقع حياته العملى .


وقد (( عبر سيسرو )) عن الانفصال العميق بين الدين ونظام الحياة عند
الرومان بقوله : (( لما كان الممثلون ينشدون في دور التمثيل ما معناه أن
الآلهة لا دخل لهم في أمور الدنيا يصغى إليها الناس ويسمها بكل رغبة ))
(2)


ويقول الراهب (( أوغسطين )) : (( إن الروم الوثنين كان يعبدون آلهتهم في المعابد ويهزأون بهم في دور التمثيل )) (3)…




ليس هذا فحسب ، بل أن أبيقور (ق4) قبل الميلاد - ليعلن على الملأ دعوة علمانية صريحة ، فهو يقول:


(( إن الآلهة لا يشغلون أنفسهم بأمور بنى البشر ، إنهم موودن لأنهم يظهرون
من آن لأخر للأشخاص (!) بيد أن مسائل العالم الأرضي لا تعنيهم ، وما من
علامة تدل على أنهم يعنون بعقاب الآثم وإثابة الصالح ، أيمكن اعتقاد
تدخلهم هذا ما نراه في هذا العالم ؟




(( إن جوبيتير يرسل الآن بالصواعق على معبده ، فهل سحق أبيقور الذي يجدف به )) ؟



(( إن الآلهة يعيشون بعيداً عن العوالم ولا يهتمون إلا بشئونهم فلا
تعنيهم أمورنا . إنهم يعيشون حكماء سعداء ويعظوننا بهذا المثال الذي يجب
أن نسير على منواله فلنعظهم كمثل عليا يقتدى بها ، غير انه لا يجب علينا
ان نشغل أنفسنا بما يريدونه منا ، فإنهم لا يريدون منا شيئاً ، هم لا
يعيروننا بألا فلنفعل نحوهم كما يفعلون نحونا )) (4)



هذا التصور للآلهة تشترك مع أبيقور فيه الغالبية العظمى من الرومان ،
ومن الطبيعي جداً أن ينشأ عن هذا التصرف الخاطئ للإله تصور خاطئ لمهمة
الدين في الحياة وواجب المخلوق تجاه خالقه . ولما كان الصراع هو التصور
المشترك لطبيعة الحياة عند الرومان ، فقد كانوا يتصورون الآلهة وهي تتصارع
في الفضاء كما يتصارع أبطالهم على الحلبة ، وليس من شأن البطل أن يشرع
للجمهور بل كل همه أن يخرج من الحلبة ظافراً منصوراً



وبما ان آلهة الرومان بطبعها لم تكن لتشرع لهم شيئاً ، فقد كان من
الضروري أن يقوم بشر متألهون بمهمة وضع نظم الحياة السياسية والاقتصادية
والاجتماعية للدولة ، و نتيجة لجهود هؤلاء برز إلى الوجود ((القانون
الروماني )) الذي لا تزال أوروبا تعيش عليه أو على امتداده إلى اليوم ،
أما النظم الأخلاقية وقوانين الآداب العامة - إن وجدت - فقد كانت ابيقورية
محضة .



وهكذا كان للرومان دين لكنه دين وجداني مجرد لا تأثير له في السلوك
العملي ولا يفرض التزامات خلقية معينة ، ولا ينظم من شؤون الحياة شيئاً ،
حتى إننا لنكاد نقول أن الامبراطورية الرومانية نسخة قديمة من الولايات
المتحدة الأمريكية اليوم .



كان الفرد الروماني - كالأمريكي اليوم - يخرج من نحلة إلى أخرى ،
ويتنقل من مبدأ إلى نقيضه دون أن يطرأ على حياته العملية وسلوكه الشخصي أي
تغيير فالدين في نظره فكرة مجردة وعقيدة وجدانية فحسب .




ثانياً - حالة الشريعة الإنجيلية إلى سنة 325م :



ليس الإنجيل أول كتاب سماوي أنزله الله ولا هو حتماً آخر كتاب ، فهو
واحد من مجموعة كتب ابتدأت قبل المسيح بقرون وانتهت بالكتاب الخاتم المنزل
على الرسول الخاتم صلى الله عليه وسلم .



ومهمة الكتاب السماوي وغاية إنزاله بينها الله تعالى في القرآن
الكريم أوضح بيان : (( كان الناس أمة واحدة فبعث الله النبيين مبشرين
ومنذرين وأنزل معهم الكتاب بالحق ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه ))


(2 -123) ، فالحكم بالكتاب في كل اختلاف و تطبيقه في كل منحى من مناحي
الحياة واستمداد كل القيم والقوانين والأنظمة والتشريعات منه هو الغرض
المقصود من إنزاله ، والكتب السماوية هي - كما في الآية - كتاب واحد
بالنظر إلى أن منزلها واحد وموضوعها واحد ، وهو تقرير حقيقة واحدة لا
تختلف أبداً هي توحيد الله وعبادته وحده بالمعنى الواسع الشامل للعبادة ،
هكذا كانت التوارة (( وكتبنا له في الألواح من كل شيء موعظة وتفصيلاً لكل
شيء )) ( 7 : 154 ) فهي شريعة كاملة بالنسبة لعصرها قام عليها دول تملك
خصائص الدولة من أمثال داود وسليمان عليهما السلام أنبياء يحكمون بما أنزل
الله ويقيمون الحياة كلها على شرعه وأمره . وظلت التوراة ما شاء الله أن
تظل منهاجاً وشريعة (( يحكم بها النبيون اللذين اسلموا للذين هادوا
والربانيون والأحبار )) ، ( 5 :43 ) فما كان يجوز لمؤمن بها أن يستمد
تصوراته وافكاره ولا سلوكه وتشريعاته من سواها .



أما ما وقع في حياة بنى إسرائيل مما يخالف هذا فهو انحراف لا يقره
الله ولا تقبله شريعته . ثم جاء عيسى عليه السلام (( رسولاً إلى بنى
إسرائيل )) وهو أخر رسلهم ليصلح ما فسد ويقيم ما اعوج من عقائد وأخلاق
اليهود ، وليردهم إلى الأصل الثابت : توحيد الله وعبادته وحده بتحكيم شرعه
واتباع منهجه .



وبما أنه مبعوث إلى بنى إسرائيل خاصة ، فلم يكن ناسخاً لشريعة موسى
وإنما كان متمماً لهما ، وكان الإنجيل مصدقاً لما بين يديه وإن لم يكن
مهيمناً عليه (5)



وكان الجديد في شريعة الإنجيل التخفيف من بعض التشريعات التي لم تزل
شرعاً دائماً وإنما جاءت عقوبة مؤقتة لليهود ، مع اشتماله على مواعظ بليغة
اقتضاها ما جبل عليه اليهود من غلظة القلوب . وجفاف في الأرواح وإغراق تام
في عبودية المادة وحرص مصر على التشبث بالحياة الدنيا .


إذن فقد كانت التوراة ، مضموناً إليها تعديلات الإنجيل شريعة يجب أن تطبق
، وعقيدة يجب أن ينبثق منها كل منهج للحياة : (( وقفينا على آثارهم بعيسى
بن مريم مصدقاً لما بين يديه من التوراة وهدى وموعظة للمتقين ، وليحكم أهل
الإنجيل بما أنزل اله فيه ومن لم يحكم بما انزل الله فأولئك هم الفاسقون
)) ( 5:45 : 46 ) ، لكن الذي حدث هو أن هذه الشريعة لم يكتب لها التطبيق
على المستوى العام لسببين متلازمين :




الأول - أنه لم يكن لها دولة تتبناها وتقيمها في الأرض ، إذ من المعلوم أن
عيسى ، عليه السلام ، توفاه الله ورفعه إليه وهو لم يزل في مرحلة الدعوة
التي تشبه حال الدين الإسلامي قبل الهجرة .




الثاني - انه ، عليه السلام قد بعث إلى قوم قساة القلوب غلاظ الأكباد ،
وفي الوقت نفسه كانت المنطقة المبعوث فيها جزءاً من مستعمرات إمبراطورية
وثنية عاتية ، فكان ميلاد الدين الجديد في محيط معاد كل العداء له ولرسوله
ونتج عن ذلك اضطهاد فظيع للمؤمنين به لم يدع لهم فرصة لتطبيقه إلا في
النطاق الشخصي الضيق .


وكان أول من وضع العراقيل أمام المسيح وشريعته اليهود قتلة الأنبياء ،
وتكاد الأناجيل والرسائل تكون وصفاً للعنث الذي لقيه المسيح وأتباعه من
الطوائف اليهودية ، وقد جللوا عداوتهم بإغراء الحاكم الرومانى بقتله وصلبه
، ولكن الله تعالى رفعه إليه ونجاه منهم ومنه .


ومن بعد وفاة المسيح ، عليه السلام ، اشتدت المحنة على أتباعه من اليهود والرومان سواء .


أما اليهود فكانوا كما تحدثت رسالة (( أعمال الرسل )) يقتلون المسيحيين
ويرجمونهم ويغرون بهم الولاة … وكان من أبرز المضطهدين لهم شاؤل اليهودى ،
الذي تقول عنه الرسالة المذكورة :


" أما شاؤل فكان يسطو على الكنيسة وهو يدخل البيوت ويجر رجالاً ونساءاً
ويسلمهم إلى السجن" (6)، على أن أعظم محنة نزلت بالمسيحية عقيدة وشريعة -
هي عملية (( الغزو من الداخل )) التي قام بها شاؤل : فقد تظاهر باعتناق
المسيحية وجاء بتعاليم مناقضة سبق ذكر بعضها ، وأخذ يؤلب على المسيحيين
الحقيقيين ، وبذلك أحدث فوضى عقائدية وبلبلة فكرية ، فتضاعفت البلاء على
المسيحيين ، إذ أصيبوا في دينهم وأنفسهم دفعة واحدة .



وأما الرومان فقد أنزل أباطرتهم بأتباع المسيح أشد الأذى ، واشتهر
باضطهادهم ( نيرون 64م) و (تراجان - 106 ) و ( ريسويس - 251 ) و(
دفقلديانوس - 3280 ) وبلغ بهم الاضطهاد إلى درجة أن بعض الأباطرة كانوا
يضعون المسيحيين في جلود الحيوانات ويطرحونهم للكلاب فتنهشهم ، أو
يلبسونهم ثياباً مطلية بالقار ويقودونها لتكون مشاعل بشرية يستضيئون بها
في مراقصهم (7) وفي وسع المرء أن يدرك الحال الذي تكون عليها شريعة يضطهد
أتبعاها ثلاثة قرون ويطاردون في معتقداتهم وأفكارهم وهذه المطاردة ، كيف
يمكن أن تقوم عليها دولة تنافح عنها وتلزم بتعاليمها وتثبت للعالم أنها
شريعة كاملة .


وإذا اتضحت لنا هاتان الحقيقتان ، نعود إلى فصل الدين عن الدولة الذي مارسته الإمبراطورية الرومانية والكنيسة ابتداء من سنة (325) .


إن الكنيسة لتهتز طرباً إذا ذكر لها عام (325) ، فهو يمثل في نظرها عام
النصر الحاسم على أعداء المسيح وبداية العصر الجديد - عصر السيادة والحرية
- بعد عصر الاضطهاد والهوان .


لقد حصلت الكنيسة على ما لم يكن ليحلم به آباؤها الأولون … فبينما عاش
المسيح والتلاميذ تحت تهديد الوالي الروماني ينظرون إلى الامبراطورية
الفسيحة نظر من لا يطمع منها بشيء ، نرى الكنيسة في القرن الرابع تظفر
بالامبراطور نفسه صيداً ثميناً وتعمده بالماء المقدس إيذنا بدخوله دين
المسيح .



إن هذا النصر كبير ، بل كبير جداً في حس الكنيسة وأتباعها ، لكن
الكنيسة نسيت - وما أكثر ما تنسى - قولة المسيح الصادقة : ((ماذا ينتفع
الإنسان إذا ربح العالم كله وخسر نفسه )) (Cool . فماذا ينفع الكنيسة إذا
ربحت قسطنطين وإمبراطوريته وخسرت دينها وتعاليمها ؟



لو أن الكنيسة ربانية حقاً لكان أول عمل عملته بعد انقضاء عهد
الاضطهاد المرير هو البحث عن ذاتها هي ، ببعث الإنجيل الأصلي ونشره
وتحكيمه في شؤون الحياة ، وكان في إمكانها أن تقنع الامبراطور : فإما أن
يقبل ذلك فيكون نصرانياً على الحقيقة ، وإلا فلتكف منه بصداقته ورعايته
وتمارس تطبيق شريعتها على أتباعها الحقيقيين في ظل عطف الإمبراطورية .
وذلك ما كان مفروضاً أن تضطلع به الكنيسة وأن يرضاه الإمبراطور ويتقبله .
غير أن الذي حصل فعلاً هو أنه لا الكنيسة كانت مؤمنة جادة تطمع في هداية
الناس ابتغاء مرضاة الله والدار الآخرة ، ولا قسطنطين كان مؤمناً جاداً
يريد أن يخلع عن عنقه ربقة الوثنية ليخلص دينه لله ويقف بين يديه وقوف
العابد أمام المعبود .


إن الرابط الذي جمع بين الكنيسة والامب






















راطور هو رابط المصلحة الدنيوية
لكلا الطرفين لا غير ، وإن كانت مصلح الامبراطور أرجح وتنازله أرخص .

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
http://www.boundk.tk
Bound2
*ابــــــــالبناديقــــــــــــــو*
*ابــــــــالبناديقــــــــــــــو*
Bound2


عدد الرسائل : 1286
العمر : 32
تاريخ التسجيل : 25/03/2007

مبادئ الملاحده الفكريه والرد عليها OoO متجدد OoO Empty
مُساهمةموضوع: رد: مبادئ الملاحده الفكريه والرد عليها OoO متجدد OoO   مبادئ الملاحده الفكريه والرد عليها OoO متجدد OoO Icon_minitimeالإثنين يونيو 04, 2007 8:33 pm


يقول دابر :[color=Red]

" إن هذا الإمبراطور الذي كان
عبداً للدنيا والذى لم تكن عقائده الدينية تساوى شيئاً رأى لمصلحته
الشخصية ولمصلحة الحزبين المتنافسين … النصرانى الوثنى ؛ أن يوحدهما ويؤلف
بينهما ، حتى أن النصارى الراسخين أيضاً لم ينكروا عليه هذه الخطة ،
ولعلهم كانوا يعتقدون أن الديانة الجديدة ستزدهر إذا طعمت ولقحت بالعقائد
الوثنية القديمة ، وسيخلص الدين النصراني عاقبة الأمر من أدناس الوثنية
وأرجاسها " (9) .




كما أدرك هذه الحقيقة المؤرخ الإنجليزي ( ويلز ) ، قد شرح بدقة حال
الإمبراطور معللاً اعتناق قسطنطين للمسيحية إنها ديانة رسمية بأنه محاولة
منه لإنقاذ امبراطوريته المتضعضعة من التفكك والإنحلال(10) ، وهو ما قال
به جيبون من قبل(11).



هذا بالنسبة للإمبراطور ، أما الذين اعتنقوا المسيحية من المواطنين
الرومان فلم يتغير تصورهم السابق عن الدين ومهمته في الحياة ، وكان
التغيير الذي طرأ عليهم هو إحلال مسمى ( الأب والابن وروح القدس) محل (
جوبتير ومارس وكورنيوس) فما كانوا ينتظرون من آلهة بولس وكنيسته من تشريع
وتوجيه إلا ما ينتظر من آلهتهم الجامدة الشاحبة ، ولم يكن مقام الأب الذي
نادت به الكنيسة ليزيد عن مقام الأب الذي نادت به الكنيسة ليزيد عن مقام
جوبتير الذي صوره أبيقور .



وهكذا لم تستطع الكنيسة بتصويرها الفاسد أن تقتلع جذور الوثنية
المتغلغلة في أعماق النفس الرومانية ، ولا أن تسمو بتلك النفوس من عالم
الملذات الجسدية إلى عالم الفضيلة والطهر - باستثناء القلة التي ترهبت -
ولقد عبر أحد المؤرخين الغربيين عن ذلك بقوله : ( أن المسيحية لم تكن عند
أكثر الناس غير ستار رقيق يخفي تحته نظرة وثنية خالصة إلى الحياة ) (12) .



وإذ قد عجزت عن ذلك ، فمن الطبيعي أن تعجز عن إقامة الحياة : بنظمها
وقيمها وأخلاقها على أساس من الدين ، وبقى الدين كما كان هواية شخصية
محدودة التأثير لم يتغير فيه ، إلا أن المراسم الشكلية كانت تؤدى في معابد
فأصبحت تؤدى في كنائس . ولم يقتصر الأمر على هذا ، بل أن الكنيسة تزحزحت
عن مركز التأثير إلى مركز التأثر ، فدخلت الخرافات والأساطير والتقاليد
الوثنية في صلب تعاليمها وطقوسها ، وامتزجت بروايات الأناجيل وآراء
المجامع المقدسة ، كما حدث امتزاج وتلاقح بين الشريعة والقانون الرومانى
فاصبحت المسيحية ديانة تركيبية كما وصفها لوبون (13) .


وهذا الضلال والخطل الذي وقعت فيه الكنيسة لا يبرره ما ذهب إليه ليكونت دى نوى ، حين قال مبادئ الملاحده الفكريه والرد عليها OoO متجدد OoO Frown قبل الدين الكاثوليكى الذي نشأ على شواطئ المتوسط ذات المخيلة الواسعة بعض العادات لأنه لا يجد إلى إزالتها سبيلاً .


وانتهت - أي الكنيسة - مرغمة على قبول المساومة وقد طغت عليها أمواج
الخرافات القديمة الجارفة )(14) ، فالمؤمن الحق لا يقبل المساومة على دينه
مهما قست الظروف والأحوال .






كما لا يبرره من باب أولى ما ذهب إليه فشر في قوله :

((
إن حكمة الكنيسة المسيحية هدت آباءها الأولين إلى قبول ما لم يستطيعوا معه
منعاً من قديم العادات والتقاليد والمعتقدات ، بدليل استقبال الكنيسة
لمبدأ تعدد الآلهة الراسخ بين شعوب البحر الأبيض المتوسط وتطويع ذلك
المبدأ لما تقتضيه عقائدها (15) .



قد يكون جرم الكنيسة أهون لو أنها عدت عملها هذا تصرفاً استثنائياً
مؤقتاً تفرضه عليه الضرورة الطارئة ، ثم لا تلبث الشريعة أن تبرز إلى حيز
التنفيذ على كل نشاطات الحياة . غير أن الذي تم فعلاً هو أنها اتخذت ذلك
قاعدة ومنهجاً وسارت فيه إلى أبعد شوط .




وكان أول من سن سنة التنازل على الشريعة مقابل قبول العقيدة هو شاؤول ( بولس ) يقول برنتن .


(( كانت العقبة الكبرى في وجه الأممين الذين وجدوا أسلوب الحياة المسيحية
جذاباً قانون اليهود )) - أي شريعة التوراة - ثم يشرح برنتن كيف أن بولس
زال هذه العقبة فلأفتى بأن (( الإغريق والمصريين والرومان الذين يقبلون
المسيحية في حل الختان وفي حل التقيد بحرفية القانون )) (16) .


وبمرور الزمن أصبح هذا الانحراف منهجاً مقرراً اعتمدته الكنيسة بعد مجمع
نيقية ففصلت بين العقيدة وبين الشريعة ، بين الدين والدولة وقسمت الحياة
البشرية دائرتين مغلقتين :




الأولى - ( دينية ) من اختصاص الله ويقتصر محتواها على نظام الاكليروس والرهبنة والمواعظ وتشريعات طفيفة لا تتعدى الأحوال الشخصية .


والأخرى - (دنيوية ) من اختصاص قيصر وقانونه ، ويحوى محيطها التنظيمات
السياسية والاقتصادية والاجتماعية والعلاقات الدولية ونظم الحياة العامة .



هذه القسمة الضيزى لم تجد الكنيسة غضاضة فيها ، ولم تتحرج من جعل
قيصر شريكاً لله في ملكه ، بل اعظم من شريك ، فقسمت الكون شطرين : شطر لله
وشطر لقيصر ، فما كان لله فهو يصل إلى قيصر وما كان لقيصر فلا يصل إلى
الله .



ويرى بعض المؤرخين أن السبب الذي أوقع الكنيسة في ذلك هو نظرتها
القاصرة إلى الحياة الدنيا .. يقول صاحب ( تاريخ أوروبا في العصور الوسطى)
: (( إن المسيحيين الأوليين على وجه الإطلاق لم يعمدوا إلى شيء من الإصلاح
في المجتمع الرومانى الذي نبتوا فيه برغم ما هو معروف من تحريمهم لكثير من
العادات والطقوس القديمة ، ولم تكن لهم فلسفة في الدولة وأصول الحكم ولا
الايمان بتجديد المجتمع من طريق الانشاء والتنظيم ، ولم يخطر ببال أحد
منهم أن في استطاعته جماعاتهم الصغيرة البعيدة عن السلطة والنفوذ أن تحدث
بالسياسة الرومانية أو المجتمع الرومانى شيئاً من التعديل ، ذلك أنهم
أيقنوا أن الدنيا متاع الغرور والشرور وتعلموا أن الانسان طريد جنة الخلد
وحق عليه العذاب المقيم .


(( وتعلموا كذلك أن هذه الدنيا الغرارة لن تلبث حتى تزول وإن رجعة المسيح
إلى الأرض ، وهي ما أعتقدها الناس وشيكة الوقوع ، سوف تملأ الدنيا عدلاً
بعد ما ملئت الدنيا ظلماً وجوراً وخبثاً ونقصاً يمحوه كله المسيح محواً ،
وإذا كان كذلك فما الذي يحمل المسيحي على إلغاء الرق أو الحرب أو المتاجرة
في المحرمات أو الربا أو استعمال القوة الغاشمة التي ساعدت الدولة
الرومانية على النهوض ما دام ذلك كله مقضياً عليه بالزوال ، وما دامت
المشكلة الكبرى تنحصر في الوسيلة الواقية من العذاب الذي كتبه الله على
الناس جزاءً وفاقا لما ارتكبه آدم من الخطيئة في جنة الخلد ، ولذا رضى
المسيحيون بجميع ما وجدوا من نظم لا قبل لهم بتغييرها (17)



وهذا التعليل مصيب ، لكنه لا يمثل الحقيقة كاملة ، فإن للكنيسة
مستندات نقلية من نصوص الأناجيل لابد من عرض نموذج لها ومناقشته ، وأهمها
نصان:

















1- [color:cc63=red:cc63]القول المنسوب إلى للمسيح (( أعط ما لقيصر لقيصر وما لله لله )) :


هذا القول هو أقوى وأصرح حجج الكنيسة ، ولقد ظل شعاراً ترفعه أوروبا كلما
أملى عليها الهوى أن تخالف شرع الله وتتمرد على شرعه ، وبفضل هذا الشعار
أخذ الدين ينكمش وينحسر على مر القرون حتى لم يبق له في أحسن الأحوال إلا
ساعة في الأسبوع خاوية من كل معنى .. فما قيمة ذا الدليل بالمناظرة
العلمية المنصفة ؟



لقد سبق أن قلنا إن كل ما روى عن المسيح من أقوال ليست منسوبة إليه
يقيناً ، بل لا ظناً راجحاً ، فالكنيسة بدلت وحرفت وأضافت وحذفت حتى طمست
تعاليمه وأقواله ودفنتها إلى الأبد ، وهذا القول مما يجوز أن يقال فيه -
مبدئيا - إن المسيح لم يقله وإنه من غضافات الكنيسة ، ومادام البحث العلمي
يقرر أن الأناجيل كلها ظنية الثبوت ظنية الدلالة فكيف يسوغ للكنيسة أن
تحتج بهذه الظنيات في مسألة بالغة الخطورة كهذه ؟


ولندع القيمة العلمية التاريخية للنص وننظر نظرة موضوعية فاحصة في منطوق العبارة ومدلولها فماذا نجد ؟



إن هذه العبارة ظاهرها الأمر الصريح بالشرك (( أعط ما لقيصر لقيصر
وما لله لله )) فهي تجعل قيصر شريكاً لله في التوجه إليه بالعمل ومن
ينفذها عن ظاهرها يقع حتماً في شرك الطاعة والاتباع وهو شرك أعظم ،
لتنافيه مع توحيد الألوهية ، وهذه الدلالة تكفي لنفي صدور العبارة من
المسيح عليه السلام ، لأن الأنبياء عليهم الصلاة والسلام إنما بعثوا
لتحذير الجماعة البشرية من الشرك وتنفيرها منه جليلة ودقيقة ، فكيف يأمر
نبي من أنبياء الله من أولى العزم بالشرك ويدعو إليه بهذه الصورة ؟



وهذا في الحقيقة كاف إسقاط حجية العبارة لكننا سنجامل الكنيسة ونجرى
مع احتمالها الضعيف جداً مفترضين جدلاً أن المسيح عليه السلام تفوه بما
نسب إليه ، فهل يعنى ذلك أن نفهم من العبارة ما فهمته الكنيسة من ظاهرها
ونتخذ من فهمنا قاعدة هي أعظم القواعد الكنسية العملية على الإطلاق ؟
لنتتبع معها سياق العبارة فقد يعين على فهمها - إن قبلت - على حقيقتها :




يقول متى في إنجيله :

(( ذهب الفريسيين وتشاوروا لكي يصطادوه
بكلمة ، فأرسلوا إليه تلاميذهم مع الهيرودوسيين قائلين : يا معلم إنك صادق
وتعلم طريق الله بالحق ولا تبالى بأحد ، لأنك لا تنظر إلى وجوه الناس ،
فقل لنا ماذا تظن : أيجوز أن تعطى جزية لقيصر أم لا ؟ فعلم يسوع خبثهم
وقال : لماذا تجربونني يا مراؤون، أروني معاملة الجزية ، فقدموا له
ديناراً فقال لهم : لمن هذه الصورة والكتابة : قالوا ا له : لقيصر : فقال
لهم أعطوا إذن ما لقيصر لقيصر وما لله لله . فلما سمعوا تعجبوا وتركوه
ومضوا (18)



كان المسيح عليه السلام واتباعه قلة مضطهدة تتبنى دعوة جديدة ناشئة ،
فلم يكن في مقدورها أن تصطدم بالإمبراطورية الطاغية ، وتواجهها بعداوة
سافرة ، ولم تكن هذه المواجهه مطلوبة منها وهي لا تزال في طور الدعوة -
يقابل ذلك في الإسلام فترة ما قبل فرض الجهاد - وهذا الطور يقتضي الالتزام
بمبدأ ( كفوا أيديكم ) كيلا يستثار عدو باطش فيفتك بالدعوة في مهدها .



هذا المنهج في الدعوة لاحظه الفريسيون - أعدي أعداء المسيح - فسولت
لهم أنفسهم الحاقدة أن يدبروا مكيدة للمسيح ودعوته ، بحيث تخرج الدعوة عن
منهجها ومسارها المقرر وتناوئ الأوضاع القائمة مباشرة وبذلك يجدون طريقة
للإيقاع بالمسيح لدى الحاكم الرومانى فكان هذا السؤال الخبيث .



والواقع انه ليس في استطاعة المسيح - عليه السلام - والقلة المسلمة
معه ولا من منهج دعوته أن يرفضوا دفع الجزية للجابي الروماني الذي يجمعها
من كل رعايا الإمبراطورية ويدفعها للطاغوت قيصر ، ولكن هذا لا يعنى أبداً
أن المسيح عليه السلام يقر ذلك الواقع الظالم ، ويعترف لقيصر بحق مساواة
الله في خلقه ويجعله شريكاً له في ألوهيته كما فهمت الكنيسة .


فالمسيح عليه السلام - لو صحت العبارة - وافق على إجراء مؤقت تقتضيه ضرورة الواقع وطبيعة الدعوة المرحلية .






الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
http://www.boundk.tk
Bound2
*ابــــــــالبناديقــــــــــــــو*
*ابــــــــالبناديقــــــــــــــو*
Bound2


عدد الرسائل : 1286
العمر : 32
تاريخ التسجيل : 25/03/2007

مبادئ الملاحده الفكريه والرد عليها OoO متجدد OoO Empty
مُساهمةموضوع: رد: مبادئ الملاحده الفكريه والرد عليها OoO متجدد OoO   مبادئ الملاحده الفكريه والرد عليها OoO متجدد OoO Icon_minitimeالإثنين يونيو 04, 2007 8:33 pm

إذا كانت د[color=Red]عوة الأنبياء في جوهرها واحدة ، فإن أول
فرض للجهاد في الإسلام كان إذناً وليس أمراً ( أذن للذين يقاتلون بأنهم
ظلموا وأن الله على نصرهم لقدير ) (22 : 39 ) وذلك أن القلة المسلمة في
مكة كانت تطمع في الثأر لنفسها من الاضطهاد المرير الذي تلقاه من جبابرة
مشركي قريش : كأن تغتال بعض المضطهدين مثلاً ، او تسلبهم شيئاً من أموالهم
وراحتهم ، واستأذنوا الرسول صلى الله عليه وسلم في ذلك فكان الأمر من الله
تعالى بكف اليد ولذلك أجابهم الرسول صلى الله عليه وسلم ( إني لم أؤمر
بهذا ) (19)وذلك كي تظل الدعوة سائرة في منهجها المرسوم لا تستفزها تحركات
الأعداء للإيقاع بها وإبادتها في مهدها



ولو قدر للمسيح عليه السلام أن تبلغ دعوته من القوة ما بلغت الدعوة
الإسلامية عند الأذن بالجهاد لأذن لقومه بأن يرفضوا دفع الجزية لقيصر ، بل
لأمرهم بجهاد الرومان وإشهار عداوتهم .



وبذلك يتضح أنه حتى في حالة ثبوت العبارة فأنها ذات مدلول جزئي مؤقت
في مسألة فرعية ، ولا يجوز أن يستنبط منه قاعدة أبدية عامة يفضي تطيقها
إلى إهمال شريعة الله ، والتخلي عن إقامة دينه في واقع الحياة وإقرار
أحكام الطاغوت .







2- [color:5128=red:5128](( مملكتي ليست من هذا العالم ))


بقطع النظر عن صحة نسبة هذه العبارة إلى المسيح عليه السلام أو عدمها ،
نجد أن الكنيسة فهمتها فهماً خاصاً ، وجعلت هذا الفهم منهجاً واصلاً من
أصول عقيدتها تقاوم بها الفطرة البشرية والعقل السليم والتطور الإيمانى
المستقيم .


فهمت الكنيسة من قول المسيح (( مملكتي ليست من هذا العالم )) إن كان قالها
- إن الدنيا الخرة ضرتان متناحرتان وضدان لا يجتمعان : الدنيا مملكة
الشيطان ومحط الشرور والاثآم ، وعمل الإنسان فيه لتحسين أوضاعه المعاشية
ومحاولة تحقيق القسط الملائم من السعادة والرفاهية والتمتع بطيبات وخيرات
الكون : كلها أعمال دنسه يمليها الشيطان ليصرف الإنسان عن مملكة المسيح
الخالدة ( الآخرة ) والفقر وشظف العيش - حسب المفهوم الكنسي- هما مفتاح
الملكوت الضامن ، وتنسب الأناجيل إلى المسيح قوله (( إن مرور جمل من ثقب
إبرة أيسر من أن يدخل غنى إلى ملكوت الله )) (20) . وبمقتضى ذلك لا يسأل
الإنسان الله شيئاً من متاع الدنيا أو خيراتها العاجلة ، بل يقتصر على ما
طلبه المسيح حسب رواية الأناجيل(خبزنا كفانا ) (21) .


والإنسان - حسب هذا المفهوم - يولد موصماً بالخطيئة الموروثة ويدخل إلى
الدنيا دخول المجرم إلى السجن ، وكما أن آباه أكل من الشجرة فعوقب بالطرد
من الجنة وقضى عليه بالحرمان والنكد ، فكذلك إذا تمتع بطيبات الدنيا
وملاذها فسيعاقب بحرمانه من نعيم الملكوت .


إذا كان هذا هو حال الدنيا وحال الإنسان فيها ففيم العناء لإصلاح ما وجد
بطبيعته فاسداً وما جدوى تقويم ما خلق أصله معوجاً ؟ ليتحكم الجبابرة في
الناس وليستعبدوهم وليعبثوا في الكون كما يريدون فسوف يحاسبهم المسيح يوم
الدينونة ! وليجمع الناس المال ويتمتعوا بالحياة الدنيا ويتزوجوا وينجبوا
فسوف يحرمهم ذلك من الدخول في ملكوت الله والفوز في الملأ الأعلى . أما
المسيحي الكامل لإيمان . فما له ولهذه الأمور . أليس كل همه الخلاص من هذا
المأزق ، مأزق وجوده في هذه الأرض في مملكة الشيطان ؟


هكذا استخلصت الكنيسة من تلك العبارة وأشباهها مفهوماً سلبياً ضيقاً
للحياة الدنيا ن وبالتالي لمهمة الدين فيها ، يائسة من إمكان إقامتها على
الحق والعدل الإلهي ، فحرفت المسيحية من عقيدة شاملة ذات منهج رباني كامل
نزلت لتغيير الواقع الجاهلي المنحرف الذي يعيشه الناس وإقامة واقع جديد
تحكمه الشريعة المنزلة إلى نظرة بوذية قاصرة للدنيا ، مشفوعة بآمال وأحلام
مرتقبة في الآخرة ، ورأت أ تنظيم شئون الدولة وتقويم النظم السياسية
والاقتصادية وإصلاح الأوضاع الاجتماعية ليس من دينها في شيء لأن مملكة
المسيح ليست من هذا العالم .


ولا يعنى هذا أن الكنيسة لم ترأس سلطات سياسية أو نفوذاً اجتماعياً فقد
كان مها ما لم يكن من اعتي القياصرة (22) … لكن هذه الممارسة تظل محدودة
بنطاق المطامع الشخصية لرجال الدين ، وكانت الرغبة في إشباع هذه المطامع
وليست الرغبة في إقامة دين الله وشرعه هما الدافعان ورائها ، فكان البابا
يهمه بالدرجة الأولى أن يتولى تتويج الملوك ويحصل منهم على الضرائب
والجنود ولا يسمح بأدنى تساهل في ذلك ، أما حكمهم بغير ما أنزل الله فلا
شأن له به لأن ذلك من اختصاص قيصر ولأن مملكة المسيح ليست في هذا العالم .


والواقع أن هذه العبارة كسابقتها لا تنهض دليلاً لما زعمته الكنيسة ، بل
إن لها إن صحت معنى أخر يوضحه السياق ، وها هو سياقها كما ورد في إنجيل
يوحنا :


( دخل بيلاطس أيضاً في دار الولاية و دعا يسوع وقال له : أنت ملك اليهود .
أجابه يسوع : أمن ذاتك تقول هذا أم آخرون قالوا لك عنى ؟ أجابه بيلاطس :
العلي أنا يهودي ؟ أمتك ورؤساء الكهنة أسلموك لي ماذا فعلت . أجاب يسوع
مملكتي ليست في هذا العالم لو كانت مملكتي في هذا العالم لكان خدامي
يجاهدون لكي لا أسلم لليهود ولكن الآن ليست مملكتي من هنا )) (23)




إن القضية لتبدو واضحة العيان : لقد دبر اليهود مكيدة أخرى ، حيث رأوا أنه
يمكن إيغار صدر (( بيلاطيس )) على المسيح بتلفيق تهمة ضده مفادها انه يدعى
أنه ملك على اليهود وزعيم سياسي يهدف إلى استقلال أمته عن الاستعمار
الروماني والتبعية لقيصر ، وهي تهمة كفيلة بتعريض المسيح ودعوته لأقسى
العقوبات .



تظاهر اليهود بالنصح للحاكم الروماني والحدب على دولته فحملوا المسيح
إليه موجهين إليه هذه التهمة . حينئذ وقع بيلاطيس بين تيارين نفسيين :
تيار النخوة والوطنية الرومانية ، وتيار التعقل والروية الذي يبعثه في
نفسه علمه بخبث طوية اليهود من جهة ، وتيقنه من براءة المسيح من جهة أخرى
لذلك تردد كثيراً في الأمر وهم أخيراً بأن يطلق سراح المسيح فصرخ اليهود
قائلين : ( إن أطلقت هذا فلست محباً لقيصـر . كل من يجعل نفسه ملكاً لقيصر
) (24) .


ولما رأى إصرارهم على صلب المسيح دفعه إليهم قائلاً :إن لكم شريعة تحاكمون
إليها أبناء شعبكم فخذوا ملككم واصلبوه وفق شريعتكم ، فصرخوا قائلين اصلبه
أنت أما نحن ف (( ليس لنا ملك إلا قيصر )) (25)


وأخيراً نجحت المكيدة ، بل على الصحيح : هكذا ظن اليهود .


ذلك موجز القصة كما رواها إنجيل يوحنا وخلال التحقيق مع المسيح وردت هذه
الكلمة عنه ( مملكتي ليست من هذا العالم ) - كما يقول الإنجيل - وهو إن
قالها فإنما كان يريد أن يقول لبيلاطس : لست ملكاً من النوع الذي تتصوره
أنت واليهود على طراز قيصر وكسرى فإن الملك الذي تتخيلونه أنتم بمعنى
العزة والمجد العريض والشرف الباذخ ليس حظي منه في هذه الدنيا وإنما هو
عند الله في دار كرامته الخالدة ، وما دمت لست طامعاً في مناصبكم الدنيوية
ومظاهركم الكاذبة فما الذي يحملكم على تجريمي وبأي حق تدينوني ؟




ولم يقل المسيح ولم يرد أن يقول : أنني بعثت إلى الضعفاء والعجزة لأعظمهم
في الكنائس ولأعمر بهم الأديرة وتعاليمي ليست سوى طقوس روحانية لا علاقة
لها بالحياة ، كما فهمت الكنيسة : فقد أعلن دعوته صريحة على الملأ : ( لا
تظنوا أني جئت لألقى سلاماً على الأرض ، ما جئت لألقى سلاماً بل سيفاً )
(26)




ولم يقل كما قال اليهود ليس لي ملك إلا قيصر . ولو قال ذلك أو شيئاً منه
لربما سلم من الأذى وبرئ من التهمة لكن حاشا أن يقول ذلك وهو رسول الله
الذي أرسله لهدم كل سلطان لغير الله في الأرض ومهما ظل عاجزاً عن هدمه فلن
يقر ويعترف به .




ومع ذلك فقد كان يعلم من الله أن نهايته قد أوشكت وأنه لن يكون له سلطان
في هذه الحياة الدنيا ، ولذلك لم يأمر أحد من اتباعه بالدفاع عنه ، بل أمر
رجل منهم سل سيفه أن يغمده . وقال ذلك لبيلاطيس صريحاً : ( لو كانت مملكتي
من هذا العالم لكان خدامي يجاهدون لكيلا أسلم إلى اليهود ، ولكن الآن ليس
مملكتي من هنا)


وهكذا نرى كما رأينا أن الكنيسة تعمد عبارات تنسبها الأناجيل إلى المسيح
قيلت مجازاً أو وردت في ظروف مؤقتة وملابسات خاصة لتقرر منها قواعد أصولية
تؤسس عليها دينها المحرف دون مراعاة لمنطق الاستدلال ومقتضى التحقيق
العلمي .




الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
http://www.boundk.tk
Bound2
*ابــــــــالبناديقــــــــــــــو*
*ابــــــــالبناديقــــــــــــــو*
Bound2


عدد الرسائل : 1286
العمر : 32
تاريخ التسجيل : 25/03/2007

مبادئ الملاحده الفكريه والرد عليها OoO متجدد OoO Empty
مُساهمةموضوع: رد: مبادئ الملاحده الفكريه والرد عليها OoO متجدد OoO   مبادئ الملاحده الفكريه والرد عليها OoO متجدد OoO Icon_minitimeالإثنين يونيو 04, 2007 8:34 pm

">">"> الثـــــــــــ الفصل ــــــــــاني <"<"<"



=>=>=> البدع المستحدثــة في الدين النصراني <=<=<=



.. تــــوطئــــــــــة ..






أدى التحريف المتعمد لنصوص الوحي المسيحي والتأويلات البعيدة لأعمال
المسيح وأقواله ، تلك التي فتحت الكنيسة لها الباب على مصراعيه ، إلى
استمراء وتسويغ التصرفات الخاطئة التي تلت ذلك فيما بعد ، ولما كانت
تحريفات الكنيسة تخبطات عشوائية لا ترتكز على قواعد محددة وليس لها ضوابط
رادعة ، فقد ظل المجال فسيحا لإضافات أكثر وثغرات أعمق ، وكان للمطامع
الدنيوية والرغبات الشخصية الفضل الأكبر في دفع الموجة قدما وتوجيها كما
يراد .





يضاف إلى ذلك الحماقات التي ترتكب بطريق السذاجة والبله من بعض المنتسبين
إلى الدين ولا تجد من ينكرها أو يحاصرها فتصبح مع مرور الزمن طقوسا وشعائر
دينية .





كل ذلك تعرضت له النصرانية فاستحقت أن توصم بأنها ديانة تركيبية أو بوتقة
انصهر فيها عقائد وخرافات وآراء متباينة ، شكلت دينا غير متسق ولا متجانس .





ونظرا لصعوبة التمييز بين الصحيح من الزائف والأصلي من المبتدع في الدين
النصراني ، فقد تباينت وجهات نظر النقاد الغربيين وتباعدت شقة الخلاف
بينهم ، فغالى بعضهم إلى حد التصريح بأن النصرانية ديانة وضعية أرقى
تكوينا وأدق تنظيما من الديانات السابقة التي ابتكرها الإنسان بزعمهم -
منذ فجر التاريخ ، وأن طقوسها وشعائرها هي امتداد للطقوس الطوطمية
والشعائر الوثنية التي كانت سائدة بين القبائل الهمجية القديمة .





وبالمقابل تعصب آخرون - لاسيما ذوى الميول الدينية - للرأي القائل بأن
الدين النصراني - مكتملاً - دين سماوي على الحقيقة وأن كل ما في الأناجيل
وحي صادق وأن أعمال الكنيسة مشروعة يقرها ويمليها المسيح فليس شئ منها
يستحق أن يوصف بأنه بدعة محدثة أو إضافة خاطئة . وتظل الكلمة الفصل في
الموضوع ، كما هي دائماً ، في القرآن الكريم الذي نزل مهيمناً على ما قبله
من الكتب ويظل الرأي الذي يصح أن يوصف بأنه موضوعي ونزيه - في هذه المسألة
وأشباهها - من نصيب الباحث المسلم وحده .




لقد سبق أن تحثنا عن تحريف المسيحية - عقيدة وشريعة - والتحريف في
ذاته بدعة خطرة ، لكن الأمر لم يقتصر على تحريف ما هو موجود بالفعل ، بل
انتقل إلى إحداث ما لم يكن وابتداع تعاليم وضعية أُلصقت بالمسيحية وأُدخلت
في صلبها وربما كانت بدعة رجال الدين - كما يسمون - أبعد البدع أثراً لأن
البدع الأخرى لم تكن لتنمو لولا أن رجال الدين هم الذين ابتدعوها وأقروها
وأضفوا الشرعية عليها لذلك سنبدأ بالحديث عن هذه البدعة ثم نعقب بعض البدع
الأخرى لتكون نماذج وأمثلة شاهدة على ما نقول .








.. .. أولاً - رجال الدين "الاكليروس" .. ..






ترى النظرة الجاهلية للتاريخ المتأثرة بنظرية التطور أن حياة البشر الدينية والاجتماعية مرت بثلاث مراحل رئيسية :

1-مرحلة السحر والخرافة .

2-مرحلة الدين .

3-مرحلة العلم .




وفي المرحلة الأولى كان الفكر البشرى يعيش أدنى أطواره وأحطها ، وكان
الإنسان آنذاك يرى أن حياته مرتبطة بأسباب خفية لا يستطيع إدراكها ، فلجأ
إلى السحر والشعوذة اللذين يستطيعان التأثير بطريقة غير محسوسة ، وكلما
ازداد وعى الإنسان بحياته وتفرعت آماله ومطامعه ، ازداد تعلقه بالسحرة
والكهان ، لدفع الأرواح الشريرة التي تسبب له الضرر في نظرة ولجلب المنافع
المعيشية المتنوعة . وبمرور الزمن أصبح السحرة والكهان يتمتعون بأسمى
المراكز الاجتماعية لدى الهمج ، فآلت إليهم زعامات القبائل وفرضوا سلطانا"
ماديا" لأنفسهم في أموال ونساء أتباعهم .


وبعد اكتشاف الزراعة واستقرار الحياة الإنسانية ، بُنيت المعابد والهياكل
وأصبح بعض الكاهن ملوكا" يتوارثون الحكم ، بينما ظل البعض الآخر يرأس
المعابد والهياكل التي كانت تدر عليهم الشرف العريض والمال الوفير .


وبانتقال الإنسان إلى المرحلة الثانية "مرحلة الدين" بقيت رواسب موروثة عن
المرحلة الأولى من أبرزها طبقة رجال الدين الذين ليسوا امتداد للسحرة
والكهان في المرحلة السالفة وظلوا يقومون بالمهمة نفسها التي كان يتولاها
أولئك من قبل ، والفارق الوحيد هو أن هؤلاء يستمدون من الدين بينما
يستمدها أولئك من السحر(1) .




هذا هو التعليل الجاهلي لظهور رجال الدين ، وهو تعليل قاصر لأنه ينكر
الوحي الإلهي ويغفل ، عامدا" ، الفترات المضيئة التي تخللت التاريخ البشرى
منذ البدء ، وهي الفترات التي شهدت مبعث الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم
((وإن من أمة إلا خلا فيها نذير)) ، ويقصر نظره على فترات الانحراف عن
منهج الله ، تلك التي طغت عليها الخرافات والشركيات وتحول فيها أتباع
الأنبياء إلى سدنة أوثان ومشعوذين وكهان .




والتصور الإسلامي للتاريخ ينظر إلى الحياة البشرية على أنها خطان
متوازيان : خط مشرق يمثل البشرية حين تهتدي إلى الله وتسلك طريق الأنبياء
الذين يتعاقبون لردها إلى جادة الطريق ، وخط آخر مظلم يمثل حزب الشيطان
وفترات الضلال الذي طرأ على البشرية بعد أن كانت أمة واحدة على الإيمان ،
والسمة العامة للتاريخ هي الصراع بين الهدى والضلال ، بين الحق والباطل .




ونحن لا ننكر التشابه الظاهر بين رجل الاكليروس في المسيحية وبين
السحرة والكهان في العصور السابقة ، لكننا نرجع ذلك إلى كون الطائفتين
انحرفتا عن أصل صحيح واحد ولا نمضي أبعد من ذلك ، أما التعليل المباشر
الذي يوضح الأًصل الحقيقي لرجال الدين فهو أن الله تعالى أنزل التوراة على
موسى ، عليه السلام ، واحتفظ بها الأحبار من بعده ، فكان الأمر يقتضي وجود
عدد من ذوي الموهبة والعناية يتفرغون لحفظ الكتاب وشرح تعاليمه وتأويل
مشكله وإيضاح أحكامه كي يسير عليها الفرد والمجتمع ، وأمر الله تعالى
هؤلاء العلماء أن يكونوا ربانيين بما كانوا يعلمون الكتاب وبما كانوا
يدرسون ، ونهاهم عن كتمان شئ منه أو تحريفه أو شراء شيء من عرض الدنيا به
، لكن الأمر آل إلى أن كثيراً من الأحبار أغرتهم المطامع الدنيوية الزائلة
واشتروا بعهد الله وأيمانهم ثمناً قليلاً ، ضيعوا الأمانة وفرطوا في الحفظ
وفرضوا لأنفسهم سلطة دنيوية يأكلون أموال الناس بالباطل ويتقبلون القرابين
ويفرضون على الناس العشور باسم الهياكل والبيع ، مستغلين منصبهم الديني
أسوأ استغلال .


وبذلك استحقوا المقت من الله وكانوا مثلاً سيئاً وقدوة طالحة لمن جاء
بعدهم . ثم بعث الله عيسى ابن مريم ، عليه السلام ، ومعه الإنجيل فحذر
أتباعه أبلغ تحذير من اقتفاء أثر أحبار اليهود الذين كان المسيح يسميهم
"بائعي العهد ، أولاد الأفاعي ، عباد الدنيا" ودعا قومه إلى الاتصال
المباشر بالله والتوبة إليه والخضوع له وحده دون سواه ، وكان يوصى
الحواريين والتلاميذ ، قائلا" : "رؤساء الأمم يسودونهم والعظماء يتسلطون
عليهم فلا يكون هكذا فيكم" (2) .


لكن القسيسين والرهبان لم يكونوا أفضل حالا" من الأحبار ، فقد سلكوا
الطريق نفسها وانصاعوا إلى الدنيا مستعبدين أتبعاهم المؤمنين ، وساعد
وجودهم ضمن الإمبراطورية الرومانية على تثبيت مراكزهم وتدعيمها وذلك بأنهم
اقتبسوا من الأنظمة والهياكل السياسية للدولة فكرة إنشاء أنظمة وهياكل
كهنوتية ، وكما كانت هيئة الدولة تمثل هرماً قمته الإمبراطور وقاعدته
الجنود ، كانت الهيئة الكنسية تمثل هرماً مقابلاً قمته الباب وقاعدته
الرهبان . ونتيجة لمبدأ فصل الدين عن الدولة رعت الإمبراطورية الهرم
الكنسي ولم تر فيه ما يعارض وجودها فرسخ واستقر .


يقول المؤرخ الإنجليزي ويلز في معرض الفرق بين مسيحية المسيح ومسيحية
الكنيسة - كما سبق -أن تعاليم يسوع الناصري تعاليم نبوية من الطراز الجديد
الذي ابتدأ بظهور الأنبياء العبرانيين ، وهي لم تكن كهنوتية ، ولم يكن لها
معبد مقدس حبساً عليها ولا هيكل ، ولم يكن لديها شعائر ولا طقوس ، وكان
قربانها "قلباً كسيراً خاشعاً " وكانت الهيئة الوحيدة فيها هيئة من الوعاظ
، وكان رأس ما لديها من عمل هو الموعظة .




"بيد أن مسيحية القرن الرابع الكاملة التكوين ، وإن احتفظت بتعاليم
يسوع في الأناجيل "كنواة لها" ، كانت في صلبها ديانة كهنوتية من طراز
مألوف للناس من قبل منذ آلاف السنين ، وكان المذبح مركز طقوسها المنمقة
والعمل الجوهري في العبادة فيها القربان الذي يقربه قسيس متكرس للقداس ،
ولها هيئة تتطور بسرعة مكونة من الشمامسة والقساوسة والأساقفة" (3)


وكان من الأسس الباطلة التي بنى عليها رجال الدين مبررات وجودهم مبدأ
"التوسط بين الله والخلق" الذي يقتضي ألا يذهب الإنسان إلى رجل الدين
ليعلمه كيف يعبد الله طالباً الصفح والمغفرة ، بل عليه أن يتجه إلى رجل
الدين معترفاً أمامه بذنبه ليقوم بالتوسط لدى الله فيغفر له ، وحسب هذا
المبدأ نصب رجال الدين أنفسهم أنداداً لله تعالى وأوقعوا أتباعهم في الشرك
الأكبر ( اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أرباباً من دون الله ) وفوق كونه مبدأ
باطلاً شرعاً ، ساقطاً عقلاً ، فإنه ليس في الأناجيل - رغم تحريفها - ما
يدل على أن المسيح أقره أو دعا إليه .


وقد ترتب على هذا المبدأ آثار سيئة للغاية ،منها احتكار رجال الدين لحق
قراءة وتفسير الإنجيل ، ثم مهزلة صكوك الغفران ، وكذلك الانشقاقات الدينية
المتوالية التي دمرت الحياة بصفة عامة ، وأخيراً كان هذا المبدأ إحدى
الحجج التي سلها ملاحدة القرن السابع عشر فما بعد ،في وجه الأديان عامة
والمسيحية خاصة ، وسيأتي تفصيل هذه الأمور في أبوابها - بإذن الله - (4) .


يقول العالم الفرنسي المهتدي " ناصر الدين دينيه " :


"الوسيلة هي إحدى كبريات المسائل التي فاق بها الإسلام جميع الأديان ، إذ
ليس بين الله وعبده وسيط وليس في الإسلام قساوسة ولا رهبان ، إن هؤلاء
الوسطاء هم شر البلايا على الأديان وإنهم لكذلك مهما كانت عقيدتهم ومهما
كان إخلاصهم وحسن نياتهم ، وقد أدرك المسيح نفسه ذلك ، ألم يطرد بائعي
"الهيكل " ؟ غير أن أتباعه لم يفعلوا مثلما فعل ، واليوم لو عاد عيسى فكم
يطرد من أمثال بائعي الهيكل ؟


"كذلك ما اكثر البلايا والمصائب ، بل ما أكثر المذابح والمجازر التي يكون
سببها هؤلاء الوسطاء ، سواء كانت بين العائلات وبعضها أو بين الشعوب
والشعوب ، وهم في ذلك كله يصيحون : باسم مجد الله " (5)





أما السلطة الكهنوتية ، الطاغية ، فإنها تستند إلى أسانيد واهية لا بد من مناقشتها :


لقد مر معنا وسيظل -حقيقة تاريخية واضحة هي أن الافتراء على الله من جهة
وسوء الفهم والخطل في الاستنباط من جهة أخرى ، أمران ملازمان للكنيسة
ملازمة الظل لأصله ، وقد أخذ الله تعالى على أهل الكتاب هذه الأخطاء
المتكررة ((يقولون على الله غير الحق )).. ((يحرفون الكلم عن مواضعه ))
..وجرياً على ذلك تزعم الكنيسة أن المسيح قال لبطرس كبير الحواريين " أنت
بطرس وعلى هذه الصخرة أبني كنيستي وأبواب الجحيم لن تقوى عليها وأعطيك
مفاتيح ملكوت السموات فكل ما تربطه على الأرض يكون مربوطاً في السموات وكل
ما تحته على الأرض يكون محلولاً في السموات " (6) ؟


فهمت الكنيسة من هذا القول أن المسيح يعنى أن السلطة الدينية المهيمنة
باسمه سترتكز في الموضع الذي يموت فيه كبير الحواريين بطرس ومن هذا المركز
تمد أجنحة نفوذها على العالم أجمع وتحكمه باسم المسيح ، وبما أن المسيح
بطرس - كما تقول الكنيسة - مات في رومة فإن رومة هي قاعدة المسيح لحكم
العالم ، وفيها مقر الكنيسة التي يرأسها ممثل المسيح ورسوله "البابا "
المعصوم عن الخطأ ، وكل ما تقرره الكنيسة هذه هو عين الصواب ، إذ أن
المسيح بواسطة الروح القدس هو الذي يملى عليها تصرفاتها ، ومادام أنها
تعمل باسم الله وتحل وتبرم حسب مشيئته - بل هو يحل ويبرم حسب مشيئتها
تعالى الله على ذلك علواً كبيراً فطاعتها واجبة وقراراتها إلزامية لكل
المؤمنين بالمسيح وليس على الأتباع إلا الطاعة العمياء والانقياد الذي لا
يعرف جدلاً أو نقاشاً ، والذنب الذي لا يغتفر هو أن تصادم أوامر الله ،
التي هي أوامر الكنيسة ، بواسطة العقل البشرى أيا كان صاحبه ، والخارج على
سلطة الكنيسة أو الناقد لقرارات مجامعها كافر "مهرطق" تحل عليه اللعنة
والحرمان من دخول الملكوت مهما بلغت وجاهة رأيه بل مهما كانت سوابقه
وخدماته للمسيحية وللكنيسة نفسها .


أما إذا كان المتمرد على الكنيسة وسلطتها حاكماً أو شعباً ، فإن الجيوش المقدسة ستسحقه بأقدامها ، إرضاء للمسيح .


ذلك هو زعم الكنيسة التي تحول إلى واقع تاريخي عاد بأسوأ النتائج على
أوروبا والعالم أجمع . ونحن لا نملك حيال إلا موقفاً واحدا صريحاً هو موقف
الإنكار القاطع لنسبة هذا القول إلى رسول الله المسيح عليه السلام .


إن هذا القول يخدش التوحيد الذي دعا إليه الأنبياء كافة ويمس العقيدة
الإيمانية الصحيحة في جوهرها ، وهو من نوع دعوى الأناجيل الزاعمة أن
المسيح قال " أنا ابن الله " سواء بسواء ، بل أن إنجيل متى ليصرح بأن
المسيح إنما قال ذلك لبطرس مكافأة له على قوله " أنت المسيح ابن الله الحي
" . ولقد قال الحق تبارك وتعالى " ما كان لبشر أن يؤتيه الله الكتاب
والحكم والنبوة ثم يقول للناس كونوا عباداً لي من دون الله ولكن كونوا
ربانيين بما كنتم تعلمون الكتاب وبما كنتم تدرسون ولا يأمركم أن تتخذوا
الملائكة والنبيين أربابا أيأمركم بالكفر بعد إذ أنتم مسلمون " آل عمران
79 - 80 "


فالأنبياء دعاة التوحيد ورسل الحق لا يتصور أن تصدر عنهم دعوى فيها شائبة
من شرك ، وحاشا أن يزعم أحد منهم لنفسه شيئا من خصائص الألوهية فضلاً على
أن يهبه لغيره .


والمسيح ، عليه السلام بشر رسول لا يملك لنفسه ضراً ولا نفعاً ، فكيف يجوز
أن ينسب إليه أن يمتلك مفاتيح الملكوت التي لا يملكها إلا الله وحده ؟
وإذا كنا ننكر جازمين أن يملكها المسيح فلا معنى للجدال في كونه وهبها
لبطرس أو لم يهبها ، وكون الكنيسة ورثتها من بطرس أو لم ترثها ، فالخطأ
هنا أساسي لا يمكن إقراره ، كما لا يمكننا أن نقر بأن المسيح إله .


ومع ذلك فليس في استطاعة الكنيسة أن تقنع أي باحث علمي بصحة مزاعمها بطريق
الأدلة اليقينية ، ولا يستطيع أي إنسان ذي عقل سليم أن يساير منطقها
الأعوج ويؤمن بمسلماتها العمياء .


وقد سخر الكاتب الأمريكي " جرين برنتن " من استدلال الكنيسة بهذه الفقرات
وأرجع السبب في وقوع الكنيسة في هذا الخطأ إلى التشابه الشكلي بين لفظي "
بطرس " " صخرة " (7)


وإذا كان مفسرو الأناجيل المتعصبون لدينهم يصرحون بأن آيات كثيرة في
الأناجيل لا أصل لها كما سبق في مبحث التثليث - فما بالك بالنقاد
والمفكرين من غير رجال الكنيسة ، فضلاً عن المسلم الذي يتفرد بمعلومات
يقينية لا يتطرق الشك إليها .


ومن وجهة نظر التاريخ لا يمكن تبرير الشناعات التي ارتكبتها الكنيسة
والحروب الطاحنة التي عرقلت مسيرة الحضارة وأزهقت أرواح الأبرياء ،
والاستبداد والطغيان اللذين مارسها رجال الدين في كل شؤون الحياة والوقوف
المستمر في صف الطغاة والظلمة ضد الشعوب البائسة ، ومحاكم التفتيش ،
وإحراق العلماء ، وبقية الجرائم الأخرى لا يمكن تبرر ذلك بأن المسيح أورث
سلطانه وملكوته للسلطة الكهنوتية الغاشمة .


وبالإضافة إلى ذلك لو راجعنا إنجيل متى الذي أورد هذا الافتراء لوجدنا
المسيح بعد ثلاث فقرات من هذا القول يخاطب بطرس قائلاً : " اذهب عنى يا
شيطان ، لأنك لا تهتم بما الله لكن بما للناس " … فكيف يتسق هذا الوصف
وهذه التهمة مع الهبة السابقة والتكريم الذي لا حد له ؟ .


ثم لماذا تنظر الكنيسة إلى هذا القول وإضرابه وتغض الطرف عن مثل قول
المسيح الصريح : " رؤساء الأمم يسودونهم والعظماء يتسلطون عليهم فلا يكون
هكذا فيكم " وقوله : " أحبوا أعداءكم أحسنوا إلى مبغضيكم ، باركوا لاعنيكم
وصلوا لأجل الذين يسيئون إليكم " (Cool
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
http://www.boundk.tk
Bound2
*ابــــــــالبناديقــــــــــــــو*
*ابــــــــالبناديقــــــــــــــو*
Bound2


عدد الرسائل : 1286
العمر : 32
تاريخ التسجيل : 25/03/2007

مبادئ الملاحده الفكريه والرد عليها OoO متجدد OoO Empty
مُساهمةموضوع: رد: مبادئ الملاحده الفكريه والرد عليها OoO متجدد OoO   مبادئ الملاحده الفكريه والرد عليها OoO متجدد OoO Icon_minitimeالإثنين يونيو 04, 2007 8:34 pm

.. ثانيا - الرهبـــــــــــــــــــــانية ..





للوجود الإنساني في هذه الأرض غاية سامية أرادها الخالق سبحانه منذ
أن اختار الإنسان للقيام بالمهمة العظمى " الخلافة في الأرض " وأناط به
مسؤولية عمرانها بالصلاح والخير ، ولكيلاً ينسى الإنسان الغاية في وجوده
ولتقوم عليه الحجة أمام خالقه جعل الله تعالى الغاية جزءاً من تكوينه ،
مودعاً إياها في أعماق نفسه ، " فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل
لخلق الله " وبعث إليه الرسل تتري ليكونوا نماذج حية لتحقيق هذه الغاية
الإيجابية والدعوة إليها .


لكن الناس - بإغواء الشيطان لهم - يضلون الطريق فيغفلون عن غاية وجودهم
منغمسين في حدود المطالب الحيوانية العاجلة ، أو يتصورون هذه الغاية على
غير حقيقتها فتضل أعمالهم وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعاً .


ومن تصور هذه الغاية على غير حقيقتها الاعتقاد بتفاهة الحياة الدنيا إلى
درجة إسقاط القيمة التى جعلها الله لها ، والغلو في تهذيب النفس البشرية
إلى حد التضييق والتعذيب ، مع صرف النظر عن عمارة الكون التى هي جزء من
الغاية العظمى .


وما الرهبانية التى عرفها الناس منذ القدم إلا تطبيق عملى للتصور السلبى
الخاطئ الذى ينشأ عن الجعل بطبيعة الإنسان ومهمته في الوجود .


ومع أن الرهبانية بدعة مشتركة بين أديان عديدة ، نلاحظ أن للرهبانية
النصرانية ظروفاً وأسباباً بارزة تضافرت على إيجادها وتنميتها حتى أصبحت
أبرز مظاهر الدين الكنسي على مر العصور .





أسبــــــــــــاب الرهبانيـــــــــــة :






1- عقيدة الخطيئة الأصلية الموروثة :
إحدى التعاليم الكبرى في المسيحية المحرفة ، وموجزها أن آدم عليه السلام
أكل من الشجرة " شجرة المعرفة ! " فعاقبه الله بالطرد من الجنة وأسكنه
التراب ، وظل الجنس البشرى يرسف في أغلال تلك الخطيئة أحقابا متطاولة حتى
أنزل الله تعالى ابنه " تعالى على ذلك علواً كبيراً " ليصلب فداء للنوع
الإنساني وليبين للناس طريق الخلاص من هذه الخطيئة ، فأصبح لزاماً على
الإنسان أن يقتل نفساً لمنحها الخلاص ، يقول إنجيل متى " من أراد أن يخلص
نفسها يهلكها " (9)





ويقول إنجيل لوقا : " من طلب أن يخلص نفسه يهلكها ومن أهلكها " (10) …
ولما كانت المرأة - حسب رواية سفر التكوين - هي التي أغرت الرجل بالأكل من
الشجرة ، فإن النصرانية المحرفة ناصبت المرأة العداء باعتبارها أصل الشر
ومنبع الخطيئة في العالم . لذلك فإن عملية الخلاص من الخطيئة لا تتم إلا
بإنكار الذات وقتل كل الميول الفطرية والرغبات الطبيعية ، والاحتقار
البالغ للجسد وشهوته لا سيما الشهوة الجنسية .


ومن ناحية أخرى تولد عن الشعور المستمر بالخطيئة أن قنط كثيرون من رحمة
الله فلا يكاد أحدهم يقترف كبيرة حتى تظلم الدنيا في عينيه ويثأر من نفسه
بإرغامها على الالتحاق بأحد الأديرة والمترهبين فيه .





2- رد فعل المتطرف للمادية اليهودية الجشعة والأبيقورية الرومانية النهمة :


فقد بعث الله عبده ورسوله المسيح بين ظهرانى فئتين يربطهما رباط التهالك
على الدنيا والتفانى في سبيل ملذاتها والعبودية الخانعة لشهواتها هما :
قومه اليهود أجشع بنى الإنسان وأشدهم تعلقا وتشبثا بالحياة ، ومستعمروهم
الروم الغارقون إلى آذانهم في مستنقع الحياة البهيمية وأوكار الشهوات
الدنسة ، فكان المسيح عليه السلام - بأمر الله - يعظهم بأبلغ المواعظ
ويذكرهم بالآخرة أعظم تذكير ويضرب لهم الأمثال المتنوعة ويقص عليهم القصص
المؤثر ، كل ذلك في يرفعهم من عبودية الدنيا إلى عبادة الله ويفتح عيونهم
على ما ينتظرهم تجررونني العالم الآخر من الأهوال فيحسبوا له الحساب .
وآمن بالمسيح قوم تأثرت أنفسهم واتعظت قلوبهم بما سمعوا منه ، لكنهم مع
مرور الزمن ورد فعل منهم للضغط المادي عليهم ، غلوا واشتطوا حتى خرجوا عن
حدود ما يأمرهم به الوحي وتمليه الفطرة السوية ، ونسبوا إلى المسيح أنه
أمر الغنى أن يتجرد من أمواله ويحمل الصليب ويتبعه ، وقال : " مرور جمل من
ثقب إبرة أيسر من أن يدخل غنى إلى ملكوت الله " (11) … وأنه أوصى تلاميذه
قائلاً : " لا تقتنوا ذهباً ولا فضة ولا نحاساً في مناطقكم ولا مزوداً
للطريق ولا ثوبين ولا أحذية ولا عصاً" (12) .





3- الأثر الذى خلفته الفلسفات والوثنيات التهربية القانطة :


كان العالم في العصر الواقع بين وفاة المسيح ومبعث محمد صلى الله عليه
وسلم يعيش فترة من انقطاع الوحى ، والمتعطش إلى دين حقيقى لم تستطع
المسيحية المنحرفة أن تسدها ، فاستبدت الحيرة والضلال بكثير من ذوى
التفكير العميق والإحساس المرهف فابتكروا ، واعتنقوا ، فلسفات تنم على
التذمر والتهرب من الحياة وتقوم على التأمل والاستغراق في عالم ما وراء
المادة ، وخير مثال لذلك الفلسفة الرواقية




وكان إلى جانب ذلك وثنيات قاتلة تقهر الجسد على حساب الروح وتقديس
اليأس والتقشف ، كالبوذية والبرهمية . ولما كان بولس - محرف المسيحية
الأكبر - مطلعاً على هذه الفلسفات والوثنيات متأثراً بآرائها ، فقد لقح
بها ديانته الوضعية وأدخلها في صلب مسيحيته ثم توارثها الأتباع من بعده ،
ومن اقتباسات بولس النظرة المتشائمة إلى الحياة الدنيا ومتاعها .


وقد أثرت هذه الاعتقادات وما اقتبسته المسيحية المحرفة منها في رواج
الرهبانية وشيوعها في القرون التي تلت المسيح ، يقول صاحب " معالم تاريخ
الإنسانية " :


" كانت الأديرة موجودة في العالم قبل ظهور المسيحية ، وفي الفترة التي ألم
فيها الشقاء الاجتماعي باليهود ، قبل زمان يسوع الناصري ، كانت طائفة من
النساك الأسينيين تعيش منعزلة في مجتمعات وهبت نفسها لحياة تقشفية من
الوحدة والطهر وإنكار الذات ، كذلك أنشأت البوذية لنفسها مجتمعات من رجال
اعتزلوا غمرة الجهود العامة والتجارة في العالم ليعيشوا عيشة التقشف
والتأمل "


"ونشأت في زمن مبكر جداً من تاريخ المسيحية حركة مشابهة لهذه تتنكب ما
يغمر حياة الناس اليومية من منافسة وحمية وشدائد ، وفي مصر على وجه الخصوص
خرجت حشود كبيرة من الرجال والنساء إلى الصحراء ، وهناك عاشوا عيشة عزلة
تامة قوامها الصلوات والتأملات وظلوا يعيشون في فقر مدقع في الكهوف أو تحت
الصخور على الصدقات التى تقذفها إليهم الصدفة من أولئك الرجال الذين
يتأثرون بقداستهم" (13)





4- الأوضاع الاجتماعية القاسية : كان
المجتمع الرومانى مجتمعا طبقياً ظالماً تكدح فيه قطاعات ومجموعات كبيرة
لصالح أفراد قلائل ، وكان سكان المستعمرات خاصة يعانون البؤس وشظف العيش
إلى جانب الظلم والطغيان ، فقنط كثيرون من الحياة ورأوا أن خير وسيلة
للتخلص من خدمة الأسياد والحصول على العيش ولو كفافاً ، هو دخول الأديرة
حيث ينفق عليهم من تبرعات المحسنين وأوقاف الكنيسة ، ويذكر صاحب كتاب "
قصة الحضارة " أن " الآلاف من الشباب كانوا يدخلون الأديرة فراراً من
الخدمة العسكرية التى فرضها الرومان " (14)





نظــــــــــــــام الرهبـــــــــــــــــانية :






يتضمن نظام الرهبانية شروطاً لا بد من تحقيقها في الراهب منها :






1- العزوبة : أهم شروط الرهبانية ، إذ لا
معنى للرهبانية مع وجود زوجة ، ومعلوم أن المسيح عليه السلام ، لم يتزوج ،
وينسب إنجيل متى إلى المسيح قوله " يوجد خصيان خصوا أنفسهم لأجل ملكوت
السموات من استطاع أن يقبل فليقبل " (15) . على أن التنفير من المرأة وإن
كانت زوجة ، واحتقار وترذيل الصلة الجنسية وإن كانت حلالاً ، من أساسيات
المسيحية المنحرفة ، حتى بالنسبة لغير الرهبان ، يقول " سان بونافنتور "
أحد رجال الكنيسة :

" إذا رأيتم امرأة فلا تحسبوا أنكم ترون كائنا
بشرياً ، بل ولا كائنا حياً وحشياً ، وإنما الذى ترون هو الشيطان بذاته
والذى تسمعون هو صفير الثعبان " (16) .





وكان من المشاكل المستعصية على الكنيسة مشكلة زواج رجال الدين غير الرهبان
أو تسريهم ، و ( كانت الكنيسة منذ زمن بعيد تعارض زواج رجال الدين بحجة أن
القس المتزوج يضع ولاءه لزوجه وأبنائه في منزلة أعلى من إخلاصه للكنيسة )
.. .. ( وأنه سيحاول أن ينقل كرسيه أو مرتبته لأحد أبنائه يضاف إلى هذا أن
القس يجب أن يكرس حياته لله وبنى الإنسان ، وأن مستواه الأخلاقي يجب أن
يعلو على مستوى أخلاق الشعب وأن يضفي على مستواه هذه المكانة التي لا بد
منها لاكتساب ثقة الناس وإجلالهم إياه " (17)


" بوجوب التبتل على رجال الدين وتطليق زوجات المتزوجين منهم وكان لهذا
الأمر آثار امتدت إلى القرن السادس عشر وانتهت بانتصار الكنيسة " (18) .


وإذا كان هذا هو الحال مع غير الرهبان ، فلنتصور كيف تكون الحال معهم ‍! .





2- التجرد الكامل عن الدنيا : ويعنى ذلك
العزلة النهائية عن المجتمع وقطع النظر عن كل أمل في الحياة ، والرضا من
الرزق بالكفاف ، وعدم الاهتمام بالمطالب الجسدية حتى الضروري منها
كالملابس والنظافة . وإذا كانت المسيحية المحرفة تأمر الأفراد العاديين
باحتقار الحياة وتعده من أولى الواجبات فبديهي أن تكون معاملة الراهب أقسى
واعتى .


يقول صاحب كتاب " المشكلة الأخلاقية والفلاسفة " :

"
لنقرأ هذا السفر الطريف ( محاكاة المسيح ) ، إنه سفر أكبر أسفار التبتل
المسيحي ، ولنطلب بين صحائفه ومظاهر الحياة المسيحية بمعناها الصحيح ، وأن
ما نجده لمعبر عن الحال أبلغ عبارة : إحتقاد أساسى لكل علم ، حتى يشمل ذلك
علم الإلهيات ، واحتقار أصيل لكل ما نسميه خيرات هذا العالم : الثراء
والشرف الاجتماعي ، حتى المركز الوسط ، وإنه لحتم علينا أن نستشعر دائما
التواضع والندم وأن نمارس عملياً على الدوام التضحية وكل مظهر تملية
الرحمة وأن نجمع حواسنا في صمت وذهول تام وتأمل دينى ينسى المرء فيه كيانه
، يجب أن نقتل فينا كل ميول دنيوي ، يجب أن يموت عالم الرغبة ، يجب أن
نبدأ من هذا العالم الزائل ما سوف يكون لنا الوجود الأبدى " .














ثم يعلق على هذه التعاليم قائلاً :

" عظمة وعلاء ولكنه
قضاء قاس على الإنسانية ، وإن التطبيق الكامل لمثل تلك المبادئ ليمكن أن
يملأ الأرض بأديرة فيها الرجال من جهة والنساء من جهة أخرى ينتظرون في
طهارة وتأمل الزوال النهائى للنوع الإنساني " (19)





3- العبادة المتواصلة : يفرض نظام الحياة
الرهبانية على الراهب أن يكون في حالة عبادة مستمرة يميلها عليه الأب ،
ولا يستطيع التردد في الطاعة ، بل عليه أن يجهد نفسه ويرهفها ويكلفها ما
لا تطيقه من الصلوات والصيام والتراتيل والترانيم وسائر الطقوس ، وإذا سئم
من ذلك أو قصر في شئ منه فإن للنظام عقوباته الرادعة …… ولنأخذ نموذجا
نموذج لذلك تعاليم القديس " كولمبان " الذي أسس الأديرة في جبال الفوج
بفرنسا ، ومن تعاليمه : " يجب أن تصوم كل يوم وتصلى كل يوم وتعمل كل يوم
وتقرأ كل يوم ، وعلى الراهب أن يعيش تحت حكم أب واحد " .

" ويجب أن
يأوي إلى الفراش وهو متعب يكاد يغلبه النوم وهو سائر في الطريق " .. .. "
وكانت العقوبات صارمة أكثر ما تكون بالجلد : ستة سياط إذا سعل وهو يبدأ
ترنيمة أو نسى أن يدرم أظافره قبل تلاوة القداس ، أو تبسم أثناء الصلاة ،
أو قرع القدح بأسنانه أثناء العشاء الربانى " .


" وكانت اثنا عشر سوطاً عقاب الراهب إذا نسى أن يدعو الله قبل الطعام
وخمسون عقاب المتأخر عن الصلاة ، ومائة لمن يشترك في نزاع ومئتان لمن
يتحدث من غير احتشام مع امرأة .


وأقام " كولمبان " نظام الحمد الذى لا ينقطع ، فكانت الأوراد يتلوها بلا
انقطاع ليلاً ونهاراً طائفة بعد طائفة من الرهبان " يوجهونها إلى عيسى
ومريم والقديسين " (20)





4- التعذيب الجنوني : لم يقتصر الأمر على
ما ذكره بل - كما هي طبيعة البدع - تجاوز ذلك إلى تصرفت جنونية تشمئز لها
الفطر السليمة ، ابتدعها بعض الرهبان ليعبروا عن قوة إيمانهم وعمق إخلاصهم
لمبدئهم ، (وروى المؤرخون من ذلك عجائب فحدثوا عن الراهب ماكاريوس أنه نام
ستة أشهر في مستنقع ليقرض جسمه العاري ذباب سام ، وكان يحمل دائما نحو
قنطار من حديد وكان صاحبه الراهب يوسيبيس يحمل نحو قنطارين من حديد .. ،
وقد أقام ثلاثة أعوام في بئر نزح … وقد عبد الراهب يوحنا ثلاث سنين قائما
على رجل واحدة ولم ينم ولم يقعد طوال هذه المدة ، فإذا تعب جداً أسند ظهره
إلى صخرة . وكان بعض الرهبان لا يكتسون دائما ، وإنما يتسترون بشعرهم
الطويل ويمشون على أيديهم وأرجلهم كالأنعام ، وكان أكثرهم يسكنون في
مغارات السباع والآبار النازحة والمقابر ويأكل كثير منهم الكلأ والحشيش ،
وكانوا يعدون طهارة الجسم منافية لنقاء الروح ويتأثمون من غسل الأعضاء ،
وأزهد الناس عندهم وأنقاهم أبعدهم عن الطهارة وأوغلهم في النجاسات والدنس
، يقول الراهب اتهينس أن الراهب أنتونى لم يقترف إثم غسل الرجلين طوال
عمره ، وكان الراهب أبرا هام لم يمس وجهه ولا رجله الماء خمسين عاماً ،
وقد قال الراهب الإسكندري بعد زمان متلهفاً : و أسفاه ، لقد كنا في زمن
نعد غسل الوجه حراماً ، فإذا بنا الآن ندخل الحمامات " (21)


وهناك " راهب منعزل اخترع درجة جديدة من الورع يربط نفسه بسلسلة إلى صخرة
في غار ضيق " (22) وأما القديس كولمبان فـ ( كانت السناجب تجثم على كتفيه
فتدخل في قلنسوته وتخرج منها " (23) وهو ساكن .
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
http://www.boundk.tk
Bound2
*ابــــــــالبناديقــــــــــــــو*
*ابــــــــالبناديقــــــــــــــو*
Bound2


عدد الرسائل : 1286
العمر : 32
تاريخ التسجيل : 25/03/2007

مبادئ الملاحده الفكريه والرد عليها OoO متجدد OoO Empty
مُساهمةموضوع: رد: مبادئ الملاحده الفكريه والرد عليها OoO متجدد OoO   مبادئ الملاحده الفكريه والرد عليها OoO متجدد OoO Icon_minitimeالإثنين يونيو 04, 2007 8:35 pm

نتائـــــــــــج الرهبـــــــــــــــــــانية ..






من سنن الله في الكون أن كل مبدأ أو نظام لا يساير الفطرة البشرية فإن
مآله إلى الخسران والفناء ، ومصير أتباعه شقاء مطبق وضياع مرير ، لا
يستطيع أحد أن يأتى بدين يوائم الفطرة إلا خالقها جل شأنه ، ولذلك كان
المبتدعون وواضعوا المذاهب البشرية أكثر من شئ إساءة إلى الجنس البشرى .


وما من شك أن الرهبانية ليست من فطرة الإنسان ولا من غايات وجوده ، بل هي
على النقيض من ذلك ولهذا لم يأمر بها الله ولم يشرعها " ورهبانية ابتدعوها
ما كتبناها عليهم إلا ابتغاء مرضاة الله فما رعوها حق رعايتها " فهي بدعة
حتى بالسنة للذين تطوعوا بإلزام أنفسهم بها مدفوعين بالحرص على رضاء الله
فما بالك بها بعد أن انخرط في سلكها الفساق وطلاب الدنيا ؟


أن المرء لا تقع عينه على مؤلف من مؤلفات تاريخ الغرب في عصوره الوسطى إلا
ويرى فيه ما يشين ويلطخ الحياة الرهبانية من الفضائح الشنيعة والدعارة
التى لا تضارعها دعارة مواخير الفساد .


يقول رئيس دير كلونى : " إن بعض رجال الدين في الأديرة وفي خارجها
يستهترون بابن العذراء استهتاراً يستبيحون معه ارتكاب الفحشاء في ساحاته
نفسها ، بل في تلك البيوت التى أنشأها المؤمنين الخاشعون لكى تكون ملاذاً
للعفة والطهارة في حرمها المسور ، لقد فاضت هذه البيوت بالدعارة حتى أصبحت
مريم العذراء لا تجد مكاناً تضع فيه الطفل عيسى " (24) .


لقد أدى التزمت والغلو في الدين ومغالبة الطبع السوي والفطرة السليمة إلى
نتيجة عكسية تماماً وأصبحت الأديرة مباءات للفجور والفسق وتضرب بها
الأمثلة في ذلك ، وقد وصل الحال بنصارى الشرق - وربما كانوا أكثر حياء
وأشد تمسكاً إلى حد أن المستهترين من الخلفاء والشعراء المجان كانوا
يرتدون الأديرة كما يرتاد رواد الدعارة اليوم بيوت العهر وألفوا في ذلك
كتباً منها " الديارات " المعروف لدى دار الأدب العربي (25) .




هذا بالنسبة للمترهبنين ، أما الفرد المسيحى فقد ضعفت ثقته بالدين
وتزعزعت في نفسه القيم والأخلاق الدينية كيف لا ، وهو يرى خصيان الملكوت
ومثال الطهر يغرقون في الفجور وينالون من المتع الجسدية ما لا يمكنه بلوغه
، أما الغيورون منهم فقد اتخذوا ذلك ذريعة للانشقاق عن الكنيسة وتكوين فرق
دينية جديدة لها أديرة خاصة تبدأ أول الأمر نظيفة ، لكنها لا تلبث أن تعود
فتسقط فيما سقط فيه أسلافها . كل ذلك كان في الفترة التي لا تزال قبضة
الكنيسة فيها قوية ونفوذها صلباً لكن المرحلة التى شهدت ضعف سلطانها فيما
بعد شهدت رد فعل طاغياً ضد أغلال الكنيسة وقيودها مما جعل بذور الفلسفات
الاباحية والحركات غير الاخلاقية تنمو نمواً مطرداً ، وصحح الرأى القائل
بأن " المسيحية نفاق منظم كما اتهمتها أجيال عديدة من النقاد العقليين
المرة تلو الأخرى " وأنها " لم تكن عند أكثر الناس غير ستار رقيق يخفي
نظرة وثنية خالصة إلى الحياة " (26)


هذا وقد ظلت رواسب الرهبانية متغلغلة في أعماق النفسية الأوربية حتى بعد
أن فقد الدين مكانته في النفوس - لاسيما ما يتعلق بالمرأة والجنس وكان
لذلك أثره في النظريات الهدامة الحديثة خاصة "الفرويدية " كما سيأتي في
مبحث علمانية الاجتماع والأخلاق
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
http://www.boundk.tk
Bound2
*ابــــــــالبناديقــــــــــــــو*
*ابــــــــالبناديقــــــــــــــو*
Bound2


عدد الرسائل : 1286
العمر : 32
تاريخ التسجيل : 25/03/2007

مبادئ الملاحده الفكريه والرد عليها OoO متجدد OoO Empty
مُساهمةموضوع: رد: مبادئ الملاحده الفكريه والرد عليها OoO متجدد OoO   مبادئ الملاحده الفكريه والرد عليها OoO متجدد OoO Icon_minitimeالإثنين يونيو 04, 2007 8:35 pm

">">"> ثالثاً <"<"<"






=>=>=>.. .. الأســـــــــــــرار المقدســــــــــــــــــــــــة .. .. <=<=<=



OoOoOoOoO




فطر
الله النفس الإنسانية على الإيمان بالغيب(27) ، وهو ما لا يستطيع الإدراك
الذاتي أن يكتشفه ، ومن هنا نشأ فيها الشوق إلى المجهول والشوق لمعرفته ،
حتى أن كثيراً من الموضوعات والحقائق تكتسب الجاذبية والإعجاب ما دامت
مجهولة فإذا انتقلت إلى حيز الوجود فقدت ذلك ، ولا تستطيع النفس البشرية
بمفردها أن تتلمس الخط الفاصل بين الغيب والشهادة بين المعلوم والمجهول .
بل لابد من الالتجاء إلى الوحي الإلهي لمعرفته وذلك هو الطريق السليم
الوحيد لكن البشر يضلون فيلتمسون ذلك من طرق أخرى ويحاولن إشباع الرغبة
الفطرية في الإيمان بالغيب والتطلع إليه منقطعين عن الوحي ، فيدفعهم
الشيطان في التعلق بعملائه من الكهنة والسحرة والمشعوذين ، وحينئذ يقعون
في الشرك الذي جاء الأنبياء جميعاً لمحاربته بكل ضروبه .
وقد وقعت
البشرية في هذه الغلطة منذ القدم وامتلأت الوثنيات القديمة بالأسرار
والأساليب الخفية والرموز الغامضة ، وغلط اتباع الأنبياء غلطة أشنع
لاقتباسهم لأشياء من هذه الأسرار والرموز وإدخالها في دينهم وذلك ما حصل
بعينه في المسيحية المحرفة .

وللمسيحية أسرار كثيرة متعددة الأصول بعضها إغريقي وبعضها بوذي وبعضها
منقول عن المثرائية ديانة بولس الأولى ، من هذه الأسرار ما يتعلق بأمور
العقيدة كسر الثالوث - وهو أكبر أسرار المسيحية وأخطرها - ومنها ما يتعلق
بشؤون العبادة والطقوس كسر التعميد ، وسر العشاء الرباني ، وسر الاعتراف ،
وسر الزيت المقدس ، وسر الصلاة الأخيرة للمحتضر وأمثالها .

ونستطيع أن نقول : أن الكنيسة تعمد إلى تبرير كل طقوس من طقوسها يأباه
العقل وتنفر منه النفوس بأنه ( سر إلهي ) فكلمة ( سر ) كانت ثوباً فضفاضاً
يستر كل نقائضها ومخا زيها ، وسلاحاً فورياً يقاوم كل اعتراض عليها.

وقد سبق الكلام عن سر التثليث أما أسرار الطقوس فلنكتف منها بمناقشة سر واحد هو ( سر العشاء الرباني ) ليكون نموذجاً لبقيتها .


[color=Red]

العشاء الرباني :


العشاء الرباني هو أهم عمل في الطقوس المسيحية ويسمى أيضاً ( القربان المقدس ) وقد ورد أصل مشروعيته في إنجيل متى كما يلي :


(( وفيما هم يأكلون أخذ يسوع الخبز وبارك وكسر وأعطى التلاميذ وقال : خذوا
كلوا ، هذا هو جسدي ، وأخذ الكأس وشكر وأعطاهم قائلاً : اشربوا منها كلكم
،لأن هذا هو دمى الذي للعهد الجديد الذي يسفك من أجل كثيرين لمغفرة
الخطايا )) (28)




أما إنجيل يوحنا فلا يتعرض لعشاء بعينه لكنه يذكر في الإصحاح السادس أن
اليهود طلبوا من المسيح آية لهم كالخبز الذي أنزله الله على أجدادهم فقال
لهم المسيح :


(( أنا هو خبز الحياة ، من يقبل إلى فلا يجوع ، ومن يؤمن بي فلا يعطش
أبداً )) . ولما رأى دهشة اليهود من ذلك أكده بقوله : (( الحق الحق أقول
لكم إن لم تأكلوا جسد ابن الإنسان وتشربوا دمه فليس لكم حياة فيكم ، من
يأكل جسدي ويشرب دمى فله حياة أبدية وأنا أقيمه في اليوم الأخير لأن جسدي
مأكل حق ودمى مشرب حق من يشرب يأكل جسدي ويشرب دمى يثبت في وأنا فيه ))
(29)


ويرى غوستاف لوبون - كغيره من النقاد العقليين - أن شعائر النصرانية ومنها
العشاء المقدس بدعة منقولة عن الوثنية الميثرائية (30) ويؤيد هذا الرأي أن
بولس (( شاؤول اليهودي )) كان مثرائياً أو على الأقل متأثراً بالميثرائية
التي كان من شعائرها التضحية بالعجل المقدس(31) ، ولذلك نرى أن بولس يكثر
في رسائله في الحديث عن جسد المسيح وحلوله وأتباعه ، ويورد في الإصحاح
إلحادي عشر من رسالته الأولى إلى أهل كورنثيوس (32) ما يشبه كلام متى
السابق مع زيادة أن ذلك في الليلة التي اسلم فيها المسيح . على أن علم
الاجتماع يرجع فكرة العشاء الرباني إلى أصل قديم هو النظام الذي يعرف في
اصطلاحهم باسم الطموطمية (وهو نظام معقد وغامض يحوى فيما يحوى قيام علاقة
قرابة وصلة بين القبيلة .والطموطم الذي يكون حيوانياً أو نباتياً يحرم
بموجبها صيده وتناوله إلا في مناسبات شعائر معينة لكي يكتسب الآكلون صفات
مرغوبة يتوهمونها في الطموطم ويعتقدون أنه يجرى دمه في عروقهم بتناوله في
هذه المناسبات (33) .


وعلى أية حال ، فقد كان المسيحيون الأوائل يقومن وليمة تذكارية في عيد
الفصح قوامها الخمر والخبز اللذان يرمزان إلى جسد ودم المسيح ، وذلك إحياء
لذكرى موته كما أوصى حسب رواية بولس (( اصنعوا هذا لذكري ))


وقد كان كافياً أن تقف البدعة عند هذا الحد لولا أن الكنيسة جرياً على
عادتها في التحريف وسوء الفهم والخلط بين الحقيقة والمجاز أضافت إلى ذلك
العقيدة المعروفة بعقيدة التحول أو الاستحالة ، وهى وجوب الاعتقاد بأن
متناولى العشاء يأكلون جسد المسيح بعينه على الحقيقة ويشربون دمه نفسه على
الحقيقة أيضاً . أما كيف يتحول الخبز والخمر إلى جسد ودم المسيح فإن ذلك
سر لا يجوز لأحد أن يسأل عنه أو يشك فيه وإلا عوقب بالحرمان والطرد من
الملكوت .


وظاهر أن عقيدة الاستحالة مما لا يتردد العقل في إنكاره ونبذه ، إذ لا
يستطيع عقل سليم أن يتصور استحالة خبز وخمر إلى لحم ودم في حين أن الآكلين
يتذوقون طعم الخبز والخمر العادي ، ثم أن جسد المسيح واحد وموائد العشاء
تعد بالآلاف سنوياً وفي أماكن متفرقة ، فكيف يتفرق دمه وجسده عليها جميعاً
؟



وإذا كانت الكنيسة تزعم أن الغاية من ذلك هو أن يدخل المسيح أجساد
الآكلين فيتمتعوا الألوهية فهل تتحقق هذه الغاية بمجرد الاعتقاد بها ، وما
جدوى هذه الوسيلة بل هذه الغاية أصلاً ؟



إن الكنيسة استغلت بلاهة وسذاجة أتباعها ففرضت عليهم مثل هذه العقائد
الغريبة المجوجة لكن الفطرة البشرية لابد أن تستيقظ مهما طالت غفلتها ،
وذلك ما تم بالفعل فقد أدى إسراف الكنيسة في الاستخفاف بعقول البشر
ومعاندة الفطر الإنسانية إلى تلك الثورة العارمة ضد الكنيسة التي ابتدأت
منذ اتصال أوروبة بنور الإسلام وانتهت بانهيار الكنيسة وفقدانها معظم
نفوذها وهيمنتها في القرن الماضي .



وقد كانت مسألة الاستحالة من الثغرات التي فتحت على الكنيسة ولم
تستطع لها سداً بما سببت من إنشقاقات دينية ونقد مرير من المؤرخين
والمفكرين، وكان من أوائل المنكرين لها (( ويكلف )) (34)


المصلح الكنسي ؛ ثم تبنت ذلك حركة البروتستانت التي تزعمها ( مارتن لوثر )
وظهر بعد ذلك النقاد العقليون فسخروا من هذا الطقس أعظم سخرية وكان من
روادهم الفيلسوف الفرنسي ( فولتير ) (35)




ويقول أحد الباحثين المعاصرين عن العشاء الرباني : أنه (مثال رائع لما
يراه بعض المؤرخين إفساداً للحقائق أو على الأقل إضافة جاءت في وقت متأخر
) (36)












">">"> رابعاً <"<"<"



OoOعبــــــــادة الصــــــــــور والتماثيـــــــــل OoO
[color:afed=Red:afed]



شمل اقتباس النصرانية من الديانات و الوثنيات المجاورة كل أمور
العقيدة والشريعة والشعائر كما شمل الذوق والإحساس والمظاهر العامة . فلم
يكن شيء من عقائدها وطقوسها إلا وعليه بصمات وثنية واضحة يتجلى ذلك في
التماثيل والصور التي لا يخلو منها دير أو كنيسة رغم أن شريعة التوراة
تحرم التصوير ونحت التماثيل وتعده من أعمال الوثنيين ( سفر التثنية ) .




ونشأت عبادة الصور والتماثيل كأية بدعة أخرى - محدودة النطاق ، ثم نمت
تدريجياً وانتشرت في أرجاء واسعة لكنها لم تدخل في صلب الديانة المسيحية
بصفة رسمية إلا في مجمع نيقية الثاني كما سيأتي :




يقول : (( ول ديورانت )) :


(( كانت الكنيسة أول أمرها تكره الصور والتماثيل وتعدها بقايا من الوثنية
وتنظر بعين المقت إلى فن النحت الوثني الذي يهدف إلى تمثيل الآلهة ولكن
انتصار المسيحية في عهد قسطنطين وما كان للبيئة والتقاليد والتماثيل
اليونانية من أثر كل هذا قد خفف من حدة مقاومة هذه الأفكار الوثنية . ولما
أن تضاعف عدد القديسين المعبودين نشأت الحاجة إلى معرفتهم وتذكرهم وظهرت
لهم ولمريم العذراء كثير من الصور ، ولم يعظم الناس الصور التي يزعمونها
أنها تمثل المسيح فحسب بل عظموا معها خشبة الصليب حتى لقد أصبح الصليب في
نظر ذوى العقول الساذجة طلسماً ذا قوة سحرية عجيبة .



(( وأطلق الشعب العنان لفطرته فحول الآثار والصور والتماثيل المقدسة
إلى معبودات يسجد لها الناس ويقبلونها ويوقدون الشموع ويحرقون البخور
أمامها ويتوجونها بالأزهار ويطلبون المعجزات بتأثيرها الخفي .



(( وفي البلاد التي تتبع مذهب الكنيسة اليونانية بنوع خاص كنت ترى
الصور المقدسة في كل مكان في الكنائس والأديرة والمنازل والحوانيت وحتى
أثاث المنازل والحلي والملابس نفسها لم تخل منها ، وأخذت المدن التى تتهدد
أخطار الوباء أو المجاعة أو الحرب تعتمد على قوة ما لديها من الآثار
الدينية ، أو على ما فيها من الأولياء والقديسين .. للنجاة من الكوارث
(36) .




تلك هي الصورة مجملة في العصور المسيحية الأولى ، ولكن المد الإسلامي
العظيم في القرن الثامن الذي شمل معظم المعمورة أحدث بتعاليمه التوحيدية
الخالصة أثراً قوياً في البيئات الوثنية المجاورة لا سيما دولة الروم
النصرانية ، وبفضل هذا التأثير أحس الغربيون بسخافة معتقداتهم وضحالة
تفكيرهم مبهورين بما لدى المسلمين من عقيدة ناصعة وحضارة شامخة .



لذلك فقد قامت في الغرب في فترات متقطعة من تاريخه حركات معادية لهذه
البدعة من اشهرها محاولة الإمبراطور ( ليو الثالث ) الذي أصدر مرسوما يطلب
فيه طمس الصور وإزالة التماثيل وأراد بذلك أن يزيل عن أمته ودينها الوصمة
الشنيعة التي تظهره بمظهر النقص أمام أعدائه المسلمين ، لكن الكنيسة رفضت
ذلك وضجت الأديرة والكنائس وثار الشعب واتفق الكل على خلعه والمناداة
بإمبراطور أخر .



غير أن الحركة لم تمت ، بل ظل أوراها يستعير ، فاجتمع مجلس من أساقفة
الغرب دعا إليه البابا (جريجورى الثاني ) وصب اللعنة على محطمي الصور
والتماثيل (38) .




وفي عهد أحفاده عاد الصراع من جديد وظلت المسألة تتأرجح بين الحرمة والحل
حتى دعت الإمبراطورة ( أيريني ) التي كانت معاصرة لهارون الرشيد رجال
الدين في العالم المسيحي إلى عقد مجمع عام لبحث المسألة واتخاذ قرار حاسم
حيالها فاجتمع مجمع نيقية الثاني سنة 787 وحضر 350 أسقفاً واتخذ القرار
الآتي:


(( إنا نحكم بأن توضع الصور في الكنائس والبنية المقدسة والملابس
الكهنوتية فقط بل في البيوت وعلى الجدران في الطرقات لأننا إن أطلنا
مشاهدة ربنا يسوع المسيح ووالدته القديسة والرسل وسائر القديسين في صورهم
شعرنا بالميل الشديد إلى التفكير فيهم والتكريم لهم فيجب أن تؤدى التحية
والإكرام لهذه الصور ، لا العبادة التي لا تليق إلا بالطبيعة الإلهية (39)
.




وبذلك انتصرت وثنية الكنيسة على أفكار معارضيها ردحاً من الزمان ، وحسبت أن العبادة تعنى الركوع والسجود ولا شيء غير ذلك .




وبعد ذلك بقرابة ثلاثة قرون ، اتصل الغرب الوثني بالشرق المسلم اتصالاً
أقوى عن طريق الحروب الصليبية ، فكان ذلك عاملاً فعالاً في بعث الحركة
المناهضة لعبادة الصور والتماثيل ونادى كثير من المصلحين الكنيسيين بذلك
وبظهور الحركة الإصلاحية تزعم البوستنانت الحرب على الصور والتماثيل
وحرمتها كنائسهم ، إلا أن الغالبية الكاثوليكية لا تزال تقدسها وتلعن
محطميها .



وربما دهش المرء إذا علم أن تقديس الصور عادة غربية شائعة في عصرنا
الحاضر ليس في الأوساط الدينية فحسب ، بل في الأوساط العامة وبعض المثقفين
(40) .




وبلغ بصورة المسيح وأمه حد الابتذال والامتهان ، وكانت الطامة الكبرى في
الأفلام السينمائية حيث وصل السخف والاستهتار بإحدى الشركات السويدية (
وربما كانت يهودية ) سنة 1397هـ إلى إنتاج فيلم عن ( حياة المسيح الجنسية
) والغريب أن الدول الغربية اتخذت موقفاً سلبياً تجاه هذه الفعلة الشريرة
، بينما بعثت بعض المنظمات الإسلامية نداءات لإيقاف الفيلم .





ولم يقتصر الأمر على المسيح وأمه ، بل أن الكنيسة تجرأت على البارئ
جل شأنه وصورته كما تصور المخلوقين تعالى الله عن ذلك علواً كبيرً يقول
الأستاذ ناصر الدين دينيه :


(( الدين الإسلامي هو الدين الوحيد الذي لم يتخذ فيه الإله شكلاً بشريا أو
ما إلى ذلك من الأشكال أما في المسيحية فإن لفظ الله تحوطها تلك الصورة
الآدمية لرجل شيخ طاعن في السن قد بانت عليه جميع دلائل الكبر والشيخوخة
والانحلال فمن تجاعيد الوجه غائرة إلى لحية بيضاء مرسلة مهملة تثير في
النفس ذكرى الموت والفناء ، ونسمع القوم يصيحون ( ليحي الله ) فلا نرى
للغرابة محلاً ولا نعجب لصيحاتهم وهم ينظرون إلى رمز الأبدية الدائمة وقد
تمثل أمامهم شيخاً هرماً قد بلغ أرذل العمر فكيف لا يخشون عليه من الهلاك
والفناء وكيف لا يطلبون له الحياة ؟ كذلك ( يا هو ) الذي يمثل به طهارة
التوحيد اليهودي فهم يجعلونه في مثل تلك المظاهر المتهالكة تراه في متحف
الفاتيكان ونسخ الإنجيل القديمة المصورة )) (41)


هذا وليس تصوير الآلة انحرافا في نظر الكنيسة فإن أحد علمائها يقرر (( أنه
لا يمكننا أن نفهم الله إلا عن طريق تصوره بالصور البشرية )) (42)




ولنا بعد ذلك أن نتصور ما تحدثه هذه الوثنية الساذجة في نفس الإنسان
الغربي المتثقف ومدى ما تنفره من الدين وتجعله فريسة الأفكار الإلحادية
المتخفية بلباس ( العلم والمعرفة )


بقى أن نعلم انه لم تكن عبادة الصور والتماثيل هي الاقتباسية الوثنية
الوحيدة بل كانت الأمم الأوربية المتوحشة تدخل في النصرانية إسمياً مع
بقاء عقائدها وتقاليدها بحالها وتتغاضى الكنيسة عن ذلك مقابل الخضوع لها
ودفع الضرائب المستحقة فلم تكن تهدف إلى هداية الناس بل إلى بسط سلطانها
ونفوذها لا سيما وأنها ليست مهتدية في ذاتها .




ومن أوضح الأمثلة على ذلك دخول الجزر البريطانية في المسيحية ، فقد كان
البريطانيون شديدي التمسك بوثنيتهم . ودار بينهم وبين الكنيسة صراع طويل ،
ولما رأى البابا (جريجورى ) ذلك ( اصطنع اللين مع من بقى في إنجلترا من
الوثنيين وأجاز تحويل الهياكل إلى كنائس بأن تحول عادة التضحية بالثيران
في يسر ولطف إلى ذبحها لأنعشهم لمديح الله ، وبهذا كان كل ما طرأ على
الإنجليز من تغير ، هو تحولهم من أكل لحم البقر ح
















ين
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
http://www.boundk.tk
Bound2
*ابــــــــالبناديقــــــــــــــو*
*ابــــــــالبناديقــــــــــــــو*
Bound2


عدد الرسائل : 1286
العمر : 32
تاريخ التسجيل : 25/03/2007

مبادئ الملاحده الفكريه والرد عليها OoO متجدد OoO Empty
مُساهمةموضوع: رد: مبادئ الملاحده الفكريه والرد عليها OoO متجدد OoO   مبادئ الملاحده الفكريه والرد عليها OoO متجدد OoO Icon_minitimeالإثنين يونيو 04, 2007 8:36 pm

[color=Red]
[color=DarkRed]">">"> [color=Blue]خامساً <"<"<"







>>>>> المعجـــــــــزات والخرافـــــــــــــــــــــــات [color:846a=DarkGreen:846a]<<<<<












تفتقر المسيحية المحرفة في كثير من تعاليمها إلى الإقناع العقلي والبرهان

المنطقي لأثباتها نظراً لتنافيها مع الفطرة وبدائة التفكير لذلك اضطرت

الكنيسة إلى تعويض نقص بضاعتها من الأدلة بادعاء الخوارق والمعجزات قاصدة

التمويه على العقول الضعيفة واستغفال النفوس الساذجة ، وكانت خوارق

الكنيسة وشعوذتها تتراوح بين الرؤى المنامية ذات التهويل البالغ وبين

التهكن المتكلف بالمغيبات وحوادث المستقبل ، وبين تحمل الأساليب واستجداء

شتى الوسائل لشفاء الأمراض المستعصية يتبع ذلك أمور أخرى كتعليق التمائم

والرقى والتمتمات المجولة واستعمال إشارة الصليب وتعليق صور القديسين ،

ومحاربة الشياطين وطرد الأرواح الشريرة وصد الكوارث والأوبئة واستنزال

النصر في الحروب وغير ذلك .



وكان من السهل على العقلية الأوربية الهمجية أن تتقبل هذه السخافات وتصدق

الكنيسة في كل شيء بفضل الإرث الوثني الذي ظل متغلغلاً في أعماقها .



وفي القرون الأولى للمسيحية كان معظم المعجزات يدور حول شخصية المسيح وأمه

ومنها للرسل والتلاميذ ، لكن الكنيسة لم تقتصر على المعجزات الربانية

الحقة بل نسج خيالها خوارق أخرى هي أخلاط وأوهام يغلب عليها عنصر التهويل

وتتسم بطابع الأساطير الوثنية القديمة التي تخيلها شعراء اليونان وغيرهم .







ولنأخذ على ذلك مثلاً (( مولد عيسى )) عليه السلام كما صوره يوحنا في الإصحاح الثاني عشر من الرؤيا :





(( ظهرت آية عظيمة في السماء امرأة متسربلة بالشمس والقمر تحت رجليها

وعلى رأسها أكليل من أثنى عشر كوكباً وهى حبلى وتصرخ متمخضة ومتوجعة لتلده

وظهرت آية أخرى في السماء هوذا تنين عظيم أحمر له سبع رؤوس وعشرة قرون

وعلى رؤوسه سبعة تيجان وذنبه يجر ثلث نجوم السماء فطرحها على الأرض

والتنين وقف أمام المرأة العتيدة أن تلد . حتى يبتلع ولدها حتى ولدت .

فولدت ابنا ذكراً أن يرعى جميع الأمم بعصا من حديد واختطف ولدها إلى الله

وإلى عرشه والمرأة هربت إلى البرية حيث لها موضع معد من الله لكي يعولها

هناك ألفا ومائتين وستين يوماً وحدثت حرب في السماء ميخائيل وملائكته

حاربوا التنين وحارب التنين وملائكته )) .







أما بطرس فتروى له رسالة (( أعمال الرسل )) هذه المعجزة :



(( صعد بطرس على السطح ليصلى نحو الساعة السادسة فجاع كثيراً واشتهى أن

يأكل وبينما هم يهيئون له وقعت عليه غيبة فرأى السماء مفتوحة واناء نازلاً

عليه مثل ملاءة عظيمة مربوطة بأربعة أطراف ومدلاة على الأرض وكان فيها كل

دواب الأرض والوحوش والزحافات وطيور السماء )) (44)







أما في العصور اللاحقة فقد أتسع نطاق المعجزات حتى أصبحت مكانة رجل الدين

- وقداسته مرهونة بما يظهر عل يديه من الخوارق وما يتعاطى من الشعوذات

وكان باستطاعته أن يترقى في منصبه بالقيام بأي عمل تجهل العقول الساذجة

علته الحقيقية مدعياً أن ذلك هبة من الروح القدس له ، وإذا كان التاريخ

يذكر فزع الإمبراطور ( شارلمان ) وحاشيته من الساعة التي أهداها إليه

الرشيد ظانين أن بها قوى خفية من الجن والشياطين فما بالك بعامة شعب

الفلاحين والرعاة .



ونظراً لكثرة الشواهد التاريخية على ذلك فسنتجاوز القرون الوسطى إلى العصر

الحديث نلمح الكثير من الخرافات الكنسية لا تزال تمارس نشاطها على اتباع

الكنيسة في العامل الغربي ذاته ، يقول فريزر :



(( معظم الفلاحين في فرنسا لا يزالون يعتقدون أن القسيس يملك على العناصر

قوة خفية لا تقاوم وأنه حين يتلو البعض الصلوات المعينة بالذات التي لا

يعرفها سواه والتي لا يحق لغيره أن يرتلها فأنه يستطيع في حالة الخطر

الداهم أن يبطل لفترة معينة فعل القوانين الأبدية للعامل الفيزيقي أو حتى

يقلبها تماما )) (45)







وفي مناطق أخرى يعتقد الناس (( أن القسيس يملك القدرة على تشتيت العواصف

وإن لم يكن لكل القساوسة مثل هذه الملكة ولذا فانه حين يتغير راعى الكنيسة

في بعض تلك القرى يبدى أتباع الأبرشية كثيراً من التلهف لمعرفة ما إذا كان

الراعى الجديد يتمتع بهذه السلطة كما يسمونها ، وعلى ذلك فبمجرد أن تظهر

أدنى بادرة بهبوب إحدى العواصف الشديدة فإنهم يخضعونه للاختبار فيطلبون

إليه القيام ببعض الشعائر والترتيل ضد الغيوم المتكاثفة فإذا جاءت النتائج

محققة لآمالهم ضمن الراعي الجديد لنفسه عطف أتباع الكنيسة واحترامهم))

(46) وإلا فالعكس بالعكس .







وهناك قداس خاص يستعمله القساوسة في الأعمال الانتقامية يتحدث عنه فريزر بقوله :



(( لا يقام هذا القداس إلا في كنيسة متهدمة أو مهجورة حيث تنعق البوم

وتمرح الخفافيش وقت الغسق وتأوي إليها جماعات الغجر في الليل ، وحيث تقبع

الضفادع البرية تحت مذبحها المدنس فهناك يأتي ذلك القسيس الشرير بالليل

ومعه عشيقته الفاجرة الخليعة وحين ترسل الساعة أولى دقاتها معلنة الحادية

عشر يبدأ يهمهم في تلاوة القداس ابتداء من آخره إلى أوله بحيث يفرغ منه

يحين تبدأ دقات الساعة تعلن منتصف الليل وتقوم عشيقته بمساعدته في ذلك أما

القربان الذي يباركه فلابد أن يكون أسود اللون كما انه لا يتناول النبيذ

ولكنه يشرب بدلا منه بعض الماء من بئر سبق أن ألقيت فيها جثة طفل مات قبل

تعميده ثم يرسم علامة الصليب ولكن على الأرض وبقدمه اليسرى ويقوم بأداء

كثير من الأعمال الأخرى التي لا يستطيع أي مسيحي أن يراها دون أن يصيبه

العمى والصمم والبكم بقية حياته )) (47)







وفي سنة 1893م حدثت في جزيرة صقلية حادثة تصور الموضوع أبلغ تصوير فقد

كانت الجزيرة تمر بمحنة رهيبة بسبب الجفاف وكان الجدب قد استمر ستة أشهر

متصلة تناقصت كميات الطعام بسرعة وأنتاب الناس ذعر شديد فجربوا كل الطرق

المعترف بها للحصول على المطر ، خرجت جموعهم من منازلهم وأحاطوا بالصور

والتماثيل المقدسة يتوسلون إليها بترتيل الصلوات وإضاءة الشموع في الكنائس

طيلة الليل والنهار وعلقوا على الأشجار سعف النخيل الذي سبق لهم أن باركوه

في " أحد السعف" (48) ونثروا في الحقول ( الكناسة المقدسة ) وهى التراب

الذي كنسوه من الكنائس في ذلك اليوم فلم يجد ذلك شيئاً وحملوا الصلبان على

أكتافهم وساروا حفاة الأقدام عراة الرؤوس وجلد بعضهم بعضاً بالسياط ولكن

دون جدوى .





وأخيراً لجاءوا إلى القديسين وتجمعوا حول القديس فرانسيس الذي

اعتادوا حسب اعتقادهم أن ينالوا المطر ببركته فأقاموا له الصلوات

والترانيم والزينات لكن جهودهم كلها ذهبت هباء فنبذوا معظم القديسين حتى

أنهم ألقوا بالقديس يوسف في إحدى الحدائق ليجرب بنفسه الحال التي وصل

إليها الناس واقسموا أن يتركوه هناك في الشمس حتى يأتيهم المطر ، وأداروا

وجوه بعض القديسين إلى الحائط كما يفعل المدرس بالتلاميذ الأشقياء ،

وجردوا بعضهم من ملابسهم الفاخرة وقذفوهم بأقذع السباب والشتائم أما

القديس ميخائيل رئيس الملائكة - حسب عقيدتهم - فقد نزعوا أجنحته الذهبية

ومزقوها ووضعوا مكانها أجنحة ورقية في بعض المناطق قيد الناس قس بلدته

وتركوه عارياً وأخذوا يهتفون إليه بغضب ( المطر أو حبل المشنقة ) (49) .







ومن الخرافات التي لا تزال عالقة بأذهان النصارى إلى اليوم خرافة (تجلى

العذراء) التي يثيرونها حيناً بعد أخر (50) كما أن هناك عادت غربية شائعة

اليوم أصلها خرافات كنسية فمثلاً التشاؤم من الرقم (13) أصله أن يهوذا

الذي دل على المسيح هو التلميذ الثالث عشر للمسيح فكان ذلك مصدر شؤم

للكنيسة وأتباعها حتى أنه عند ترقيم المنازل في المدن الغربية يرفض بعضهم

وضع هذا الرقم على منزله ويضع مكانه 12ب .







وهذا غير الخرافات الكنسية عن الموت والحياة التي سنعرض لها عند موضوع (

علمانية العلم ) وحينئذ سيتضح أثر هذه الخرافات بجملتها في إثارة الصراع

الذي دار طويلاً بين الدين والعلم ( أو العقل والوحي) .







***











[color=darkred].*.*. >>
سادساً << .*.*.











OoO صكــــــــــــوك الغفـــــــــــــران [color:846a=darkgreen:846a]OoO






توجت الكنيسة تصرفاتها الشاذة وبدعها الضالة بمهزلة لم يعرف تاريخ

الأديان مثيلاً ، وحماقة يترفع عن ارتكابها من لديه مسكة من عقل أو ذرة من

إيمان ، تلك هي توزيع الجنة وعرضها للبيع في مزاد علني وكتابة وثائق

للمشترين تتعهد الكنيسة بأن تضمن للمشترى غفران ما تقدم من ذنبه وما تأخر

وبراءته من كل جرم وخطيئة سابقة ولاحقة ونجاته من عذاب المطهر ، فإذا ما

تسلم المشترى صك غفرانه ودسه في محفظته فقد أبيح له كل محظور وحل له كل

حرام : ماذا عليه لو زنا وسرق وقتل بل لو جدف وألحد وكفر ما دم الصك رهن

يده ؟ أليس المسيح هو الذي منحه إياه والمسيح هو الذي يدين ويحاسب ؟ أتراه

متناقضاً إلى هذا الحد: يمنح الناس المغفرة ثم يحاسبهم على الذنوب ؟



وإذ قد اطمأن المشترى إلى هذه النتيجة فقد بقى لديه ما ينغص الفرحة ويكدر الغبطة ذلك أن والديه وأقرباءه قد ماتوا وليس معهم صكوك .



لكن الكنيسة الأم ( الرؤوم لكل المسيحيين ) شملت الكل برحمتها وأتمت

الفرحة لذبونها فأباحت له أن يشترى لمن أحب ( صك غفران ) وما عليه بعد دفع

الثمن إلا كتابة أسم المغفور له في الخانة المخصصة فيغادر المطهر فوراً

ويستقر في ظلال النعيم مع المسيح والقديسين .



أما الشقي النكد عديم الحظ فهو ذلك القن الذي لم يستطع أن يحصل من سيده

الإقطاعي ( المغفور له ) على ما يشترى به صكاً من قداسة البابا أو المريض

المقعد الذي لا يجد عملاً يخول له الحصول على المغفرة ، أو الفقير المعدم

الذي يعجز عن استدانة دينارين يشترى بها جنات النعيم ، هؤلاء يظلوا

محرومين من هذه الموهبة مهما بلغت تقواهم وعظم حبهم للمسيح وتعلقهم

بالعذراء .







تلك هي المهزلة أو جانب منها فمن أين جاءت بها الكنيسة إذا كانت الأناجيل والرسائل خالية مما يدعمها أو يدل عليها ؟



إن الأساس الذي يبدو أن هذه البدعة انبثقت عنه هو الفكرة الوثنية التي

ادعاها رجال الدين ( فكرة القداسة ) وعن تقديس رجال الدين نشأت فكرة

الاستشفاع بهم لدى الله لمغفرة الخطايا وظل الجهلة والسذج يتوسلون إلى

القساوسة راجين الشفاعة والتقرب إلى الله زلفى ، فنتج عن ذلك أن تقرر

المبدأ الذي أشرنا إليه سلفاً ( مبدأ التوسط بين الله والخلق ) حتى أصبح

حقاً عادياً لأي رجل دين ، بل أصبحت وظيفة رجل الدين إنما كان هي التوسط

بين الله وخلقه . فعن طريقة تؤدى الصلاة ويتناول العشاء الرباني وهو الذي

يقوم بالتعميد وبمراسم وطقوس الزواج والموت ويتقبل الاعترافات من المذنبين

.





وفي الوقت الذي كان رجل الدين فيه يتقبل الاعتراف لم يكن ليدعي حق

المغفرة من نفسه لكن المسيح - بزعمه - يغفر لمن أقر بذنبه بين يدي أحد

أتباع كنيسته التي أورثها سلطانه وفرض لها السيادة على العالمين .







وكان الفرد المسيحي يستطيع ضمان الملكوت مع المسيح باعتراف واحد في العمر

هو اعترف ساعة احتضاره ، إذ يتم دهن جسده بالزيت المقدس ، فيتطهر من كل

الأرجاس والذنوب وكان من العقوبات الصارمة التي تتخذها الكنيسة ضد

مخالفيها من الشعوب أو الأفراد حرمانهم من الاعتراف الأخير والصلاة عليهم

فلا يشك مسيحي أنهم ذهبوا إلى الجحيم بسبب ذلك .







واستمر الحال على ذلك فترات طويلة حتى كان مطلع القرن الثالث عش الميلادي

حيث كانت الكنيسة تجتاز مرحلة حاسمة في تاريخها وكانت بحاجة إلى مزيد من

السلطة الدينية والنفوذ المالي لمواجهة أعدائها فقررت عقد مجمع عام لبحث

الوسائل الكفيلة بتحقيق ذلك فعقد المجمع الثاني عشر المعروف باسم مجمع

لاتيران سنة 1215م ونجح هذا المجمع في إقرار مسألتين كان لهما أثر بالغ

على المسيحية في القرون التالية هما :







مسألة الاستحالة وقد مرت قريباً ( العشاء الرباني ) .







مسألة امتلاك الكنيسة حق الغفران للمذنبين وذلك بإصدار القرار التالي :



(( إن يسوع المسيح لما كان قد قلد الكنيسة سلطان منح الغفرانات وقد

استعملت الكنيسة هذا السلطان الذي نالته من العلا منذ الأيام الأولى قد

أعلم المجمع المقدس وامر بأن تحفظ للكنيسة في الكنيسة هذه العملية

الخلاصية للشعب المسيحي والمثبتة بسلطان المجامع ، ثم ضرب بسيف الحرمان من

يزعمون أن الغفرانات غير مفيدة أو ينكرون على الكنيسة سلطان منحها غير أنه

قد رغب في أن يستعمل هذا السلطان باعتدال واحتراز حسب العادة المحفوظة

قديماً والمثبتة في الكنيسة لئلا يمس التهذيب الكنسي تراخ بإفراط التساهل

(51) ))







هذا وقد فرض المجمع على كل المسيحيين أن يتعرفوا أمام قسيس الأبرشية مرة

كل عام لكي يستطيعوا الحصول على الغفران (52) وتنفيذاً لذلك أخذ الناس

يتوافدون على الأبرشيات طلباً للمغفرة ويقدمون للقساوسة الهدايا والصدقات

فارتفع مركز الكنيسة معنويا ومادياً .



وبعد فترة من الزمن أخذ هذا التوافد في الفتور وتقاعس كثيرون عن الاعتراف

، وفي الوقت نفسه ازداد إلحاح الكنيسة على تثبيت مركزها وتعبئة خزائنها

فقررت اتخاذ وسيلة ناجحة لضمان استمرار ذلك فهداها تفكيرها إلى كتابة

الغفرانات في صكوك تباع على الملأ وتنص على غفران أبدى بحيث تكون حافزاً

قوياً على دفع المبلغ المالي الذي تقرره الكنيسة أو القيام بالخدمات التي

ترغب تنفيذها وهذا نص الصك :



( ربنا يسوع يرحمك يا …( يكتب اسم الذي سيغفر له ) ويشملك باستحقاقات

آلامه الكلية القدسية وأنا بالسلطان الرسولي المعطى لي أستحلك من جميع

القصاصات والأحكام والطائلات الكنسية التي استوجبتها ، وأيضاً من جميع

الافراط والخطايا والذنوب التي ارتكبتها مهما كانت عظيمة وفظيعة ومن كل

علة وإن كانت محفوظة لأبينا الأقدس الباب والكرسي الرسولى وامحوا جميع

أقذار الذنب وكل علامات الملامة التي ربما جلبتها على نفسك في هذه الفرصة

، وأرفع القصاصات التي كنت تلتزم بمكابدتها في المطهر وأدرك حديثاً إلى

الشركة في أسرار الكنيسة وأقرنك في شركة القديسين ، أردك ثانية إلى

الطهارة والبر اللذين كانا لك عند معموديتك حتى أنه في ساعة الموت يغلق

أمامك الباب الذي يدخل منه الخطاة إلى محل العذاب والعقاب ، ويفتح الباب

الذي يؤدى إلى فردوس الفرح ، وإن لم تمت سنين مستطيلة فهذه النعمة تبقى

غير متغيرة حتى تأتى ساعتك الأخيرة ، باسم الأب والابن والروح القدس ) (53)







بقى أن نلفت النظر إلى حقيقة الوضع الذي كانت عليه الكنيسة والظروف التي

ألجأتها لمثل هذه التصرفات ، ففي هذه المرحلة من تاريخ الكنيسة كانت تواجه

ألد وأخطر أعدائها (( المسلمين )) وكانت الحروب الصليبية قد استعر إوراها

وبدأت تلوح علامات الهزيمة للصليبيين ، وبلغ ضعف الحماس الديني في نفوس

الأوربيين مبلغاً كبيراً وفقد المقاتلون ثقتهم في الكنيسة نتيجة لخيبة

أملهم في النصر الذي وعدتهم وعداً قاطعاً ، ولم يروا للمسيح والملائكة

والقديسيين أثر في معاركهم بل على العكس تخيلوا أنهم يقفون ضدهم تماماً ،

وبذلك أهتز موقف الكنيسة وأيقنت أن وعودها المعسولة بالنصر ، وقراراتها

الشفوية بالمغفرة للمشتركين في الحرب لم تعد تؤدى مفعولاً مؤثراً فقررت

تجسيد هذه الأماني في وثيقة خطية محسوسة يحملها المقاتل ويندفع للاشتراك

في الحملة الصليبية وهو على ثقة وعزم ، وتنفيذاً لذلك برز إلى الوجود

مهزلة جديدة هي (( صكوك الغفران )) وكانت كما يقول ول ديورانت توزع على

المشتركين في الحروب الصليبية ضد المسلمين (54).







وعليه فلم يكن ليحظى بالحصول على صك الغفران إلا أحد أثنين :







رجل ذو مال يشترى الصك من الكنيسة حسب التسعيرة التي تحددها هي .







رجل يحمل سيفه ويبذل دمه في سبيل نصرة الكنيسة والدفاع عنها وحراسة مبادئها .











وغير هذين رجل ثالث يعتصر قلبه أسى لأنه لا يملك ثمن الصك أو لا يستطيع أن

يشترك في الحرب إما لعجزه وإما لكونه غير مستعد للموت من أجل الكنيسة لكنه

يظل أسير صراع نفسي مرير وشعور بالحرمان قاتل .







وهكذا فالكل مضحون ، والكل خاسرون ، والكنيسة هي الرابح وإن كانت عند الله شر مقاماً وأخسر صفقة .







****





























[color=darkred]>>>O<
نتــــــــــــــائج هذه البدعـــــــــــــــــة [color:846a=DarkRed:846a]<<<
[color:846a=Red:846a]









إن بدعة كهذه لن تمر في التاريخ مرور الكرام ، بل هي جديرة

بأن تحدث أصداء واسعة الانتشار وتثير ردود فعل بعيدة الآثار ، لاسيما وقد

ظهرت في الفترة التي اتصلت فيها أوروبا بنور الإسلام وأخذت العقول النائمة

تتلمس مكانها في الحياة وبدأت الفطر تستيقظ بعد طول رقاد .



كانت هذه البدعة أول أمرها من أسباب قوة الكنيسة ودعائم شموخها لكنها ارتدت عليها بعد ذلك شرا" مستطيرا" ووباء" قاتلا" .



فمن ناحية المكانة الدينية ارتفعت منزلة رجال الدين في نظر السذج والجهلة

بعد أن منحهم المسيح هذه الموهبة العظيمة وخيل إليهم أنه ما دام أعطاهم حق

المغفرة للناس فبديهي أنه غفر لهم ، بل قدسهم ووهبهم من روحه كما يدعون ،

وبذلك تجب طاعتهم والتزلف إليهم وتملقهم على من أراد التقرب إلى المسيح

والحصول على رضاه .



وإذ قد آمن الناس - ملوكاً وصعاليك - بحق الغفران ، فقد سهل عليهم أن

يؤمنوا بمقابلة "حق الحرمان" ولم يزدادوا طمعاً في ذاك إلا وازدادوا رهبة

لهذا.



الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
http://www.boundk.tk
Bound2
*ابــــــــالبناديقــــــــــــــو*
*ابــــــــالبناديقــــــــــــــو*
Bound2


عدد الرسائل : 1286
العمر : 32
تاريخ التسجيل : 25/03/2007

مبادئ الملاحده الفكريه والرد عليها OoO متجدد OoO Empty
مُساهمةموضوع: رد: مبادئ الملاحده الفكريه والرد عليها OoO متجدد OoO   مبادئ الملاحده الفكريه والرد عليها OoO متجدد OoO Icon_minitimeالإثنين يونيو 04, 2007 8:37 pm





ومن الوجهة المادية أثرت الكنيسة من عملية بيع الصكوك ثراء فاحشاً حتى

أصبحت بحق أغنى طبقات المجتمع الأوروبي آنذاك بما تكدس في خزائنها من

أموال وتدفق عليها من عطايا وهبات .







ومن الوجهة السياسية قويت الكنيسة وتدعمت سلطتها بالجحافل البربرية التي

تطوعت للقتال في سبيلها من أجل الحصول على الغفران ، وبالمقابل انخفضت

سلطة الملوك الذين كانوا جنودا" للكنيسة بأنفسهم في الحروب الصليبية ، إلا

من تردد منهم أو حاول التملص من قبضتها فعوقب بالحرمان كما حدث لفريدريك

الثاني(55)



كل هذه الثمار جنتها الكنيسة من جراء هذه المهزلة البدعة وكان نتائجها

الطغيان الأعمى والغطرسة الباغية ، ولم لا تطغى وتستبد وقد عبدها الناس من

دون الله وقدسوا تعاليمها دون تعاليم المسيح ، ولم تغتر وتتجبر وهى تملك

المجتمع من ناصيته وتتحكم في الضمائر وتسيطر على الأرواح كما تشاء ، وترفع

من أحبت إلى أعلى عليين وتقذف من أبغضت في دركات الجحيم ، وتنصب هذا

قديساً وذاك شيطاناً مريداً ؟







تلك هي الصورة الإيجابية التي خلفتها هذه المهزلة للكنيسة ، وعليها اقتصرت

نظرة آبائها فدفعهم الغرور إلى المضي قدماً وازدادوا نهماً غير عابئين

بالنتائج ولا حافلين بالعواقب .







لكن سنة الله لا تحابى أحداً ولا تجامله ، فكل شيء جاوز حده انقلب إلى ضده

والزبد يذهب جفاء ، وهكذا كانت صكوك الغفران مسماراً في نعش الكنيسة

وبداية لنهايتها وكانت خسارتها بها عظيمة عظم جنايتها





فمن الوجهة الاقتصادية نرى الإقبال الهائل على شراء الصكوك أعقبه

انكماش وفتور كالذي يصيب أي بدعة أو ظاهرة جديدة بعد فترة من ظهورها فنضب

الكثير من موارد الكنيسة في حين ازدادت طمعا" وشراهة واضطرت إلى عرض

الصكوك بطريقة مبتذلة ، فكان الآباء والقساوسة يتجولون في الإقطاعيات

ويبيعونها بأسعار مخفضة ثم زهيدة ، وكلما ازداد العرض قل الطلب وتولد لدى

الناس شعور داخلي بأن شراءها إضاعة للمال فيما لا فائدة فيه ، أو على

الأقل فيما ليس مضمون العاقبة .



وفي الوقت نفسه داهمت المسرح المالي فئة جديدة من الناس أخذت تظهر بوضوح

منافسة للطبقتين البارزتين آنذاك "النبلاء" و "رجال الدين" تلك هي الطبقة

البورجوازية وحصلت تحولات أخرى كانت بمثابة المؤشر لنهاية النظام الإقطاعي

بجملته .





ومن ناحية المكانة الدينية لرجال الدين فقد بدأت تلك الهالة القدسية

المحيطة بهم تتبخر شيئاً فشيئاً بعد زمان من ظهور هذه المهزلة وابتداء

الناس يعتقدون أنهم كانوا مخطئين في ذلك الاندفاع الأعمى والتسليم الأبله

وعمق ذلك الاعتقاد تنافس القساوسة على بيع الصكوك مقروناً بسيرتهم السيئة

وفجورهم الفاضح ، وعجب الناس إذ رأوا كثيراً من الأشرار والطغاة يتبوءون

مقاعدهم في الملكوت ببركة الصكوك التي منحها لهم رجال الدين فكان ذلك

إيذاناً بالشك في قداسة رجال الدين أنفسهم ومدى صلاحهم واستحقاقهم للملكوت

في ذواتهم .



ومن ناحية المركز السياسي والنفوذ الدنيوي : كان لصكوك الغفران وما أحاط

بها من ظروف وملابسات أثره البالغ في العلاقة بين الكنيسة من جهة والملوك

والأمراء والنبلاء من جهة أخرى ، فقد رأوا أن قبضة الكنيسة تزداد

استحكاماً مع الأيام وأنهم وشعوبهم ليسوا إلا أدوات أو صنائع رجال الدين

يمنون عليهم بالعفو إن رضوا ويعاقبونهم بالحرمان إن سخطوا ، كما أن الثراء

الذي حصلت عليه الكنيسة جعلها تبدو منافساً قوياً لأصحاب الإقطاعيات وكبار

الملاك فكان يسيطر على الجميع شعور موحد بالعداوة لها والحقد عليها .







لذلك لم تكد بوادر الاستنكار ضد تصرفاتها لا سيما صكوك الغفران تبرز

للعيان حتى انتهزها الملوك والأمراء فرصة سانحة لحماية الحركات المعارضة

وتأجيج سعيرها ولولا أن بعض المصلحين الكنسيين ولوثر خاصة - وجدوا الحماية

والعطف من الأمراء والنبلاء لما نجوا من قبضة الكنيسة ونتائج قرارات

حرمانها .



ومن ناحية أخرى رأى الأوربيون ، حكاماً ومحكومين ، الحياة الكريمة التي

يعيشها الشرق الإسلامي حيث لا كهنوت ولا طغيان ولا احتكار ، فهزت هذه

الرؤية أنفسهم وبهرت عيونهم لدرجة أن صكوك الغفران ووعود الكنيسة بالملكوت

أصبحت بالنسبة لهم هراء لا طائل تحته يبعث على الاشمئزاز والاستخفاف .



تلك صورة مجملة لبعض النتائج التي ترتبت على بدعة صكوك الغفران وملابساتها

بالنسبة للكنيسة خاصة ، أما للوضع الاجتماعي الديني بصفة عامة ، فقد كانت

صكوك الغفران سبباً مباشراً في انبعاث الشرارة الأولى التي اندلعت نيرانها

فيما بعد فالتهمت الأوضاع الاجتماعية وأودت بالتعاليم الكنسية والتقاليد

الدينية كافة ، ولا يشك منصف في أن للإسلام تأثيراً مباشراً على الثورة

العارمة ضد الكنيسة وإن كان دعاتها ومؤيدوها يكنون له أشد العداوة والحقد

، على أن ما يهمنا الآن هو أن مهزلة صكوك الغفران قد ساعدت بصفة مباشرة

على هدم التعاليم الدينية من أساسها والاستهتار بكل المعتقدات والأصول

الإيمانية بجملتها وأسهمت في انتشار فكرة إنكار الآخرة "والجنة والنار"

التي لا يقوم دين بغيرها .



ولا زالت إلى الآن شاهداً قوياً ومستنداً قاطعاً لكل أعداء الدين في الغرب

، حيث نشأ عن الكفر برجل الدين وتصرفاته كفر بالدين ذاته وما يتصل به من

سلوك وخلق .



وكان الخيار الصعب الذي وضعه أعداء الدين - لا سيما اليهود - أمام الإنسان

الأوروبي هو إما أن يؤمن بصكوك الغفران فيحكم على نفسه تلقائياً بالجمود

والغباء والرجعية المتناهية ، وإما أن يكفر بها فيلزمه بالإطار الذي

يحويها بكامله إطار الدين والغيبيات ، لا سيما الآخرة .



لذلك نجد الفيلسوف اليهودي الوجودي "جان بول سارتر" يجسد هذا الخيار في

إحدى رواياته المشهورة "الشيطان والرحمن" (56)هذا مع أن الكنيسة في عصرنا

الحاضر لا تصدر صكوك غفران بل تستحي من ذكرها وتخجل كلما دار الحديث عنها .[/colo
r]
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
http://www.boundk.tk
Bound2
*ابــــــــالبناديقــــــــــــــو*
*ابــــــــالبناديقــــــــــــــو*
Bound2


عدد الرسائل : 1286
العمر : 32
تاريخ التسجيل : 25/03/2007

مبادئ الملاحده الفكريه والرد عليها OoO متجدد OoO Empty
مُساهمةموضوع: رد: مبادئ الملاحده الفكريه والرد عليها OoO متجدد OoO   مبادئ الملاحده الفكريه والرد عليها OoO متجدد OoO Icon_minitimeالإثنين يونيو 04, 2007 8:38 pm

>> البــــــــ الثاني ــــــــاب <<





.*.*.*. أسبــــــــــــــــــــــاب العلمانيــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــة .*.*.*.





>> .*.*. <<





== << .. الفصل الأول .. >> ==




.

*.*. الطغيـــــــــــــان الكنســـــــــــــي .*.*.





== << .. الفصل الثاني .. >> ==





.*.*. الصراع بين الكنيســــــــــــــــــة والعلم .*.*.





== << .. الفصل الثالث .. >> ==





.*.*. الثـــــــــــــــــورة الفرنسيـــــــــــــــــــــة .*.*.





== << .. الفصل الرابع .. >> ==








.*.*. نظريـــــــــــــــة التطـــــــــــــــــــــــــــــــــــــور .*.*.













































== << .. الفصل الأول .. >> ==





== // == الطغيـــــــــــان الكنســـــــــــي == //==





>><<




أسباب طغيان رجال الكنيسة :





[color=Red]الطغيان في ذاته مرض خطير يدمر النفس الإنسانية ويمسخ سماتها ويحيل الكائن البشري إلى روح شيطانية ماردة .


ومن خصائص هذا المرض أن أعراضه لا تصيب إلا ذا نفس هزيلة أتيح لها وسائل
تفوق طاقتها ومساحة أكبر من حجمها ، ولم يكن لديها وازع خلقي أو رادع
إيماني يكبح جماحها ويضبط سلوكها .




ولا يكون الطغيان - كذلك - إلا مظهراً للشعور بالنقص لدى النفس الطاغية ،
إذ تحاول بواسطته ستر نقيصة داخلية مؤرقة أو تسويغ مسلك معوج يعجز عن
تبريره المنطق السليم والإقناع الهادئ .




فالطغيان يبدأ وسيلة خاطئة وينتهي مرضاً مدمراً لا شفاء له إلا الموت القاصم .




وحين يصدر الطغيان من حاكم وثني أو زعيم دنيوي فإنه يكون معقولاً إلى حد
ما ، وإن كانت فظاعته لا يسوغها عقل ولا ضمير ، أما حين يصدر الطغيان عن
رجال يراهم الناس "قديسين" ورسل سلام وطلاب أخرة ، فذلك مما يشق على النفس
احتماله ويبعد عن الذهن قبوله إذا كانوا رجال دين يجعل المحبة شعاره
والتسامح ميزته ويقول لأتباعه :


"من يلطمك على خدك الأيمن فأدر له الآخر أيضاً ، ومن أراد أن يخاصمك ويأخذ
ثوبك فاترك له الرداء أيضاً ، ومن سخرك ميلاً واحداً فاذهب معه اثنين" (1)





إن هذه المفارقة العجيبة لتستدعي مزيداً من الفحص والتأمل للبحث عن
الأسباب الكامنة وراء ذلك الطغيان الأعمى ، وذلك يستلزم أن ننظر إلى طبيعة
وضع رجال الدين ، وطبيعة ظروف دينهم وطبيعة البيئة التي مكنتهم من فرض
أنفسهم عليها .




أما طبيعة رجال الدين فقد كانوا سابقين لعصرهم في ناحية مهمة هي الناحية
التنظيمية ، إذ كانوا مؤسسة تنظيمية مركبة تركيباً عضوياً دقيقاً من
القاعدة العريضة الممتدة في كافة الأصقاع والأقاليم إلى قمة الهرم
المتمركزة في روما ، وهذه الميزة أكسبتهم نفوذاً مستمراً لا يقبل المنافسة
وجذوراً عميقة يصعب اقتلاعها ، ولذلك نلاحظ كثيراً من الأباطرة المتمردين
على الكنيسة يفشلون دائماً في مواجهتها ويرتدون صاغرين إلى الانضواء تحت
ظلها . كما أن العالم الغربي المسيحي لم يستطع التخلص من قبضة الكنيسة إلا
بعد الثورة الداخلية التي قادها المصلحون الكنسيون ، والتي أدت إلى إضعاف
الهيكل التنظيمي والسلطة المركزية وتشتيت ولاء الأفراد .




وكان من الممكن أن يتمتع رجال الدين بثمرات هذا التنظيم الفائق ويسخروها
لخدمة المصلحة الدينية دون أن يكون ذلك داعياً للطغيان والاستبداد ، ولكن
الشرط الأساسي لذلك هو النية الحسنة والخلاص المجرد وهو شرط فقدته الكنيسة
منذ أن فقدت الإيمان الصحيح والعقيدة الصادقة .


والنفس البشرية أينما كانت لا تخلو من حب الطغيان إذ تهيأت لها أسبابه .
وليس كخشية الله تعالى واستشعار رقابته وضعف الإنسان إزاء قدرته حاجز لها
عنه . ولما كانت الكنيسة مفلسة من ذلك فقد آل الأمر إلى أن تبدأ هيئاتها
التنظيمية شركة دنيوية تطمح إلى النفوذ الاجتماعي والمغانم الزائلة ثم
تمكنت بوسائل شتى من أن تصبح قوة استبدادية غاشمة .




وليس ثمة شك في أن مركزها الديني هو الذي هيأ لها النجاح المطرد ، وهذا يقودنا إلى البحث في طبيعة دينها وظروفه التي أتاحت لها ذلك .




سبق أن أشرنا إلى الاضطهاد البالغ الذي تعرض له أتباع السيد المسيح - عليه
السلام - من بعده ، ذلك الاضطهاد الذي أدى إلى تحول الدعوة المسيحية إلى
دعوة سرية ، فاختفي الكثير من دعاتها ، وتستروا في أقاليم مختلفة وأخفوا
معهم نسخ الأناجيل ، بل دونوا الأناجيل آنذاك وكتبوها بلغاتهم الخاصة
وظلوا يتناقلون نسخها سراً ، إذ كانت تتعرض للحرق والمصادرة من قبل الروم
وكان الداخل الجديد في دينهم يأخذ عنهم التعاليم مشافهة بعد ترجمتها إلى
لغته الدارجة ، ثم يبثها في بني قومه سراً ، أيضاً فإذا أشكل عليهم أمر
رجعوا إلى الداعية الذي يملك نسخة لأحد الأناجيل فيبين لهم رأي الانجيل أو
رأيه الخاص في ذلك الأمر . ولم يكن الدعاة يسمحون للأتباع بتمليك النسخ أو
يطلعونهم عليها خشية على أنفسهم وعلى الكتب أيضاً ، بالإضافة إلى كون
عقلية الأتباع وظروف البيئة لم تكن تؤهلهم للأخذ المباشر أو الاستنباط
والاجتهاد الذاتي ، ويزداد الأمر صعوبة إذا كانوا يجهلون اللغة التي كتب
بها الإنجيل .


كل ذلك أدى إلى انحصار المصادر الدينية المسيحية في أيدي فئة قليلة من
الناس واقتصار حق شرحها عليهم وحدهم ، فلما انقضت عصور الاضطهاد الديني
واعتنقت الدولة الرومانية الدين الكنسي احتفظ رجال الكنيسة بحق قراءة وشرح
الكتب المقدسة وأيدتهم الدولة في ذلك لتجمع رعاياها على عقيدة واحدة
بإتاحة الفرصة للكنيسة للقضاء على الفرق المنشقة ، وكما قلنا في سبب وجود
رجال الدين ورث رجال الكنيسة عن أحبار اليهود صفاتهم الممقوتة من التعصب
الأعمى واتباع الهوى واحتكار الرأي ، فظلت مصادر الدين الكنسي حكرا" عليهم
لا تقع عليها يد لباحث أو ناقد من غير رجال الدين ، وكان باستطاعة الكنيسة
أن تفرض كل شئ باسم الإنجيل وهى آمنة من أن أحداً لن يقوم حيالها بأدنى
معارضة .




وهكذا ظلت مصادر الدين النصراني المحرف قابعة في خبايا الكنائس وزوايا
الأديرة تؤخذ تعاليمها مشافهة من أولئك الذين يزعمون القداسة والعصمة ، ما
دامت مصادر الديانة غير مكشوفة فكيف يعرف الناس مقدار صدق رجال الدين فيما
يقولون عن الله وكيف يمكنهم مناقشة الكنيسة فيما تمليه من عقائد وتشريع ؟
لم يكن أمامهم إلا التسليم المطلق والطاعة العمياء .




وإذ قد اطمأنت الكنيسة إلى أن أحداً لن ينبس ببنت شفة يمس قداستها وصواب
آرائها ، فقد اشتطت وغلت في فرض سلطانها وتعميق هيبتها ووجدت الباب
مفتوحاً إلى طغيان لا يلين ولا يرحم .




يبقى أن نعرض لطبيعة البيئة التي شهدت هذا الطغيان ومدى تأثيرها في بقائه
واستحكامه ، فنرى أنه كانت الغالبية العظمى من الروم وسكان مستعمراتهم من
الأميين السذج الذين ألفوا العبودية والخضوع المستمر للقوى المسيطرة
وكانوا من الضحالة الفكرية على درجة ليست قليلة . وكان سكان أوربا قبائل
همجية تعيش أسوأ مراحل التاريخ الأوروبي كله ، لا سيما العصور الأولى من
القرون الوسطى ، التي تسمى "العصور المظلمة" ، واعتنق هؤلاء الديانة
الرسمية للإمبراطورية وأحلوا عبادة المسيح محل عبادة الإمبراطور ، لكنهم
لم يتعرضوا ليقظة إيمان حقيقي ، كتلك التي هز بها الإسلام نفوس معتنقيه
ورفع مستواهم الروحي والعقلي إلى أفاق عظيمة ، بل ظلوا على تلك الحال من
الهمجية والانحطاط حتى مطلع العصر الحديث … لذا كان من الطبيعي للجماهير
الغفيرة أن تنساق وراء عقولها السطحية وعواطفها الساذجة فتصدق كل ما تسمع
وتؤمن بكل ما يقال ، وكان رجل الدين هو كل شئ بالنسبة لها فلم يكن هنالك
أي أثر لعالم أو مؤرخ أو باحث ، بل كان الظلام المطبق يسيطر على الحياة من
كافة نواحيها ورجل الدين هو الوحيد الذي يملك بصيصا" ضئيلا" يتمثل في
معرفته للقراءة والكتابة وكونه الموجه الروحي للمجتمع ... وبيئة هذه حالها
، وأمة هذه صفاتها ، جديرة بأن توفر للطاغية حماية كافية ومناخا" صالحا"
لفرض طغيانه في المجال الذي يريده ، وإشباع رغبته التسلطية كما يشاء .




هذه الأوضاع والعوامل مجتمعة وهي السلطة الكهنوتية المنظمة والمصادر غير
المكشوفة والبيئة البدائية جعلت من الكنيسة ماردا" جبارا" وطاغوتا" جائرا"
يملك كل مقومات البقاء ولوازم الاستبداد ويريد أن يسيطر على كل شي وفق
إرادته وهواه . ولم تدع الكنيسة جانبا" من جوانب الحياة دون أن تمسكه بيد
من حديد وتغله بقيودها العاتية فهيمنت على المجتمع كمن كل نواحيه الدينية
والسياسية والاقتصادية والعلمية وفرضت على عقول الناس وأموالهم وتصرفاتهم
وصاية لا نظير لها البتة ، وإن التاريخ ليفيض في الحديث عن طغيان الكنيسة
ويقدم نماذج حية له في كل شأن من الشئون . ولنستعرض شيئا" من ذلك في نواح
مختلفة من الحياة :
















OoO أولاً : الطغيــــــــــــــان الدينــــــــــــــــي OoO



منذ أن ظهر إلى الوجود ما يسمى المسيحية الرسمية في مجمع نيقية 325م ،
والكنيسة تمارس الطغيان الديني والإرهاب في أبشع صورة ، ففرضت بطغيانها
هذا عقيدة التثليت قهراً وحرمت ولعنت مخالفيها ، بل سفكت دماء من ظفرت به
من الموحدين وأذاقتهم صنوف التعذيب وألوان النكال ونصبت نفسها عن طريق
المجامع المقدسة " إلهاً " يحل ويحرم ، ينسخ ويضيف ، وليس لأحد حق
الاعتراض ، أو على الأقل حق إبداء الرأي ، كائناً من كان وإلا فالحرمان
مصيره واللعنة عقوبته لأنه كافر "مهرطق" .




كان الختان واجباً فأصبح حراماً ، وكانت الميتة محرمة فأصبحت مباحة ،
وكانت التماثيل شركاً ووثنية فأصبحت تعبيراً عن التقوى ، وكان زواج رجال
الدين حلالاً فأصبح محظوراً ، وكان أخذ الأموال من الأتباع منكراً فأصبحت
الضرائب الكنسية فرضاً لازماً ، وأمور كثيرة نقلتها المجامع من الحل إلى
الحرمة أو العكس دون أن يكون لديها من الله سلطاناً أو ترى في ذلك حرجاً ،
وأضافت الكنيسة إلى لغز "الثالوث" المعمى عقائد وآراء أخرى تحكم البديهة
باستحالتها ولكن لا مناص من الإيمان بها والإقرار بشرعيتها على الصورة
التي توافق هوى الكنيسة كقضية الاستحالة في العشاء الرباني وعقيدة الخطيئة
الموروثة وعقيدة الصلب والعذراء والطقوس السبعة ، كل هذه فرضتها على
الأتباع بحجة واحدة هي أنها أسرار عليا لا يجوز الخوض فيها أو الشك في
صحتها ، وكان العامل المساعد على إنجاح محاولاتها الذي يتمثل فيه صورة
الطغيان الديني جلية واضحة ما ذكرناه من احتكارها للمصادر الدينية ذلك
الذي جعلها حاجباً ، لا يستطيع أحد دخول الملكوت إلا بواسطته ولا يمكنه
الاتصال بالله إلا من طريقه وهي حق لا مرية فيه ما دامت الكنيسة هي التي
أقررته إذ هي معصومة عن الخطأ منزهة عن الزلل . يتحدث "ويلز" عن رجال
الكنيسة قائلاً :



"ولم تعد لهم رغبة في رؤية مملكة الرب موطدة في قلوب الناس فقد نسوا
ذلك الأمر وأصبحوا يرغبون في رؤية قوة الكنيسة التي هي قوتهم هم متسلطة
على شؤون البشر وكانوا في سبيل توطيد تلك القوة على أتم استعداد للمساومة
مع أي شئ حتى البغض والخوف والشهوات المستقرة في قلوب البشر ، ونظراً لأن
كثيراً منهم كانوا على الأرجح يرون الريبة في سلامة بنيان مبادئهم الضخم
وصحته المطلقة لم يسمحوا بأية مناقشات فيه ، كانوا لا يحتملون أسئلة ولا
يتسامحون في مخالفة لا لأنهم على ثقة من عقيدتهم بل لأنهم كانوا غير
واثقين فيها ، وقد تجلى في الكنيسة في القرن الثالث عشر ما يساورها من قلق
حول الشكوك الشديدة التي تنخر بناء مدعياتها بأكمله وقد تجعله أثراً بعد
عين ، فلم تكن تستشعر أي اطمئنان وكانت تتصيد الهراطقة في كل مكان كما
تبحث العجائز الخائفات عن اللصوص تحت الأسرة وفي الدواليب قبل الرجوع إلى
فراشهن" (2).




وعززت الكنيسة سلطتها الدينية الطاغية بادعاء حقوق لا يملكها إلا الله ،
مثل حق الغفران وحق الحرمان وحق التّحلة ، ولم تتردد في استعمال هذه
الحقوق واستغلالها ، فحق الغفران أدى إلى المهزلة التاريخية ، "صكوك
الغفران" السالفة الذكر ، وحق الحرمان عقوبة معنوية بالغة كانت شبحا"
مخيفا" للأفراد والشعوب في آن واحد ، فأما الذين تعرضوا له من الأفراد فلا
حصر لهم ، منهم الملوك أمثال "فريدريك" وهنري الرابع الألماني وهنري
الثاني الإنجليزي ، ورجال الدين المخالفين من آريوس حتى لوثر ، والعلماء
والباحثون المخالفون لآراء الكنيسة من "برونو" إلى "أرنست رينان" وإضرابه .




وأما الحرمان الجماعي فقد تعرض له البريطانيون عندما حصل خلاف بين الملك
يوحنا ملك الإنجليز وبين البابا ، فحرمه البابا وحرم أمته فعطلت الكنائس
من الصلاة ومنعت عقود الزواج ، وحملت الجثث إلى القبور بلا صلاة وعاش
الناس حالة من الهيجان والاضطراب حتى عاد يوحنا صاغراً يقر بخطيئته ويطلب
الغفران من البابا ولما رأى البابا ذله وصدق توبته رفع الحرم عنه وعن
الأمة (3) .




أما حق التّحلة فهو حق خاص يبيح للكنيسة أن تخرج عن تعاليم الدين وتتخلى عن الالتزام بها متى اقتضت المصلحة - مصلحتها هي - ذلك (4) .


على أن الكنيسة لم تقتصر على هذا بل طبقت عملياً ما يثبت إصرارها على
الطغيان وحشدت الجيوش الجرارة لمحاربة من سولت له نفسه مخالفة آرائها أو
اعتنق ما يخالف عقيدتها ولا نعني بذلك المسلمين أو اليهود بل الطوائف
النصرانية التي اختلفت مع الكنيسة في قضية من قضايا العقيدة أو الشريعة .


ومن أوضح الشواهد على ذلك في العصور الوسطى ما تعرض له "الكاثاريون"
و"الوالدونيون" الذين لم يتخلوا عن الدين بل كانوا يطالبون بحياة مسيحية
حقيقية تستمد مقوماتها من الكتاب المقدس نفسه وأنكروا على الكنيسة ثراءها
ودنيويتها ومع ذلك فقد أعلنت الكنيسة الحرب عليهم ، وحرض البابا "أنوسنت"
كما يقول ويلز :


"على حرب صليبية ضد جهاته الشيع وأذن لكل نذل زنيم أو متشرد أثيم أن ينضم
إلى الجيش وأن يعمل السيف والنار واغتصاب الحرائر ويرتكب كل ما يمكن أن
يتصوره العقل من أنواع انتهاك الحرمات" ويعلق المؤرخ الإنجليزي على ذلك
بقوله :


"القصص التي تروى عن هذه الحروب الصليبية تحكي لنا أضرب القساوسة والنكال
البشع ما يتضاءل إزاء بشاعته قصة استشهاد المسيحيين على أيدي الوثنيين .
وهي فوق هذا تسبب لنا رعبا" مضاعفا" لما هو عليه من صحة لا سبيل إلى الشك
فيها ، كان هذا التعصب الأسود القاسي روحاً خبيثاً … يتعارض تماماً مع روح
يسوع الناصري . فما سمعنا أنه لطم الوجوه أو خلع المعاصم لتلاميذه
المخالفين له ، ولكن البابوات كانوا طوال قرون سلطانهم في حنق مقيم ضد من
تحدثه نفسه بأهون تأمل في كفاية الكنيسة الذهنية"(5).




ولم يقف الأمر عند هذا الحد لا سيما بعد أن اتضح للكنيسة الأثر الإسلامي
الظاهر في الآراء المخالفة لها فأنشأت ذلك الغول البشع والشبح المرعب الذي
أطلق عليه اسم "محاكم التفتيش" . ولا يفوتنا أن نقول أن الضحية الأولى
لمحاكم التفتيش كانت المسلمين الأندلسيين الذين أُبيدوا إبادة تامة بأقسى
وأشنع ما يتخيله الإنسان من الهمجية والوحشية ، ثم ظلت تمارس أعمالها على
مخالفي الكنيسة وإن لم يكونوا مسلمين أو متأثرين بالحضارة الإسلامية ..
وانتقلت من أسبانيا إلى بقية أقاليم الكنيسة ، وكانت المحكمة الأم لها هي
"المحكمة المقدسة" في روما ، و يكاد المؤرخون الغربيون يتعرضون للحديث
عنها إلا ويصيبهم الاضطراب وتتفجر كلماتهم رعبا" فما بالك بالضحايا الذين
أزهقت أرواحهم والسجناء الذين أذاقتهم ألوان المر والنكال .




"كان الإنسان في تلك العصور يكبس منزله وهو هادئ وادع فيحمل في جوف الليل
ويعتقل الأشهر بل السنين وهو لا يدري ناهية التهمة التي سيتهم بها ، لأن
خصما" له من الجيران خصما" له من الجيران قد أبلغ المحكمة بأنه سمعه يقول
كيت وكيت عن الرؤيا أو عن الثالوث أو عن المعجزات ، ثم إذا أصر المتهم على
إنكار ما نُسب إليه من التهمة جاز للمحكمة تعذيبه بأن تقطعه أشلاء بعد شلو
أمام عينيه وأن تقرض لحمه بالمقراض ، وأخيراً تحرقه" (6).




وكانت المحكمة عبارة عن سجون مظلمة تحت الأرض بها غرف خاصة للتعذيب وآلات
لتكسير العظام وسحق الجسم البشري وكان الزبانية يبدءون بسحق عظام الأرجل
ثم عظام الصدر والرأس واليدين تدريجيا" حتى يهشم الجسم كله ويخرج من
الجانب الآخر كتلة كتلة من العظام المسحوقة والدماء الممزوجة باللحم
المفروم ، وكان لدى المحكمة آلات تعذيبية أخرى منها آلة على شكل تابوت
تثبت فيه سكاكين حادة ، يلقون الضحية في التابوت ثم يطبقونه عليه فيتمزق
جسمه إربا" إربا" ، وآلات كالكلاليب تغرز في لسان المعذب ثم تشد فتقصه
قطعة قطعة ، وتغرز في أثداء النساء حتى تتقطع كذلك .




وصور أخرى تتقزز منها النفوس وتشمئز لذكرها(7) .



وبفضل هذا الإرهاب البالغ والطغيان العاتي ، عاش الناس تلك الأحقاب
ترتعد قلوبهم وترتجف أوصالهم عند ذكر الكنيسة ، ووقف كبار الفلاسفة
والنقاد مبهوتين مطرقين ، لا يجرؤ أحدهم على التصريح بأنه لا يؤمن
بالمسيحية مهما كانت آراؤه مخالفة لتعاليمها ، ولم يداخل العلماء الأفذاذ
آنذاك مثل "نيوتن وبيكون وديكارت وكانت" أن يعترضوا على عقائد الكنيسة
الفجة ، لا سيما التثليت والخطيئة والاستحالة ، أو على الأقل يجاهروا
بمخالفتها ، بل يخيل إلى الباحث أنهم كانوا يعيشون فترة من فقدان الوعي
تجاه هذه العقائد رغم نبوغهم في مجالات أخرى ، وإن كان للموضوع جانب أخر
سنتناوله فيما بعد ، إن شاء الله .















[color:15fe=Red:15fe]يقول برنتن :

"لم يكن بوسع الكثيرين من
أفراد المجتمع الغربي أن يعترفوا صراحة وجماعة بالإلحاد أو اللارادية أو
بمذهب الاتصال بالله أو بأية عقيدة أخرى غير المسيحية إلا خلال القرون
القلائل الأخيرة ، وقد كان الكفار الذين يجاهرون بكفرهم قلة نادرة في
الألف سنة التي استغرقتها القرون الوسطى . ولما كان الناس جميعا" مسيحيين
فلم يكن هناك مفر من أن تكون المسيحية هي كل شئ لكل الناس ، فلقد كان
القديس فرانسيس وأرازمس ولويولا وميكافيلي وباسكال ووزلي ونابليون
وغلادستون وجون روكفلر جميعا" مسيحيين"(Cool
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
http://www.boundk.tk
Bound2
*ابــــــــالبناديقــــــــــــــو*
*ابــــــــالبناديقــــــــــــــو*
Bound2


عدد الرسائل : 1286
العمر : 32
تاريخ التسجيل : 25/03/2007

مبادئ الملاحده الفكريه والرد عليها OoO متجدد OoO Empty
مُساهمةموضوع: رد: مبادئ الملاحده الفكريه والرد عليها OoO متجدد OoO   مبادئ الملاحده الفكريه والرد عليها OoO متجدد OoO Icon_minitimeالإثنين يونيو 04, 2007 8:38 pm

ثانياً : الطغيــــــــــــــــــــان السياســــــــــــــــــي OoO




طبيعي جداً أن يكون لرجال الدين سلطة سياسية في الأمة التي تدين بدينهم ،
بل الافتراض الذي لا يصح سواه هو أن تكون أزمة الأمور كلها - والسياسة
خاصة - في يد فئة مؤمنة متدينة تطبق شريعة الله وتقيمها في واقع الحياة .
لكن الذي لا يصح على الإطلاق هو أن يتحول رجال الدين إلى طواغيت ومحترفين
سياسيين ، مع نبذ شريعة الله وإسقاطها من الحساب ليحل محلها شهوة عارمة
للتسلط ورغبة شرهة في الاستبداد . ومفاد ذلك أنه لا حرج على الكنيسة في
تقويم انحرافات الملوك وممارسة الضغوط عليهم إذا سولت لهم أنفسهم خرق
التعاليم الدينية وتجاوز الأوامر الإلهية لتردهم إلى حظيرة الدين وتعبدهم
لله وحده ، فهذا عين مهمتها في الحياة ولا ينبغي لها بحال أن تتخلى عنها ،
أما أن تسهم الكنيسة في طمس الدين وتعطيل الشريعة ثم تفرض نفسها وصية على
الملوك والأمراء وترغمهم على الخضوع المذل لها وتجعل معيار صلاحهم منوطا"
بمقدار ما يقدمونه لها من مراسم الطاعة وواجبات الخدمة ، لا بمقدار ما
يحفظون حدود الله ويستقيمون على منهجه فذلك هو الأمر الشائن والعيب الفاضح
، ومع هذا فهو الذي حصل بالفعل للكنيسة المسيحية طيلة عصور ازدهارها .





لقد ظلت النفسية الأوروبية تعاني تمزقاً رهيباً ما تزال آثاره إلى اليوم
بسبب الصراع المزمن الذي دار بين الكنيسة وبين الملوك والمنافسة الشديدة
بين الطرفين للقبض على مقاليد المجتمع وكسب ولاء الأفراد .





ولم تكن الحرب بين أتباع البابوات وأنصار الأباطرة أو "الجولف والجبليين"
- كما يعرفهم التاريخ الأوروبي - إلا حربا" بين حزبين متناحرين لا يكاد
أحدهما يتميز عن الآخر إلا في الشعارات التي يخفي تحتها مطامعه الدنيوية
البحتة .





كان ملوك أوروبا يضيقون ذرعاً بتدخل الكنيسة المتعنت في كل شئونهم ، ذلك
التدخل الذي لا يجدون له مبررا" على الإطلاق ، وفي نظرهم لم يكن لرجال
الدين عليهم ميزة إلا "القداسة" ومع ذلك فهم أيضا" مقدسون ، إن لم يكن
بأنفسهم فبنسبهم . يقول فيشر :


"كانت الأسر الحاكمة في أوروبا تستمد بقاءها كمن صلتها النسبية بأحدث
القديسين فيرثون منه قداسته ولا يبالي الشعب بعد ذلك بتصرفاتهم لأنهم
مقدسون" (9) .





وقد جرؤ إدوارد الأول ملك إنجلترا ، وفيليب الجميل ملك فرنسا ، على القول بأنه :


"ليس من الضروري أن يخضع الملك للبابا لكي يحظى بالجنة في الآخرة . وإن
كلا منهما قد نوى أن يكون سيدا" في مملكته وأن شعبه يؤيده في هذه النية
تمام التأييد(10) . إذن فقد كان غاية ما يطمح إليه أولئك أن تكف الكنيسة
عن فرض وصايتها السياسية والدينية عليهم دون أن يفكروا في تقويض بنيانها
أو الخروج على تعاليمها .




لكنهم كانوا في واد والكنيسة في واد فقد كانت ترى أن خضوع الملوك لها
ليس تطوعاً منهم بل واجباً يقتضيه مركزها الديني وسلطانها الروحي جاء في
البيان الذي أعلنه الباب "نقولا الأول" قوله :


"إن ابن الله أنشأ الكنيسة : بأن جعل الرسول بطرس أول رئيس لها ، وأن
أساقفة روما ورثوا بطرس في تسلسل مستمر متصل … (ولذلك) فإن البابا ممثل
الله على ظهر الأرض يجب أن تكون له السيادة العليا والسلطان الأعظم على
جميع المسيحيين ، حكاماً كانوا أو محكومين" (11) .





أما البابا الطاغية "جريجوري السابع" ، فقد أعلن أن الكنيسة ، بوصفها
نظاماً إلهياً ، خليقة بأن تكون صاحبة السلطة العالمية ، ومن حق البابا
وواجبه ، بصفته خليقة الله في أرضه ، أن يخلع الملوك غير الصالحين وأن
يؤيد أو يرفض اختيار البشر للحكام أو تنصيبهم ، حسب مقتضيات الأحوال" .


وسخر من الملوك والشعوب بقوله :


"من ذا الذي يجهل أن الملوك والأمراء يرجعون بأصولهم إلى الذين لا يعرفون
الله ثم يتعالون ويصطنعون العنف والغدر ويرتكبون جميع أنواع الجرائم
ويطالبون بحقهم في حكم من لا يقلون عنهم - أي الشعب - جشعا" وعماية وعجرفة
لا تطاق"(12) .





وليس ثمة شك في أن النصر ظل حليف الكنيسة طيلة القرون الوسطى بسبب سلطتها
الروحية البالغة وهيكلها التنظيمي الدقيق واستبدادها المطلق . ولذلك فقد
كان البابوات هم الذين يتولون تتويج الملوك والأباطرة ، كما كان في
إمكانهم خلع الملوك وعزلهم بإرادتهم المحضة ، ولم يكن باستطاعة أحد
الانفلات من ذلك ، ومن رفض الرضوخ فإن حكمه غير شرعي ومن حق البابوية أن
تعلن الحرب الصليبية عليه وتحرم أمته . ولا يعوزنا الاستشهاد على ذلك من
التاريخ الأوروبي فالأمثلة فيه كثيرة . ولعل خير مثال لذلك حادثة
الإمبراطور الألماني "هنري الرابع" المشهورة مع البابا جريجوري السابع
وذلك أن خلافا" نشب بينهما حول مسألة "التعيينات" أو ما يسمى "بالتقليد
العلماني" فحاول الإمبراطور أن يخلع البابا ورد البابا بخلع الإمبراطور
وحرمه وأحل أتباعه والأمراء من ولائهم له وألبهم عليه فعقد الأمراء مجمعاً
قرروا فيه أنه إذا لم يحصل الإمبراطور على المغفرة لدى وصول البابا إلى
ألمانيا فإنه سيفقد عرشه إلى الأبد ، فوجد الإمبراطور نفسه كالأجرب بين
رعيته ،، ولم يكن في وسعه أن ينتظر وصول البابا فضرب بكبريائه عرض الحائط
، واستجمع شجاعته وسافر مجتازا" جبال الألب والشتاء على أشده ، يبتغي
المثول بين يدي البابا بمرتفعات كانوسا في تسكانيا وظل واقفا" في الثلج في
فناء القلعة ثلاثة أيام وهو في لباس الرهبان متدثرا" بالخيش حافي القدمين
اعري الرأس يحمل عكازه مظهراً كل علامات الندم وإمارات التوبة حتى تمكن من
الظفر بالمغفرة والحصول على رضا البابا العظيم(13) .


وفي بريطانيا حدثت قصة أخرى مماثلة فقد حصل نزاع بين الملك هنري الثاني
وبين "تومس بكت" رئيس أساقفة كنتربري ، بسبب دستور رسمه الملك يقضى على
الكثير من الحصانات التي يتمتع بها رجال الدين ، ثم أن رئيس الأساقفة
اغتيل فروعت المسيحية وثار تأثرها على هنري ودمغته بطابع الحرمان العام .
فاعتزل الملك في حجرته ثلاثة أيام لا يذوق فيها الطعام ، ثم أصدر أمره
بالقبض على القتلة وأعلن للبابا براءته من الجريمة ووعد بأن يكفر بالطريقة
التي يرتضيها ، وألغى الدستور ورد إلى الكنيسة كل حقوقها وأملاكها ،
وبالرغم من ذلك لم يحصل على المغفرة حتى جاء إلى كنتوبري حاجاً نادماً
ومشى الثلاثة أميال الأخيرة من الطريق على الحجارة الصوان ، حافي القدمين
ينزف الدم منهما ، ثم استلقى على الأرض أمام قبر عدوه الميت وطلب من
الرهبان أن يضربوه بالسياط وتقبل ضرباتهم وتحمل كل الإهانات في سبيل
استرضاء البابا وأتباعه(14) .





وأعظم زعيم تحدى سلطات الكنيسة واستطاع مقاومتها مدة غير يسيرة ، هو
الإمبراطور "فريدريك الثاني" وتعود صلابته إلى المؤثرات الإسلامية في
ثقافته وشخصيته ، فقد كان مجيدا" للعربية مغرما" بالحضارة الإسلامية ، حتى
أن الكنيسة اتهمته باعتناق الإسلام وسمته "الزنديق الأعظم" أما المفكرون
المعاصرون فيسميه بعضهم "أعجوبة العالم" وبعضهم "أول المحدثين" .





وقد اشتد النزاع بينه وبين البابا "جريجوري التاسع" بسبب رفضه القيام
بحملة صليبية على الشرق - وكانت الكنيسة تعد الملوك جنوداً طائعين لها -
فحرمه البابا وشهر به في رسالة علنية عدد فيها هرطقاته وذنوبه ، فكان على
الإمبراطور أن يدفع التهمة عن نفسه برسالة وصفها ويلز بأنها "وثيقة ذات
أهمية قصوى في التاريخ ، لأنها أول بيان واضح صريح عن النزاع بين مدعيات
البابا في أن يكون الحاكم المطلق على عالم المسيحية بأسرة ، وبين مدعيات
الحكام العلمانيين وقد كان هذا النزاع يسري على الدوام كالنار تحت الرماد
ولكنه كان يضطرم هنا على صورة ويتأجج هناك على صورة أخرى . ولكن فريدريك
وضع الأمر في عبارات واضحة عامة يستطيع الناس أن يتخذوها أساسا" لاتحادهم
بعضهم مع بعض"(15) للوقوف في وجه الكنيسة .





على أن فردريك كان ظاهرة فذة لم تلبث أن تختفي تحت قهر قرارات الحرمان
والسطوة الكنسية الباغية ، ولم يعرف التاريخ الأوروبي من يماثله إلا بعد
أجيال عديدة .






OoO ثالثاً : الطغيـــــــــــــــــــــان المـــــــــــــــالي OoO


يستطيع
المرء أن يقول دون أدنى مبالغة أن الأناجيل المسيحية لم تنه عن شئ نهيها
عن اقتناء الثروة والمال ، ولم تنفر من شئ تنفيرها من الحياة الدنيا
وزخرفها ، حتى أن المتأمل في الأناجيل - رغم تحريفها - لابد أن يؤخذ بروعة
الأمثلة التي ضربها المسيح عليه السلام للحياة الدنيا ومتاعها الزائل ،
كما أنه سيرى من سيرة المسيح العملية ما يؤيد مواعظه البليغة ، فقد كان هو
وحواريوه وعين زاهدين ينظرون بعين المقت والازدراء إلى الكنوز المكدسة
التي يحوزها بنو جنسهم من اليهود" .




وجاءت القرون التالية فشهدت مفارقة عجيبة بين مفهوم الكنيسة عن
الدنيا وبين واقع الكنيسة العملي ، فقد تشددت الكنيسة جدا" حتى حرمت ما
أحل الله من الطيبات واقتبست النظرة البوذية التشاؤمية للحياة الدنيا -
كما مر سلفا" - وفي الوقت نفسه كانت سيرتها الذاتية صفحة مخزية من التهالك
على الدنيا وامتصاص دماء الأتباع بما لا يضارعها فيه أثرياء اليهود وكبار
الإقطاعيين الذين تسميهم الكنيسة "دنيويين" في حين أن المسيح يقول "مرور
جمل من ثقب إبرة أيسر من أن يدخل غني إلى ملكوت الله" (16).





ويقول لتلاميذه ولا تقتنوا ذهبا" ولا فضة ولا نحاسا" في مناطقكم ولا
مزودا" للطريق ولا ثوبين ولا أحذية ولا عصا" (17) ، وفي الوقت الذي تفرض
فيه الكنيسة على أبتاع دينها التقشف والزهد ، نجد حال الكنيسة نفسها
مغايرا" لروح وصايا المسيح ولمقتضى ما تدعو الناس إليه .





يقول "كرسون" : "كانت الفضائل المسيحية كالفقر والتواضع والقناعة والصوم
والورع والرحمة ، كل ذلك خيرا" للمؤمنين وللقسيسين وللقديسين وللخطب
والمواعظ ، أما أساقفة البلاد والشخصيات الكهنوتية الكبيرة فقد كان شئ أخر
: البذخ والأحاديث المتأنقة مع النساء والشهوة في مجالس الخاصة والعجلات
والخدم والأرباح الجسيمة والموارد والمناصب" (18) .





ونستطيع أن نلخص مظاهر الطغيان الكنسي في هذا المجال بما يلي :-





1-الأملاك الإقطاعية :


يقول "ديورانت" :


"أصبحت الكنيسة أكبر ملاك الأراضي وأكبر السادة الإقطاعيين في أوروبا ،
فقد كان دير "فلدا" مثلا" ، يمتلك (15000) قصر صغير ، وكان دير "سانت جول"
يملك ألفين من رقيق الأرض ، وكان "الكوين فيتور" (أحد رجال الدين) سيدا"
لعشرين ألف من أرقاء الأرض ، وكان الملك هو الذي يعين رؤساء الأساقفة
والأديرة … وكانوا يقسمون يمين الولاء كغيرهم من الملاك الإقطاعيين
ويلقبون بالدوق والكونت وغيرها من الألقاب الإقطاعية … وهكذا أصبحت
الكنيسة جزءا" من النظام الإقطاعي .





"وكانت أملاكها الزمنية ، أي المادية ، وحقوقها والتزاماتها الإقطاعية مما
يجلل بالعار كل مسيحي متمسك بدينه ، وسخرية تلوكها ألسنة الخارجين على
الدين ومصدرا" للجدل والعنف بين الأباطرة والباباوات" (19) .





2-الأوقــــــــــاف :


كانت الكنيسة تملك المساحات الشاسعة من الأراضي الزراعية باعتبارها
أوقافا" للكنيسة بدعوى أنها تصرف عائداتها على سكان الأديرة وبناء الكنائس
وتجهيز الحروب الصليبية ، إلا أنها أسرفت في تملك الأوقاف حتى وصلت نسبة
أراضي الكنيسة في بعض الدول درجة لا تكاد تصدق ، وقد قال المصلح الكنسي
"ويكلف" وهو أوائل المصلحين : "إن الكنيسة تملك 3/1 أراضي إنجلترا وتأخذ
الضرائب الباهظة من الباقي ، وطالب بإلغاء هذه الأوقاف واتبع رجال الدين
بأنهم "اتباع قياصرة لا أتباع الله" (20) .








3-العشــــــــور :

فرضت الكنيسة
على كل أبتاعها ضريبة "العشور" وبفضلها كانت الكنيسة تضمن الحصول على عشر
ما تغله الأراضي الزراعية والإقطاعيات ، وعشر ما يحصل عليه المهنيون
وأرباب الحرف غير الفلاحين .


يقول ويلز :


"وكانت الكنيسة تجبي الضرائب ولم يكن لها ممتلكات فسيحة ولا دخل عظيم من
الرسوم فحسب ، بل فرضت ضريبة العشور على رعاياها ، وهي لم تدع إلى هذا
الأمر بل طالبت به كحق"(21) .


ولم يكن في وسع أحد أن يرفض شيئاً من ذلك ، فالشعب خاضع تلقائيا" لسطوتها
، أما الملوك فقد كانوا يخشون بأسها من جهة كما كانت بها مصالح مشتركة من
جهة أخرى ، إذ كانت هي أيضا" تمدهم بأسباب البقاء …


يقول تولستوي :"لقد استولى حب السلطة على قلوب رجال الكنيسة كما هو مستول
في نفوس رجال الحكومات ، وصار رجال الدين يسعون لتوطيد سلطة الكنائس من
جهة ويساعدون الحكومات على توطيد سلطتها من جهة أخرى" (22) . إذن فمصلحة
السلطتين تقتضي بقاء الأوضاع على صورتها الواقعة .





4-ضريبة السنـــــــــــة الأولى :


لم تشبع الأوقاف والعشور نهم الكنيسة الجائع وجشعها البالغ بل فرضت الرسوم
والضرائب الأخرى ، لا سيما في الحالات الاستثنائية : كالحروب الصليبية
والمواسم المقدسة ، وظلت ترهق بها كاهل رعاياها ، فلكا تولى البابا حنا
الثاني والعشرين جاء ببدعة جديدة هي "ضريبة السنة الأولي" وهى مجموعة
الدخل السنوي الأول لوظيفة من الوظائف الدينية أو الإقطاعية ، تُدفع
للكنيسة بصفة إجبارية ، وبذلك ضمنت الكنيسة موردا" ماليا" جديدا" (23) .





5-الهبـــــــــات والعطايـــــــــــا :


كانت الكنيسة تحظى بالكثير من الهبات يقدمها الأثرياء الإقطاعيون للتملق
والرياء أو يهبها البعض بدافع الإحسان والصدقة ، وصحيح أن الكنيسة لم
تطالبهم بذلك ، لكنهم لولا معرفتهم بحرصها على الدنيا وإمكان استمالتها
بطريق البذل والعطاء لما فعلوا ذلك ، كما أنهم كانوا يخشون غائلة غضب
الكنيسة بحرمانهم من المغفرة عند الاحتضار على الأقل . وقد قويت هذه
الدوافع بعد مهزلة صكوك الغفران إذ انهالت التبرعات على الكنيسة وتضخمت
ثروات رجال الدين كما أسلفنا .


هذا ولا ننسى المواسم المقدسة والمهرجانات الكنسية التي كانت تدر الأموال
الطائلة على رجال الكنيسة ، فمثلا" "في سنة 1300م عقد مهرجان لليوبيل
واجتمع له جمهور حاشد من الحجاج في روما بلغ من انهيال المال إلى خزائن
البابوية أن ظل موظفان يجمعان بالمجاريف الهبات التي وضعت عند قبر القديس
بطرس" (24)





6-العمل المجاني "السخرة" :

سبق القول بأن الكنيسة تملك
الإقطاعيات برقيقها وأن بعض رجال الدين كان يملك الآلاف من الأرقاء ، غير
أن ذلك لم يقنع الكنيسة بل أرغمت أتباعها على العمل المجاني في حقولها وفي
مشروعاتها ، لا سيما بناء الكنائس والأضرحة ، وكان على الناس أن يرضخوا
لأوامرها ويعملون بالمجان لمصلحتها مدة محددة هي في الغالب يوما" واحدا"
في الأسبوع ولا ينالون مقابل ذلك جزاء" ولا شكورا" .


وهكذا كانت الجماهير ترزح تحت أُقال الكنيسة وأعبائها المالية المرهقة ،
وكان الملوك والأباطرة ورجال الدين الصغار يحسون بذلك أيضا" ويتحينون
الفرصة لإعلان احتجاجهم . ومن الذين تضجروا من ذلك ودفعتهم جرأتهم إلى
الاحتجاج العلني الملك لويس التاسع ملك فرنسا ، الذي كتيب إلى البابا
رسالة احتجاجية خطيرة "بالنسبة لعصرها" قال فيها:


"إن الذي يشتد في إدرار الأضراع لابد أن يصيب الدم من حلماتها" .


أما رجال الدين فقد كان أحد الموضوعات التي نظر فيها المجلس الديني العام
المنعقد في ليون سنة 1246 شكوى مقدمة من بعضهم يستغيثون فيها من مطالب
البابا والكنيسة الأم(25) .


ولكن هذه الاحتجاجات والاستغاثات ظلت صرخة في واد ولم تزحزح الكنيسة عن
موقفها ، وظلت الأمور على هذه الوتيرة حتى تضافرت عوامل أخرى سيأتي الحديث
عنها فيما بعد بإذن
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
http://www.boundk.tk
Bound2
*ابــــــــالبناديقــــــــــــــو*
*ابــــــــالبناديقــــــــــــــو*
Bound2


عدد الرسائل : 1286
العمر : 32
تاريخ التسجيل : 25/03/2007

مبادئ الملاحده الفكريه والرد عليها OoO متجدد OoO Empty
مُساهمةموضوع: رد: مبادئ الملاحده الفكريه والرد عليها OoO متجدد OoO   مبادئ الملاحده الفكريه والرد عليها OoO متجدد OoO Icon_minitimeالإثنين يونيو 04, 2007 8:39 pm

== << .. الفصل الثاني .. >> ==

== // == الصراع بين الكنيسة والعلم == //==



>><<

الصراع بين الدين والعلم مشكلة من أعمق وأعقد المشكلات في التاريخ الفكري
الأوربي إن لم تكن أعمقها قاطبة ، فمنذ عصر النهضة إلى عصرنا الحاضر
والصراع على أشده بين مؤيدي العلم وأنصار الدين ،ورغم كل الظواهر البارزة
في الحياة الغربية التي تؤكد أن المعركة ق انتهت وان العلم انتصر بصفة
نهائية على خصمه اللدود ، فإن هناك ما يدل دلالة قوية على أن الدين ، أو
على الأصح بعض قضاياه الإعتقادية والسلوكية ،لم تكن في عصر من العصور أقوى
حجة منها في هذا العصر ،لا سيما بعد أن تنكرت الثقافة الغربية لأفكار
القرن التاسع عشر التي تتسم بخاصتي "الإطلاق والعقلانية " واعتنقت نظريات
القرن العشرين التي تتميز بالنسبية واللامعقول .



ولذلك فقد خيل للكثيرين أن المعركة لم ولن تنتهي وأنها باقية ما بقيت
المعرفة الإنسانية ،وساعد على ترسيخ هذه الفكرة تقبل النفسية الأوربية
للازدواجية في كل شيء وهو التقبل الذي تولد من خضوعها المستمر لسلطتين
متباينتين وإيمانها الطويل بفكرتين متناقضتين .



وقليل منهم من فطن إلى السر الكامن وراء استمرارية المعركة دون نتيجة
نهائية حاسمة .والواقع أن السبب الحقيقي في ذلك يمكن إدراكه بسهولة لو أن
الإنسان الغربي - من أي الفريقين - تخلى عن غروره وتبجحه ونظر إلى المشكلة
نظرة تقييمية مجردة ، وذلك أن أي خصمين يملك كل منهما نصف الحقيقة لا يمكن
أن ينتصر أحدهما على الآخر انتصاراً نهائياً .



وبتطبيق هذه البديهية على الصراع بين العلم والدين الأوروبيين نجد أن
المواقع التي احتلها العلم من مناطق نفوذ الدين هي في الحقيقة المواقع
التي انتصر فيها العقل واليقين على الخرافة والوهم ، كما أن المواقع التي
صمد فيها الدين أمام الهجوم العلمي الكاسح هي المواقع التي انتصرت فيها
الحقيقة الموحاة على التخرصات والأهواء .

وحينئذ نستطيع أن نقول مطمئنين : إن الحق في كل من الطرفين هو الذي انتصر
، أو سينتصر ، على الباطل في كليهما ،وانه لو كان الدين الأوروبي حقاً
خالصاً والعلم الأوروبي يقيناً مجرداً لما حدثت معركة على الإطلاق .

وبما أن الدين بصبغته الإلهية النقية لم يدخل المعركة ، فإن الأوفق أن
نسمي ما حدث في الغرب صراعاً بين الكنيسة والعلم ، وليس بين الدين والعلم.



ومن المؤسف حقاً أن جناية رجال الدين الأوربيين على الحقيقة كانت أشنع
وأنكى من جناية أنصار العلم عليها ، وإن كان كل منهما مسؤولاً عن النتائج
المؤسفة لذلك الصراع ، ذلك أن الكنسية ارتكبت خطأين فادحين في آن واحد :

أحدهما : تحريف حقائق الوحي الإلهي وخلطها بكلام البشر .

والآخر: فرض الوصاية الطاغية على ما ليس داخلاً في دائرة اختصاصها .



والخطأ الأول مسؤول عن تسرب الخرافات الوثنية والمعلومات البشرية إلى كثير
من تعاليم المسيحية ، إذ جعلتها الكنيسة عقائد إلهية تدخل في صلب الدين
وصميمه ، وعدت الكفر بها كفراً بالوحي والدين .



والخطأ الثاني نشأ عن ضيق صدر الكنيسة بما يخالف تعاليمها الممزوجة
وإصرارها الأعمى على التشبث بها ، فكان الامتداد الطبيعي للطغيان الديني
طغياناً فكرياً عاماً ، وحاسبت الناس ، لا على معتقدات قلوبهم فحسب ، بل
على نتائج قرائحهم وبنات أفكارهم ، وتوهمت أن في قدرتها أن تملك ما لا
تستطيع أية قوة طاغية أن تحتكره ، وهو الحقيقة العلمية فيما يتعلق
بالتجربة المحسوسة أو النظر العقلي السليم . وبذلك أقحمت نفسها في متاهات
كانت غنية كل الغنى عن عبورها وأثارت على نفسها حربا ضروساً لا هوادة فيها
ولا تمييز .





وأول عمل مارسته الكنيسة في هذا المجال هو احتكارها للعلم وهيمنتها على الفكر البشري بأجمعه . يقول برنتن :

"إن أكثر أصحاب الوظائف العلمية حتى في أوج العصور الوسطى كانوا ينتمون
إلى نوع من أنواع المنظمات الدينية ، وكانوا جزءاً من الكنيسة ، حيث أن
الكنيسة بدرجة لا نكاد نفهمها اليوم تتدخل في كل لون من ألوان النشاط
البشري وتوجهها وبخاصة النشاط العقلي " …"وإذن فقد كان الرجال الذين
يتلقون تعليمهم في الكنيسة يكادون يحتكرون الحياة العقلية ، فكانت الكنيسة
منصة المحاضرة والصحافة والنشر والمكتبة والمدرسة والكلية (1) ، وكان
أصحاب الميول الفلسفية في الدول الرومية سواء من رجال الكنيسة أومن
المسيحيين العاديين ، متأثرين بتراثهم من الفكر الإغريقي في ميادين العلم
والفلسفة ، لا سيما آراء أرسطوا وبطليموس ، وقد بذلوا جهودهم في التوفيق
بين معتقداتهم الدينية وآرائهم الفلسفية .ونشأ عن ذلك فلسفة مركبة تسمى
"الفلسفة المسيحية " ، وهي خليط من نظريات الإغريق وظواهر التوراة
والأناجيل وأقوال القديسين القدامى . ولما كان العلم والفلسفة في ذلك
العصر شيئاً واحداً ، فقد أدمج الفلاسفة المسيحيون في صرح فلسفتهم كل ما
وصل إليه العلم البشري في عصرهم من النظريات الكونية والجغرافية
والتاريخية ، ورأت الكنيسة في هذه الفلسفة التوفيقية خير معين على الدفاع
عن تعليمها ضد المارقين والناقدين (2) ، فتبنتها رسمياً وأقرتها مجامعها
المقدسة حتى أضحت جزءاً من العقيدة المسيحية ذاتها وامتدت يد التحريف
فأدخلت بعض هذه المعلومات في صلب الكتب الدينية المقدسة .



ولم يبدأ عصر النهضة الأوروبية في الظهور حتى كانت آراء أرسطو في الفلسفة
والطب ونظرية العناصر الأربعة ونظرية بطليموس في أن الأرض مركز الكون .
وما أضاف إلى ذلك القديس أوغسطين وكليمان الإسكندري ونوما التكويني ،
أصولاً من أصول الدين المسيحي وعقائد مقدسة لا يصح أن يتطرق إليها الشك .



وكانت الفلسفة المسيحية هذه تشتمل على معلومات تفصيلية عن الكون تقول :"
أن الله خلق العالم ابتداء سنة 4004 ق.م. ، وتوج ذلك بخلق الإنسان في جنة
عدن على مسيرة يومين من البصرة بالضبط ، والعجيب أنها ظلت مصرة على هذا
الرأي حتى مطلع القرن التاسع عشر ، فقد طبع كتاب الأسقف "آشر " الذي يحمل
هذه النظرية سنة 1779 م (3) .



أما تاريخ الطوفان فتختلف فيه تقاويم التوراة ، لكنه على أقصى آرائها وقع بعد خلق آدم بـ (2262)سنة (4) .



ومعنى ذلك أنه كان سنة 1742 ق.م ، ومن الطريف أن مجلساً كنسياً كان قد
أعلن في بداية القرن العاشر للميلاد أن القرن الأخير من حياة العالم قد
استهل لأن الله قد جعل المدة بين إنزال ابنه ونهاية العلم ألف سنة فقط (5)
.

أما معلوماتها الطبية ، فقد كانت أفضل وأنجح الوسائل العلاجية في نظرها
إقامة الطقوس لطرد الشياطين التي تجلب المرض ورسم إشارة لصليب ووضع صور
العذراء والقديسين تحت رأس المريض ليشفي .


وعرفت أوروبا الطريق إلى النهضة بفضل مراكز الحضارة الإسلامية في
الأندلس وصقلية وجنوب إيطالية التي كانت تشع نور العلم والمعرفة على
القارة المستغرقة في دياجير الخرافة والجهل ، فاستيقظ العقل الأوروبي من
سباته وأخذ يقتبس عن المسلمين طرائق البحث ومناهج التفكير التي تجعله يكد
ويعمل في مجال اختصاصه دون وصاية ضاغطة .



وثارت ثائرة رجال الكنيسة على الذين يتلقون علوم الكفار (المسلمين) ،
ويعرضون عن التعاليم المقدسة فأعلنت حالة الطوارئ ضدهم وشكلت محاكم
التفتيش في كل مكان تتصيدهم وتذيقهم صنوف النكال . وأصدرت منشورات بابوية
جديدة تؤكد العقائد السابقة وتلعن وتحرم مخالفيها ، وبذلك قامت المعركة
على قدم وساق وأخذت تزداد سعاراً بمرور الأيام .

وكان من سوء طالع الكنيسة أن النظريات الكونية سبقت النظريات الإنسانية في
الظهور وهي نظريات أثبتت الأيام صحتها - إجمالاً - بخلاف الأخرى ، وبذلك
قدر للكنيسة أن تصطدم بالصحيح قبل الزائف ، فلما خسرت معركتها معه سهلت
هزيمتها أمام الآخر .

هذا وسنستعرض بإيجاز هذا الصراع مراعين التسلسل التاريخي :



أولاً-مطلع العصر الحديث والقرن السابع عشر :


>><<

[color=Red]إن
النظرية التي هوت الكنيسة لأول مرة هي نظرية كوبرنيق (1543) الفلكية ،فقبل
هذه النظرية كانت الكنيسة المصدر الوحيد للمعرفة وكانت فلسفتها تعتنق
نظرية بطليموس التي تجعل الأرض مركز الكون وتقول أن الأجرام السماوية كافة
تدور حولها (6) .

فلما ظهر كوبرنيق بنظريته القائلة بعكس ذلك كان
جديراً بأن يقع في قبضة محكمة التفتيش ، ولم ينج من ذلك لأنه كان قسيساً ،
بل لان المنية أدركته بعد طبع كتابه بقليل ؟. فلم تعط المحكمة فرصة
لعقوبته ، إلا أن الكنيسة حرمت كتابه "حركات الأجرام السماوية "ومنعت
تداوله وقالت أن ما فيه هو مساوس شيطانية مغايرة لروح الإنجيل .


وظنت أن أمر هذه النظرية قد انتهى ، ولكن رجلاً آخر هو "جردانو برونو "
بعث النظرية بعد وفاة صاحبها فقبضت عليه محكمة التفتيش وزجت به في السجن
ست سنوات فلما أصر على رأيه أحرقته سنة 1600م وذرت رماده في الهواء وجعلته
عبرة لمن اعتبر .


وبعد موته ببضع سنوات كان "جاليلو " قد توصل إلى صنع المرقب "التلسكوب "
فأيد تجريبياً ما نادى به أسلافه نظرياً فكان ذلك مبرراً للقبض عليه
ومحاكمته و " قضى عليه سبعة من الكرادلة بالسجن مدة من الزمان وأمر بتلاوة
مزامير الندم السبعة مرة كل أسبوع طوال ثلاث سنوات " (7) ، ولما خشي على
حياته أن تنتهي بالطريق التي انتهى بها برونو أعلن ارتداده عن رأيه وهو
راكع على قدميه أمام رئيس المحكمة قائلاً :


"أنا جاليلو وقد بلغت السبعين من عمري سجين راكع أمام فخامتك ، والكتب
المقدس أمامي ألمسه بيدي ، أرفض وألعن وأحتقر القول الإلحادي الخاطئ
بدوران الأرض " ، وتعهد مه هذا بتبليغ المحكمة عن كل ملحد يوسوس له
الشيطان بتأييد هذا الزعم المضلل (Cool .



هؤلاء هم زعماء النظرية وهذا هو موقف الكنيسة منهم وليس غريباً أن
تضطهدهم وتحارب أفكارهم ، فغن أفكارها لا تعيش إلا في الظلام ، وهي لن
تستعبد الناس بالحق ، بل الخرافة .. ولكن الغريب هو أدلتها الدينية التي
ساقتها لتكذيب النظرية - وما كان ليضير الدين في شيء أن تصدق أو تكذب .




قالت الكنيسة : إن الأرض يجب أن تكون مركز الكون الثابت لأن الأقنوم
الثاني - المسيح - تجسد فيها ، وعليها تمت عملية الخلاص والفداء ، وفوقها
يتناول العشاء الرباني ، كما أن التوراة تقول : "الأرض قائمة إلى الأبد
والشمس تشرق والشمس تغرب وتسرع إلى موضعها حيث تشرق " (9) أما كروية الأرض
وسكنى جانبها الآخر فنفتها الكنيسة بحجة أن " من خطل الرأي أن يعتقد
الإنسان بوجود أناس تعلو مواطئ أقدامهم على رؤوسهم وبوجود نباتات وأشجار
تنمو ضاربة إلى أسفل ، وقالت أنه لو صح هذا الزعم لوجب أن يمضي المسيح إلى
سكان الوجه الآخر من الأرض ويموت مصلوباً هناك من أجل خلاصهم " (10) .




ومع ذلك ، فلم يكد القرن السابع عشر يستهل حتى كان لنظرية كوبرنيق وما
أضاف إليها برونو وجاليلو آثار واسعة ، ظلت راسخة في الفلسفة الأوروبية
عامة ، فقد أفقدت الكثيرين ثقتهم في الكنيسة وأدت إلى التشكيك في سلامة
معلوماتها ، وهو أثر له أهميته القصوى ، كما أنها أعطت الأولوية للتجربة
والبحث العقلي في الوصول إلى الحقائق . وإضافة إلى ذلك قدمت إيحاءات
فلسفية جديدة ، فقد هزت فكرة الثبات المطلق التي كانت مسيطرة على العقلية
الأوربية وحطت كذلك من قيمة الإنسان ومكانته في الوجود - أو هكذا تخيل
الناس آنذاك - .


وفي القرن السابع عشر تبلور النزاع واتخذ شكلاً جديداً : فقد أصبح النزاع
بين مرقب جاليلو وحجج الكنيسة الواهية نزاعاً بين النص الذي تعتمد عليه
أدلتها وبين العقل والنظر الذي استند إليه أصحاب النظريات الجديدة .


وثار العلماء ودعاة التجديد مطالبين بتقديس العقل واستقلاله بالمعرفة
بعيدا عن الوحي ، ولم يجرؤ دعاة المذهب العقلي أول الأمر على إنكار الوحي
بالكلية ، بل جعلوا لكل من الطرفين دائرة خاصة يعمل فيها مستقلاً عن الآخر
.


وكان مذهب "ديكارت " أبرز المذاهب الفلسفية في هذا العصر ، وقد دعا إلى
تطبيق المنهج العقلي في الفكر والحياة واستثنى من ذلك -لسبب ما - الدين
والعقائد الكنسية والنصوص المقدسة وكان يرى "أن ميدان العلم الطبيعة ،
وموضوعه استغلال القوى الطبيعية وأدواته الرياضة والتجربة ويختص الدين
بمصائر النفس في العالم الآخر ويعتمد على الاعتقاد والتسليم فلا مضايقة
بين العلم والدين ولا سلطان لاحدهما على الآخر"(11) .


وهذه الازدواجية الديكارتية وجدت لها نظيراً في منهج بيكون التجريبي الذي
قال عنه أندرسن : " إن أعظم مآثر بيكون الفصل بين العلم البشري والوحي
الإلهي " . فعند بيكون يمكن أن تكون أي قضية خاطئة تماماً في نظر العقل
ولكنها صحيحة تماماً لأنها نظر الدين (12) .


والواقع أن المذهب الازدواجي ليس إلا مرحلة طبيعية في سلم التدرج من الإيمان المطلق بالوحي إلى الإنكار المطلق له .


ومع ذلك فقد وجد فلاسفة آخرون معاصرون لهؤلاء لم ترق لهم هذه الفلسفة ، بل
أغرتهم تفاهة آراء الكنيسة وحقدهم عليها أن يهاجموا التعاليم الدينية
هجوماً مباشراً .




وكان "سبينوزا" - بحكم يهوديته - أعنف هؤلاء ، فقد طبق المنهج العقلي على
الكتاب المقدس نفسه ووضع الأسس التي قامت عليها "مدرسة النقد التاريخي "
التي ترى أنه يجب أن تدرس الكتب الدينية على النمط نفسه الذي تدرس به
الأسانيد التاريخية أى على أساس أنها تراث بشري وليست وحياً إلهيا،
وبالفعل حقق "سبينوزا " نتائج إيجابية :




الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
http://www.boundk.tk
Bound2
*ابــــــــالبناديقــــــــــــــو*
*ابــــــــالبناديقــــــــــــــو*
Bound2


عدد الرسائل : 1286
العمر : 32
تاريخ التسجيل : 25/03/2007

مبادئ الملاحده الفكريه والرد عليها OoO متجدد OoO Empty
مُساهمةموضوع: رد: مبادئ الملاحده الفكريه والرد عليها OoO متجدد OoO   مبادئ الملاحده الفكريه والرد عليها OoO متجدد OoO Icon_minitimeالإثنين يونيو 04, 2007 8:40 pm

[color:d263=Navy:d263]فمثلاً استنتج أن أسفار التوراة لم يكتبها موسى ، مستدلاً بما جاء في سفر
التثنية من ذكر موت موسى ورثائه ، وقول كاتب السفر : "لم يأت نبي مثله من
بعده " . وأيضاً استطاع أن يثبت أن التوراة قد عينت أماكن بأسماء لم "
توضع لها إلا بعد موسى بقرون عديدة " (13) كما استطاع "باسكال " أن يوجه
نقده إلى عقيدة الخطيئة قائلاً : " لا شيء يزحم العقل الإنساني بالألم
كعقيدة الخطيئة الأصلية وأنه ليبدو أبعد ما يكون عن العقل أن يعاقب إنسان
من أجل خطيئة اقترفها أحد أسلافه منذ أربعة آلاف سنة " (14) .




أما "جون لوك " فقد خطا خطوة أبعد من ديكارت بأن طالب بإخضاع الوحي للعقل
عند التعارض قائلاً : "من استبعد العقل ليفسح للوحي مجالاً فقد أطفأ نور
كليهما وكان مثله كمثل من يقنع إنساناً بأن يفقأ عينيه ويستعيض عنهما بنور
خافت يتلقاه بواسطة المرقب من نجم سحيق " (15) …كما دعا إلى تطبيق مبدأ
جديد على الحياة الأوربية آنذاك ، وهو مبدأ التسامح الديني وإعطاء الحق
لكل إنسان في أن يعتنق ما يشاء ويكفر بما يشاء من الأديان والمذاهب .




على أن نقد هؤلاء الرواد لم يصل إلى إنكار الوحي والرسالات السماوية
بصراحة كما أنه ظل خافتاً أمام بطش محاكم التفتيش أو على الأقل ضغط
المجتمع الذي كان يدين بالمسيحية ويراها جزءاً من كيانه وتراثاً عزيزاً
عليه .


وقد تعرضت كتب ديكارت وسبينوزا ولوك وأضرابها للحرق والمصادرة كما تعرضوا
شخصياً للإيذاء والمضايقة من قبل الكنيسة . إلا أن تفجر البركان العلمي في
كل مكان والخلافات الداخلية بين الطوائف المسيحية شغلتها عن إعطائهم ما
يستحقون من الاهتمام .




كما أن النظريات الجديدة عن الكون في هذا القرن قد غمرت الأفكار الفلسفية
واستأثرت بالاهتمام البالغ من قبل الأوساط الدينية والعلمية على السواء ،
وأعظم هذه النظريات " نظرية الجاذبية " لا سحق نيوتن .



ولد إسحاق نيوتن في السنة التي توفي فيها جاليلو (1642) ، ويعد عمله
تتميماً لما بدأه جاليلو ، فقد مهد اكتشاف جاليلو لقانون البندول سنة
1604م الطريق أمام النظرية القائلة " أنه من الممكن تفسير ظواهر الطبيعة
بربط بعضها ببعض دون حاجة إلى تدخل قوى خارجية عنها " (16) ، وبذلك كان
هذا الاكتشاف الضئيل بمثابة النواة للمذهب "الطبيعي "والنظرية الميكانيكية
اللذين كان لهما صدى واسع فيما بعد .


وقد حاربت الكنيسة هذه النظرية وشنعت على معتنقيها قائلة : إن الأشياء لا
تعمل بذاتها ولكن عناية الله هي التي تسيرها ، ولم تكن الكنيسة من سعة
الأفق عل جانب يسمح لها بتفهم عدم المنافاة بين نسبة الأفعال إلى الله
تعالى باعتباره الفاعل الحقيقي وبين نسبتها إلى الأسباب باعتبارها وسائط
مباشرة ، بل كان حنقها على كل جديد صارفاً لها عن ذلك ، كما أن أصحاب
النظرية اندفعوا وراء رد الفعل الأهوج فأنكروا عمل العناية الإلهية وربط
الأسباب بالمسببات معتقدين أن كل ما عرفت علته المباشرة فلا داعي لافتراض
تدخل الله فيه - حس ب تعبيرهم - .


فلما جاء نيوتن بنظرية الجاذبية مؤيدة بقانون رياضي مطرد انبهرت عقول
الفئات المثقفة واتخذها أعداء الدين سلاحاً قوياً حتى لقد سميت "الثورة
النيوتونية " وأحس هؤلاء بنشوة انتصار عظيمة ، فقد أمكن تفسير الكون كله
بهذا القانون الخارق ، كما تأكدت صحة نظريات كوبرنيق وبرونو وجاليلو . وفي
الوقت نفسه اهتز موقف الكنيسة وتداعت حججها الواهية أكثر من ذي قبل ،
ولجأت إلى التعسف والعنف وهاجم رجالها نيوتن الذي كان مؤمناً بوجود الله ،
بحجة أنها تفضي إلى إنكار وجود اله ، بنفي العناية الإلهية من الكون . وقد
ثبت أنهم كانوا على حق في توقعهم هذا ، لكنهم كانوا مخطئين في موقفهم من
النظرية ، فقد ساعد هذا الموقف الخاطئ على الوصول إلى تلك النتيجة الباطلة
.




ولا شك أن نظرية نيوتن من أعظم النظريات العلمية أثراً في الحياة
الأوروبية فهي التي وضعت الفكر المادي الغربي وإليها يعزى الفضل الأكبر في
نجاح كل من المذهب العقلي والمذهب الطبيعي . كما أن مذهب الإيمان بإله مع
إنكار الوحي ، والإلحاد ذاته مدينان لهذه النظرية من قريب أو بعيد ، على
أن هذه الآثار لم تظهر إلا فيما بعد .




أما في القرن السابع عشر فإن النتائج الإيجابية التي أمكن للعلماء أن
يكونوا منها النظرية العلمية المعادية لتعاليم الكنيسة والتي اشتقت من
نظريتي غوبرنيق ونيوتن - هي كما لخصها "برتراندرسل " ثلاث نتائج :
















وإذا كان القرن السابع عشر هو قرن الانتفاضة العارمة على الكنيسة ومبادئها
فإنه كذلك القرن الذهبي لمحاكم التفتيش فقد قاسى العلماء أنواع الاضطهاد ،
واستخدمت ضدهم أساليب القمع الوحشية وظهرت الفهارس أو "القوائم البابوية "
التي تحتوى على أسماء الكتب المحرمة وكان وجود شيء من هذه الكتب في حوزة
إنسان ذريعة لسوقه إلى محكمة التفتيش وتعريضه لأليم عقابها .



قاومت الكنيسة كل محاولة للتجديد وإن كانت نافعة خيرة فقد كفرت رئيس
بلدية في ألمانيا لأنه اخترع غاز الاستصباح بحجة أن الله خلق الليل ليلاً
والنهار نهاراً وهو بمخترعه يريد تغيير مشيئة الخالق فيجعل الليل نهاراً "
(18) .


واضطرب حبل الكنيسة بظهور الروح الجديدة اضطراباً واضحاً وألقت بكل ثقلها
في معركة كانت في غنى عن دخولها أمام الناس - لا سيما المثقفون - فقد
اهتبلوا الفرصة وخيل إليهم أن الأقدار قد لاقت أيهم مفتاحاً سحرياً يخلصهم
من سجن الكنيسة وأغلالها ذلك هو مفتاح "العلم والتجربة " .




كان إيمان هؤلاء بالمسيحية متغلغلاً إلى درجة يصعب معها فراقه ولكن كفرهم
برجال الدين - أولئك الطغاة المتغطرسين - كان كفراً صريحاً لا هوادة فيه .


ونستطيع أن نقول : أن ما قم به علماء وفلاسفة القرن السابع فعل غير موجه
هدفه الانفكاك من ربقة الكنيسة والتحرر من عبوديتها فلم يكن همهم " إلى
أين نتجه ؟ " بقدر ما كان "كيف نهرب ؟ " .


ولكن التأثيرات والإيحاءات الفلسفية لنظرية نيوتن أسهمت في إيجاد فكر لا
ديني منظم ينتهج طرائق محددة ، وإن كان قد ظل مشوباً بالتعصب والسلبية ،
مندفعاً في مهاجمة الكنيسة ومعتقداتها .


ولعل من الصواب أن نقول : أن نظرية نيوتن لم تمهد فكرياً للثورة الفرنسية فحسب ، بل أنها قطعت نصف الطريق إلى داروين أيضاً.


والكلام عن آثار النيوتنية ينقلنا إلى القرن الثامن عشر الذي كان دخوله إيذاناً بأفول نجم الكنيسة وولادة آلهة جديدة لا كنائس لها .























1-أن تقرير الحقائق يجب أن يبنى على الملاحظة لا على الرواية غير المؤيدة (أي النصوص ).



2-أن العالم غير الحيواني نظام متفاعل في نفسه مستبق لنفسه وتنطبق كل التغيرات فيه مع قوانين الطبيعة.



3-أن الأرض ليست مركز الكون وان الإنسان ربما يكون الهدف من وجودها ، إذا

كان لوجودها أي هدف ، وفوق ذلك أن فكرة الهدف فكرة لا فائدة منها من

الناحية العلمية " (17) .









الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
http://www.boundk.tk
Bound2
*ابــــــــالبناديقــــــــــــــو*
*ابــــــــالبناديقــــــــــــــو*
Bound2


عدد الرسائل : 1286
العمر : 32
تاريخ التسجيل : 25/03/2007

مبادئ الملاحده الفكريه والرد عليها OoO متجدد OoO Empty
مُساهمةموضوع: رد: مبادئ الملاحده الفكريه والرد عليها OoO متجدد OoO   مبادئ الملاحده الفكريه والرد عليها OoO متجدد OoO Icon_minitimeالإثنين يونيو 04, 2007 8:40 pm

[color=red]
ثانياً - القرن الثامن عشر :



[color:88ec=Red:88ec] يتميز القرن الثامن عشر بظهور روح الشك العام في كل شيء تقريباً ،
ومع ذلك فقد ظهرت فلسفات إيجابية متنوعة يدور محورها حول كلمتين هما في
الواقع صنمان استحدثهما الهاربون من نيران الكنيسة ليحلا محل إلهها المخيف
وهما "العقل والطبيعة " .


أما العقل فلم يعد مقيداً بأغلال الثنائية الديكارتية بل بدأ يبحث عن ذاته
ويسلك طريقه لكي يتصرف كما لو كان "إلها" بالفعل ، وتعالت أصوات الباحثين
والفلاسفة منادية بان العقل هو الحكم الوحيد والعقل هو كل شيء وما عداه
فوهم وخرافة ، الوحي يخالف العقل فهو أسطورة كاذبة ، والمعجزات لا تتفق
ومألوف العقل فهي خرافات بالية .والفداء والصلب والرهبانية ..الخ ، كلها
أباطيل مضللة وعقائد مرذولة لأنها لا تتسق مع العقل .والصنم الثاني كان
"الطبيعة " . يقول "سول " :


"صار لزاماً على الذين نبذوا الإيمان بالله كلية أن يبحثوا عن بديل لذلك
ووجدوه في الطبيعة " (19) .وكتب الفكر الغربي تسمي ذلك العصر عصر "تأليه
الطبيعة " أو عبادة الطبيعة ، وليست هذه العبارات مجازاً ، بل هي مستعملة
على الحقيقة تماماً ، فكل صفات الله التي عرفها الناس عن المسيحية نقلها
فلاسفة الطبيعة إلى إلههم الجديد ، مع فارق كبير بين الإلهين في نظرهم .




فإله الكنيسة بطاش حقود يعذب السلالة البشرية ويقتل ابنه لان الإنسان الأول أكل فاكهة من حديقته .




وهو إله متعنت يضع القيود الاعتباطية على حرية الإنسان ويقيده بالالتزامات ويفرض عليه الرهبانية والخضوع المذل لممثليه على الأرض.



أما الطبيعة فإله "جذاب " رحب الصدر ليس له كنيس ولا التزامات ولا
يستدعي طقوساً ولا صلوات وكل ما يطالب به الإنسان أن يكون إنساناً طبيعياً
يلبي مطالبه الطبيعية في وضوح وصراحة .




والإله الجديد ليس له رجال دين يستعبدون الناس لأنفسهم ولا كتاب مقدس
متناقض ولا أسرار علياً مقدسة ، بل له دعاة من أمثال "روسو" وفولتير
وديدرو " وله كتب علمية هي "دائرة المعارف " أو "العقد الاجتماعي " أو "
روح القوانين " .




والقانون الطبيعي "الجاذبية "يجعل الكون مترابطاً متناسقاً لا اضطراب فيه
ولا خلل وبالمقابل جعلت الطبيعة للإنسان قانوناً يكفل له السعادة التامة
ولكن النظم الإنسانية والأديان طمست هذا القانون فشقي الإنسان وتعذب .


تلك هي المبادئ الأولى للمذهب الطبيعي الذي تبلور ليصبح ديناً إنسانياً
عند "كومت " في القرن التاسع عشر ، وعنه انبثقت الماديات المتعددة التي
تفسر الكون تفسيراً آلياً حسب القوانين التي سميت "قوانين الطبيعة " .




أما هنا في القرن الثامن عشر فإن عبادة العقل والطبيعة هي ميزة العصر الذي يسمى "عصر التنوير " .




ويصف برنتن " شيئاً من مظاهر الصراع بين الدين والعلم في هذا العصر بقوله :


"كان العقل للرجل العادي في عصر التنوير هو كلمة السر الكبرى لعالمه
الجديد ، العقل هو الذي يسوق الناس إلى فهم الطبيعة" وهذه هي كلمة السر
الثانية الكبرى "وبفهمه للطبيعة يصوغ سلوكه طبقاً لها وبذلك يتجنب
المحاولات العابثة التي قام بها في ظل لأفكار المسيحية التقليدية الخاطئة
وما يخالفها في الأخلاق والسياسة ممالا يناقض الطبيعة " (20)


" والعقل يبين أن الرهابنية تعني إسرافاً عظيماً في قدرة الإنسان
الإنتاجية ، وأوضح من ذلك أن العقل يبين لأنه من غير الطبيعي للكائنات
البشرية صحيحة البدن أن تمنع بتاتاً عن الاتصال الجنسي ، وأن التبرير
الديني لمثل هذا السلوك غير الطبيعي كان هراء كهراء فكرة الشياطين التي
تستولي على المجنون " .



"إن المسيحية التقليدية لم تعد قادرة على أن تمد المستنيرين بنظرية
كونية فقد بدأ الناس يعرفون ما يكفي من الجيولوجيا لكي يبين أن تاريخ
الخليقة الذي حدده الأسقف "آشر" بعام 4004 ق م وتاريخ قصة الطوفان بعيدا
الاحتمال . ولكن مبدأ التثليث في المسيحية مثلاً : إن الرياضة كانت ضد هذا
المبدأ فإن أي نظام رياضي محترم لا يسمح بظان يكون الثلاثة ثلاثة وواحداً
في آن واحد ، أما عن المعجزات فلماذا توقفت ؟ إذا أمكن إحياء الميت في
القرن الأول فلماذا لا يحيا في القرن الثامن عشر" (21)




وربما كان أعدي أعداء الكنيسة آنذاك هو فواتير ولنقتطف نماذج من نقده للدين ورجاله من كتابة ( القاموس الفلسفي ) :


( أول ما انتقد فولتير العقيدة المسيحية في التثليث وتجسيم الاله والصور
المقدسة وأنحى باللائمة على بولس الذي طمس المسيحية وحرفها ، ولذلك كان
الإيمان بالمسيحية في نظره هو " الاعتقاد بأشياء مستحيلة أو بأشياء تستعصي
على الفهم فالحية تتكلم والحمار يتحدث وحوائط أريحا تتساقط بعد سماعها صوت
الأبواق ، أن الإيمان على هذا النحو هو على ما يقول أرازم هو الجنون "


" أما الخطيئة الأولى فيرفضها فولتير ويعتبرها إهانة لله واتهاماً له
بالبربرية والتناقض وذلك للتجرؤ على القول بأنه خلق الأجيال البشرية
وعذبها لأن أباهم الأول قد أكل فاكهة من حديقته " (22)




وينقد فولتير الطقوس السبعة نقدا مريرا ويسخر من الكتاب المقدس سخرية لاذعة تتجلى في قوله تعليقا علي معلومات التوراة الجغرافية :


( من الواضح أن الله لم يكن قويا في الجغرافيا ) (23) ، وقوله أن صيام
المسيحية "دواء للفقراء لا يتعاطاه الأغنياء " ويري " أن الطقوس والشعائر
والعبادات و الاحتفالات الدينية جرائم محلية يعاقب عليها كل من يزاولها
لأنها ضارة بالمجتمع خاصة إذا تمت في صورة أضاح وقرابين " أما آراؤه
السياسية فقد عبر عنها بقوله :


" أن التوحيد بين الدين والدولة لهو أبشع نظام لذلك يجب إلغاؤه وإقامة
نظام آخر يخضع فيه رجال الدين لنظم الدولة ويخضع فيها الراهب للقاضي "
وقوله:


" انه لا يمكن طاعة البشر باسم طاعة الله لابد من طاعة البشر باسم قوانين
الدولة " 0 ولقد جزعت الكنيسة من هذه الانتقادات والآراء جزعا شديدا ولعنت
فولتير وأشياعه وكفرتهم وحرمت قراءة كتبهم وتعرض فولتير للمضايقة
والاضطهاد من قبل رجال اللاهوت ، حتى انه قال مخاطبا إنسان ذلك العصر "
أنت طائر في قفص محاكم التفتيش لقد قصت محاكم التفتيش جناحيك " (24)


وفي إنجلترا طور جيبون النقد التاريخي للمسيحية في كتابه " سقوط
الإمبراطورية الرومانية واضمحلالها" " أما هليوم فقد ابتدع مذهب الشك
المطلق الذي كان ثورة نفسية على الإيمان المطلق طوال القرون الماضية



وجدير بالذكر أن شيوع المذهب العقلي الطبيعي في عصر التنوير قد نتج
عنه بالاعتماد علي نظرية نيوتن مذهبان جديدان على العالم المسيحي ينمان عن
التخبط والضياع :


الأول : مذهب المؤلهة الربويين "دايزم "((Deism "أو المؤمنين بإله مع
إنكار الوحي "وهذا المذهب يمثل فكرة انتقالية لان الوثبة من إله مسيحي إلى
عدم وجود إله كانت مستحيلة كما يقول برنتن .


"هذا المذهب هو أقرب انعكاس ممكن واضح لعالم نيوتن الذي يخضع للنظام ويدور
وفقاً للقانون والإله في هذا المذهب هو الشخص المسؤول عن التدبير والبناء
وتحريك هذا العالم الآلي " .




وكان من زعماء هذا المذهب "فولتير وبوب "ومعهم عدد آخر ممن كانوا يرون
ضرورة الإيمان بالله - ولو أمام الجمهور - أما الوحي فأنكروه لان إثباته
يعني صحة تعاليم عدوهم الكنيسة ، وليس معنى ذلك أن إيمانهم بالله يمكن أن
يسمى إيماناً على الحقيقة فإن كل عمل هذا الإله في نظرهم هو أنه خلق الكون
ثم تركه يدور وفق القوامين المودعة فيه والتي أوضحها نيوتن فهو يشبه صانع
الساعة الذي يديرها ثم يدعها تتحرك من تلقاء نفسها . أما الإنسان فقد منحه
العقل وتركه وشأنه فهو وإن كان جزءاً من آلة الكون العظمى إلا أنه عليه أن
يستغل مواهبه ويستخدم عقله بما يتمشى مع قانون الطبيعة " . ومن الواضح (في
نظر أصحاب هذا المذهب) أنه ليست هناك فائدة من الصلاة للإله الذي يشبه
صانع الساعة والذي لا يستطيع - وحتى إن أراد - أن يتدخل فيما صنعت يداه .


"ومن الواضح كذلك أن هذا الإله لم يظهر لموسى في صحراء سيناء ولم يرسل
ابنه الأوحد إلى الأرض ليخلص الناس المذنبين بل لا يمكن أن يكون له ابن "
(25) .




الثاني : المذهب الإلحادي المادي : إن تهافت مذهب المؤلهة وتفاهته هي التي
أوحت إلى بعض معاصريهم بإنكار هذا الإله البعيد البارد الذي لا أثر له ولا
ضرورة لاختراعه كما تقول حكمة فولتير "إذا كان الله غير موجود فلا بد من
اختراعه " ! . فالطبيعة تغني عنه والاعتراف بوجوده هو نوع من الإقرار بصحة
دعاوى الكنيسة فالأولى أن نستبعد وجوده نهائيا إرغاما لأنف الكنيسة على
الأقل .




وتطرف منهم طائفة "رأوا أن الله شر إيجابي وبخاصة إذا كان إله الكنيسة الكاثوليكية الرومانية " .


يقول "كرسون " : ذهب بعضهم في الإنكار إلى أبعد حد أنهم يدعوننا حتى إلى حذف اسم الله نفسه وفي هذا يقول "دولباخ" :


إن عقيدة الله المأثورة نسيج من المتناقضات ، أن فكرة الله هو الضلالة المشتركة للنوع الإنساني " (26) .



تلك هي تلك الخطوط العامة في القرن الثامن عشر للصراع بين الكنيسة
والدين .على أنه ينبغي أن ننبه إلى أن هذا الصراع كان مقتصراً على
الفلاسفة والطبقات المثقفة ولم يتجاوز ذلك إلى القاعدة الشعبية ويصبح قضية
جماهيرية إلا بعد الثورة الفرنسية التي قامت في أواخر هذا القرن سنة 1789م
، وبقيامها رسم معلم واضح من معالم التاريخ الأوروبي ، وافتتح عصر جديد من
الصراع بين الدين والادين يستحق أن يفرد له فصل مستقل .














الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
http://www.boundk.tk
Bound2
*ابــــــــالبناديقــــــــــــــو*
*ابــــــــالبناديقــــــــــــــو*
Bound2


عدد الرسائل : 1286
العمر : 32
تاريخ التسجيل : 25/03/2007

مبادئ الملاحده الفكريه والرد عليها OoO متجدد OoO Empty
مُساهمةموضوع: رد: مبادئ الملاحده الفكريه والرد عليها OoO متجدد OoO   مبادئ الملاحده الفكريه والرد عليها OoO متجدد OoO Icon_minitimeالإثنين يونيو 04, 2007 8:41 pm

">">"> الثـــــــــــ الفصل ــــــــــالث <"<"<"





=>=>=> الثــــــــــــــــــــــورة الفرنسيـــــــــــــــــــــــــــــــــة <=<=<=


>> .. <<


إن النظام الاجتماعي الذي هيمن على الحياة الأوروبية
طيلة القرون الوسطى هو نظام "الإقطاع " ، وربما كان أبشع واظلم النظم
الاجتماعية في التاريخ .
ولا شك أن الظلم دائماً سمة من سمات الحكم
الجاهلي لأي مجتمع في كل زمان ومكان ،ولكن صورته في المجتمع الأوربي
الإقطاعي كانت أتم وأظهر (1) ، ففي الفترة التي كان فيها الشرق المسلم
ينعم بالحياة في ظل أفضل وأعدل مجتمع عرفه التاريخ كان الغرب المسيحي يرزح
تحت نير هذا النظام البغيض .



والفطرة البشرية -كما خلقها الله - تأبى الظلم وتنفر منه ، مهما طال
خضوعها له ، ولذلك فإنها تنتهز أدنى فرصة سانحة للثورة عليه وتقويض دعائمه
.



وترتبط أولى محاولات الإنسان الأوروبي الانفلات من المظالم الإقطاعية
بالاحتكاك المباشر بالمسلمين عن طريق الفتوحات الإسلامية في أوروبا ، وبلغ
ذلك ذروته إبان الحروب الصليبية .


وليس غريباً أن يكون أرقاء فرنسا هو رواد الثورة على الإقطاعيين فإن
موقعها الجغرافي المحاذي للجزء المسلم من أوروبا "الأندلس " ثم حملاتها
الصليبية الكثيفة مضافاً إليهما بعدها النسبي عن مركز البابوية في روما كل
هذه جعلتها لأقرب إلى روح التحرر والانطلاق .



وهكذا قامت في فرنسا ثورة فلاحيه "الجاكريه" في القرن الرابع عشر للميلاد
. وهي وإن أخفقت ،كشأن في المحاولات الأولى ، فقد هيأت للأذهان لا مكان
القيام بعمل ناجح مستقبلاً ولأثرت في ظهور انتفاضات مماثلة في أنحاء
القارة .

وكان من العوائق الكبرى التي خيبت جهود الثائرين أن الكنيسة " أكبر الملاك الإقطاعيين " وقفت ضدهم وأجهضت محاولاتهم .



فالكنيسة لم تكتف بصد الناس عن نور الإسلام ، بل ناقضت تعاليم الإنجيل
الداعية إلى المحبة والتسامح ونافست الأمراء الإقطاعيين في إذلال الشعوب
وقهرها .



ويأتي التبرير المسيحي لنظام الاسترقاق الإقطاعي على يد القديس توما
الاكويني الذي فسره بأنه "نتيجة لخطيئة آدم " (2) وكأن رجال الكنيسة
والبارونات ليسوا من بني آدم .وهناك حقيقة ينبغي ألا تغيب عن أذهاننا فيما
يتعلق بالثورات الفلاحية ، وهي أن هذه الثورات لم تكن تمرداً على الكنيسة
لأنها كنيسة بل لأنها "مالك إقطاعي " .

يقول ويلز "كانت ثورة الشعب على الكنيسة دينية …فلم يكن اعتراضهم على قوة
الكنيسة بل على مساوئها ونزاحي الضعف فيها وكانت حركات تمردهم على الكنيسة
حركات لا يقصد بها الفكاك من الرقابة بل طلب رقابة دينية أتم وأوفي … وقد
اعترضوا على البابا لا لأنه الرأس الديني للعالم المسيحي بل لأنه لم يكن
كذلك أي لأنه كان أميراً ثرياً دنيوياً بينما كان يجب أن يكون قائدهم
الروحي " (3) .



وحدث إلى جانب ذلك وبعده تحولات ظاهرة في الحياة الأوروبية:

فالملوك المركزين استطاعوا أن يذوبوا البارونات في رعاياهم ويدمجوا
إقطاعياتهم في الدولة وإن كان قد بقي لهم امتيازات ومخصصات كثيرة - وتمت
هذا العملية بفضل حصول الحكومات على البارود عن طريق الشرق وهو سلاح لم
تصمد له قلاع البارونات طويلاً.

وأدى هذا إلى مزيد من الاستغلال للأرقاء من قبل أسيادهم كي يعوض الأسياد
عن الضرائب التي فرضتها الحكومة المركزية على إقطاعياتهم ، ولم يدر ببال
الملوك أن يفكروا في شأن الأرقاء ، بل كان كل همهم أن تأتي الضريبة كاملة
من أي طريق .

والتحول الآخر يتمثل في ظهور الحركات التي تزعمها (لوثر ، كالفن ، هس )
وأمثالهم فقد حطمت هذه الحركات الوحدة الشكلية للعالم الغربي المسيحي
وأضعفت السلطة الكنيسة المركزية بكثرة ما أحدثته من مذاهب وفرق لا حصر لها
.

وهذا التحول بالإضافة إلى سابقة أدى إلى تخلخل المجتمع الأوروبي وتغيير
بعض ملامحه الثابتة فابتدأت المدن الأوروبية في النمو وظهرت الطبقة الوسطى
"البورجوازية " فظهر منافس قوي للإقطاعيين يتمثل في طبقة تجار المدن
البورجوازيين الذين كانوا بمثابة الطلائع للرأسماليين الكبار (4) .

وإلى جانب ذلك كانت اليقظة التي عرضناها في الفصل السابق وكان ظهور الورق والمطابع العامل الفعال في نشرها وتوسيع ميدانها .

كل هذه التحولات آذنت بهبوب رياح التغيير على القارة وأنذرت بافتتاح عصر
جديد مغاير للماضي في قيمه وتصوراته وأوضاعه وكانت أحوال فرنسا الثقافية
والاجتماعية تؤلها لافتتاح ذلك العصر .



في السنوات السابقة للثورة بلغ الفساد السياسي والتدهور الاقتصادي في
فرنسا غايته حتى أن "كالون" وزير الخزانة الملكية اعترف بذلك سنة 1787م
وأرادت الحكومة سد عجز الميزانية بإرهاق الشعب بضرائب جديدة فادحة فازدادت
أحوال الطبقات المسحوقة سوءاً وعصفت بالبلاد موجة من الجوع ونقص المؤن .


وفي الوقت الذي عيل فيه صبر الشعب وأنهكته المجاعة والبؤس كان هناك
طبقتان تترنحان في أعطاف النعيم وتنغمسان في مختلف الملاذ هما : طبقة رجال
الدين وطبقة الأشراف ، بالإضافة إلى الأسرة المالكة التي كانت عبئاً
ثقيلاً على الجميع .


وكان إنقاذ الشعب يتطلب منه أن يقوم بعمل يودي بالظلم ويزيح كابوسه
عن المهضومين . ووقف الشعب بكل فئاته "الفلاحين ، المهنيين ، القساوسة
الصغار " جبهة واحدة وكانت الجبهة الأخرى ائتلافاً بين الطبقتين
المحتكرتين " رجال الدين والأشراف " .



وقضت سنة الله أن ينتصر الشعب على جلاديه وأن تحصد "المقصلة " معظم الرؤوس المترفة الطاغية .


وتمخضت الثورة عن نتائج بالغة الأهمية ، فقد ولدت أول مرة في تاريخ
أوروبا المسيحية دولة جمهورية لا دينية تقوم فلسفتها على الحكم باسم الشعب
"وليس باسم الله " ، وعلى حرية التدين بدلاً من الكثلكة ، وعلى الحرية
الشخصية بدلاً من التقيد بالأخلاق الدينية ، وعلى دستور وضعي بدلا من
قرارات الكنيسة .



وقامت الثورة بأعمال غريبة على عصرها فقد حلت الجمعيات الدينية وسرحت
الرهبان والراهبات وصادرت أموال الكنيسة وألغت كل امتيازاتها ، وحوربت
العقائد الدينية هذه المرة علناً وبشدة وأصبح رجل الدين موظفاً مدنياً لدى
الحكومة (5) .



هذه النتائج والتطورات تستحق أن يقف عندها الإنسان باحثاً عن أسبابها
ودوافعها ، وبالنظرة الفاحصة نجد أن عوامل متعددة قد تضافرت على تحقيقها
وأهمها ثلاثة :



أولاً - الفكر اللاديني (الذي طبع عصر التنوير ) :



-كما يسمى - بطابعة الخاص والذي كانت مدارسه رغم تباينها تسعى إلى غاية
واحدة هي تقويض الدين واجتثاث مبادئه من النفوس ، وقد سلكت كل مدرسة منحى
خاصاً لتحقيق ذلك وأشهرها :



1- مدرسة ذات طابع علمي عام وأبرز الأمثلة عليها الكتاب الموسوعيون الذين
كتبوا دائرة المعارف بزعامة "ديدرو" وكانوا كما يقول ويلز : " يناصبون
الأديان عداوة عمياء " .



2- مدرسة ذات طابع اجتماعي وسياسي : ويرأس هذا الاتجاه " روسو " صاحب كتاب
"العقد الاجتماعي " الذي أطلق عليه "إنجيل الثورة الفرنسية " و "مونتسيكو
" صاحب "روح القوانين " ، ومن كتابات هؤلاء استلهم زعماء الثورة مبادئهم
واقتباساتهم .

والغرض من فكرة العقد الاجتماعي واضح للعيان فهي تهدف إلى استبدال
"المصلحة الاجتماعية " أو الرابطة النفعية للأفراد "بالأخلاق والنظم
الدينية وتحل عبادة "المجتمع " ممثلاً في الوطن أو القوم محل عبادة الله ،
وذلك ما نادت به الثورة حرفياً .


وتجدر الإشارة إلى أن هذه الفكرة ليست من بنات أفكار روسو فقد سبقه
إليها الفلاسفة المثاليون في المدن الفاضلة ففي "جمهورية أفلاطون "
و"اليوتوبيا " لتوماس مور ، و "مدينة الشمس " لكامبانيلا ، نماذج واضحة
للحياة اللادينية التي تقوم على أساس من التفاهم والوفاق المجرد بين
الأفراد وهو ماعبر عنه روسو بالعقد الاجتماعي ، إلا أنه أضاف إلى هذا
النموذج ما اقتبسه من "هوبز " و "ميكافيلي" اللذين غلبا جانب الشر لدى
الإنسان على الخير لذلك كان روسو هداماً أكثر منه فيلسوفاً ( سيأتي تفصيل
هذه النظريات في فصل " علمانية الحكم والسياسة من الباب الثالث " انظر
صفحات 212.213.224 ).



3- مدرسة ذات طابع فلسفي هدام : سبق الفلاسفة العقلانيون غيرهم في بحث
علاقة الفرد بالدولة والمناداة بمجتمع ينفصل فيه الدين عن الدولة ، وكانت
فكرتهم اللادينية أوسع مما تصوره ميكافيلي ، لأن الدين نفسه عندهم يجب أن
يلغى ليحل محله "الدين الطبيعي أو القانون الطبيعي " وربما كان الفيلسوف
اليهودي "سبينوزا" رائد الفكرة العلمانية باعتبارها منهجاً للحياة ، فهو
يقول في كتابه"رسالة في اللاهوت والسياسة" :
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
http://www.boundk.tk
Bound2
*ابــــــــالبناديقــــــــــــــو*
*ابــــــــالبناديقــــــــــــــو*
Bound2


عدد الرسائل : 1286
العمر : 32
تاريخ التسجيل : 25/03/2007

مبادئ الملاحده الفكريه والرد عليها OoO متجدد OoO Empty
مُساهمةموضوع: رد: مبادئ الملاحده الفكريه والرد عليها OoO متجدد OoO   مبادئ الملاحده الفكريه والرد عليها OoO متجدد OoO Icon_minitimeالإثنين يونيو 04, 2007 8:42 pm

" ومن الخطو[color=Red]رة على الدين وعلى الدولة على السواء
إعطاء من يقومون بشؤون الدين الحق في إصدار القرارات أيا كانت أو التدخل
في شؤون الدولة وعلى العكس يكون الاستقرار أعظم إذا اقتصروا على الإجابة
على الأسئلة المقدمة إليهم والتزموا في أثناء ذلك بالتراث القديم الأكثر
يقيناً والأوسع قبولاً بين الناس " (6) .




واكتملت لدى فولتير فكرة الدين الطبيعي التي ورثها عن سبينوزا ولايبنتز واشتق منها فكرة "القانون الطبيعي " حيث نجده يقول :


"إن دين أهل الفكر دين رائع خال من الخرافات والأساطير المتناقض وخال من
العقائد المهينة للعقل والطبيعة …لقد منع الدين الطبيعي آلاف المرات
المواطنين من ارتكاب الجرائم …أما الدين المصطنع فإنه يشجع على جميع مظاهر
القسوة … كما يشجع على المؤامرات والفتن وعلى أعمال القرصنة وقطع الطريق
..ويسير كل فرد نحو الجريمة مسروراً تحت حماية قديسه " .


ويقول : "هناك قانون طبيعي مستقل عن الاتفاقات الإنسانية ..يبدو لي أن
معظم الناس قد أخذوا من الطبيعة حساً مشتركاً لسن القوانين " (7).




وإذا كان روسو وفولتير لم يدركا الثورة الفرنسية ، فإن الفيلسوف الألماني
"كانت" 1804 م عاصرها واشتهر بتأييدها ، وهو الذي طور فكرة العقد
الاجتماعي في كتابه "الدين في حدود العقل وحده " (Cool.




كما أن كاتباً ثائراً معاصراً لها ،هو " وليم جدوين " ، نشر سنة 1793 كتاب "العدالة السياسية " الذي كان دعوة علمانية صريحة (9).




وهكذا بتأثير هذا الفكر اللاديني جسمت الثورة الفرنسية الفكرة الفلسفية
القديمة بإقامة مجتمع يرفض القيم والأخلاق الدينية ويجعل العلاقات النفعية
المحضة هي الرباط المقدس الوحيد .









ثانياً - وقوف الكنيسة ضد مطالب الجماهير :



كان من الممكن ألا تعتنق الجماهير المسيحية افكار الكتاب العلمانيين
هؤلاء وتتخلى عن عقيدتها الراسخة لولا الموقف الشائن الذي وقفته الكنيسة
من مطالبهم المشروعة .


ربما كان للكنيسة عذر أو بعض عذر في شكوكها الحائمة حول القائمين على
الثورة لكن الأمر الآن أفلت من يدها ، فإن هيجان الرعاع الهالكين جوعاً
وظلماً لا يسمح لهم بالتروي والأناة في مثل هذه المواقف الصاخبة ، وأصبح
لزاماً عليها أن تسدد ديون قرون طويلة من الاستغلال البشع والطغيان الجائر
.


إن ذهن الفلاح الساذج قد لا يستطيع أن يستوعب شيئا من أفكار روسو
وانتقادات فولتير لكنه يستطيع بسهولة أن يرى مخازي الكرادلة والقساوسة
وفضائحهم وثراءهم البازخ . .لقد رأى بأم عينيه ما عبر عنه توماس جفرسن
بقوله :


"إن القسيس في كل بلد وفي كل عصر من أعداء الحرية ، وهو دائماً حليف
الحاكم المستبد يعينه على سيئاته في نظير حمايته لسيئاته هو الآخر " (10)
.وكان ذلك مدعاة لان تصب الجماهير جام غضبها على الكنيسة وتصرخ خلف
"ميرابو " : (اشنقوا آخر ملك بأمعاء آخر قسيس).






[color:168b=Red:168b]ثالثاً - القوى الشيطانية الخفية (11) :




كان من الممكن -كذلك - أن نثأر الجماهير من الكنيسة فتصادر أملاكها وتقضي
على نفوذها وتظل مع ذلك مؤمنة بدينها وفيه لتاريخها متمسكة بتقاليدها
العريقة لولا أنه وجد عامل آخر قلب أهداف الثورة وحول خط سيرها .


عندما اندفعت الجموع الغوغائية لهدم الباستيل - رمز العبودية والاستبداد - لم تكن ترفع سوى شعار واحد هو "الخبز " والخبز وحده .


غير أنها لم تبدأ في قطف أولى نتائج ثورتها حتى وجدت نفسها تهتف بشعار
الحرية المساواة الإخاء ، وهو شعار لقنت إياه تلقيناً ،وبرز أيضاً شعار
آخر لم يكن الرعاع ليصنعوه هو "لتسقط الرجعية " وهي كلمة ملتوية تعني
الدين .


وعندما كانت المقصلة دائبة العمل كان الضحايا يقدمون على مذبحها بحجة
واحدة هي أنهم من أعداء "الشعب " مع أنه كان بينهم من يعرف الشعب براءته ،
ودهش الشعب حين كان يرى من يقرأ بيان القتل اليوم باسم الشعب يقدم هو نفسه
غاص إلى المقصلة باسم الشعب أيضاً . إذن ما وراء هذه التطورات المفاجئة
والتدبيرات الغربية ؟


يدعى اليهود في تبجح وغرور أنهم صناع الثورة الفرنسية ومدبروها فتقول
البروتوكولات : "تذكروا الثورة الفرنسية التي نسميها الكبرى "إن أسرار
تنظيمها التمهيدي معروفة لنا جيداً لأنها من صنع أيدينا وتقول :


(كذلك كنا قديماً أول من صاح في الناس "الحرية والمساواة والإخاء كلمات ما
انفكت ترددها منذ ذلك الحين ببغاوات جاهلة متجمهرة من كل مكان حول هذه
الشعائر ) (12)


وصدق ذلك بعض الكتاب من أمثال وليم كار في " أحجار على رقعة الشطرنج" وسيبريدوفيتش في "حكومة العالم الخفية" (13) .


والواقع أنها دعوى مسرفة يعلم مقدار المبالغة فيها من له بصيرة بحركة سير التاريخ وسنة الله فيه .



كان اليهود يعانون من المسيحيين أشد احتقار وازدراء ، وكانوا بحكم
الذلة التي ضربها الله عليهم ، أمة مرذولة مستهجنة أينما حلت وسارت ،
منطوية على نفسها في مجتمع منعزل " الجيتو " ، ولم ينعموا بالحياة الكريمة
إلا في ظل الحكم الإسلامي .


والمفارقة العجيبة أن هذ الشعب الحقير الممتهن يملك تراثا عريقا ينفث في
نفسه الكبرياء الكاذبة ، والاثرة البغيضة ويعده الوعود الخيالية ،
فالتلمود كتابهم الخطير يقول : "تتميز أرواح اليهود عن باقي الأرواح بأنها
جزء من الله ، كما أن الابن جزء من والده " فهم شعب الله المختار أما
غيرهم فيقول عنه التلمود "الخارج عن دين اليهود حيوان فسمه كلباً أو
حماراً والنطفة التي هو منها التي هو منها هي نطفة حيوان " (14) .



وهكذا نجد اليهود يرون أنهم شعب الله المختار ولهم وحدهم خلقت خيرات
الكون وكنوزه وان الله أوجب عليهم إبادة كل الأميين (غير اليهود ) لأنهم
كفار ووثنيون والقضاء عليهم لا يتم إلا بالقضاء على أديانهم وتدمير
أخلاقهم .




إلى جانب ذلك كانت العداوة التي أغرى الله بين اليهود والنصارى وهي عداوة
تقليدية لا تنفك بحال ، وكان اليهود في ظل فرنسا الكاثوليكية أقلية محتقرة
لا تحسب في عداد المواطنين وليس لها "حق المواطنة " وكان اليهود موقنين من
أن تحقيق أحلام التلمود بكسر أطواق الذل المضروبة عليهم والخروج من الجيتو
للسيطرة على الأميين لن يتم ما دام في الكنيسة عرق ينبض فكانوا يتحينون
الفرصة للإجهاز عليها ويتلهفون شوقاً إلى اليوم الذي يثأرون فيه منها ومن
دينها وأخلاقها ويسطيرون على اتباعها .



فلما نزلت الضائقة الاقتصادية واندلعت الثورة على الكنيسة وجدها
اليهود فرصة ذهبية لا ينبغي أن تفوت - وهي فرصة ساقتها المقادير إليهم وما
صنعوها كما يزعمون إلا أنهم أجادوا استغلالها .



وحين يقول فشر "أن أرباب الأموال مولوا الغوغاء "الذين قاموا بالثورة
نستطيع أن نعرف أن أرباب الأموال هؤلاء ليسوا سوى المرابين اليهود لان من
عداهم كانوا هدفاً للثورة .




واستطاع اليهود أن يتغلغلوا في منظمات الثورة المختلفة كالجمعية التأسيسية
ونادي اليعاقبة وبلدية باريس ، وأن ينفثوا تلك الشعارات التي رددتها
الجماهير ببلاهة لا سيما شعار الثورة البارز "الحرية والإخاء والمساواة "
هذا الشعار الذي قامت عليه الثورة وحققته كان له عند اليهود تفسير آخر :


فهم يقصدون بالحرية تحطيم القيود الأخلاقية والتقاليد الموروثة التي تحول
بينهم وبين إفساد الأمم وتدميرها . ويقصدون بالإخاء والمساواة كسر الحواجز
النفسية والاجتماعية التي تحول بينهم وبين الانسلال إلى أجهزة الدولة
وتنظيماتها ، وإذابة الفوارق الدينية بينهم وبين غيرهم كى تزول عنهم وصمة
الاحتقار والمهانة .


وهكذا نجحوا في تحويل الثورة من ثورة على مظالم رجال الدين نفسه وجعلوا
لفظة الدين عند الشعوب الأوربية مرادفة للظلم والرجعية والتخلف والاستبداد
.



وأيا ما كان الأمر فإن الثورة الفرنسية كانت فاتحة عصر جديد في
التاريخ الأوروبي ، إذ توالت الثورات كالبراكين في أنحاء القارة وعرفت
أوروبا - ربما لأول مرة - شيئاً اسمه حقوق الإنسان ، ولا تزال تنسبه لهذه
الثورة إلى اليوم ، وكان نجاح أي ثورة يعني انهيار النظام الإقطاعي
وانهيار نفوذ الكنيسة ، ولذا فإن من الطبيعي لتغير عميق كهذا أن يصحبه
فراغ هائل في المعتقدات والقيم . فإذا علمنا أن هناك من يستغل هذا الفراغ
لتحطيم إنسانية الإنسان وتدمير قيمه ، أدركنا المغزى الحقيقي للحرية التي
نادت بها تلك الثورات .



إن كل الشعارات البراقة التي رفعت لتحل محل الإيمان الديني لم تف
بهذا الغرض ، كما فشلت جمع الدساتير والنظم في جلب الاستقرار للقارة ،
ولذلك شهدت أوروبا في الفترات التالية ما لا يحصى من الاتجاهات الفكرية
والاجتماعية الحائرة كما شهدت حروباً طاحنة مدمرة جعلت خريطة أوروبا عرضة
للتغير المستمر ، وحلت الفاجعة الكبرى بالدين والأخلاق والتقاليد التي
أصبحت ينظر إليها وكأنها قطعة متحجرة من الماضي البغيض








.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
http://www.boundk.tk
Bound2
*ابــــــــالبناديقــــــــــــــو*
*ابــــــــالبناديقــــــــــــــو*
Bound2


عدد الرسائل : 1286
العمر : 32
تاريخ التسجيل : 25/03/2007

مبادئ الملاحده الفكريه والرد عليها OoO متجدد OoO Empty
مُساهمةموضوع: رد: مبادئ الملاحده الفكريه والرد عليها OoO متجدد OoO   مبادئ الملاحده الفكريه والرد عليها OoO متجدد OoO Icon_minitimeالإثنين يونيو 04, 2007 8:43 pm

">">"> الــــــــــرا الفصل بــــــــــــع <"<"<"



=>=>=> نظريـــــــــــــــــــــــــــــــ التطور ــــــــــــــــــــــــــــــــة <=<=<=


>> .. <<

قبل أن تبصر نظرية ( داروين) النور كان الإيمان المسيحي والأخلاق المسيحية قد تعرضا لضربات قاسية وهزات عنيفة :


تهافت النظرية المسيحية عن الكون ، انتقادات سبينوزا و فولتير الشديدة ،
الثورة الفرنسية وما أصاب الكنيسة على يدها من نبات ، النظرية الآلية (
الميكانيكية ) المنبثقة من نظرية نيوتن ، الدين الطبيعي الذي نادى به
الفلاسفة العقليون نظرية التطور الفكري كما تخيلها كومت ، النجاح الذي
صادفه المذهب اللاإرادي ومذهب الربوبيين الجمعيات السرية الهدامة وأفكارها
الموبوءة … وأحداث فكرية واجتماعية لا يظهر أحدها إلا وينهش من جسد
الكنيسة نهشة أو يطوح من بنيانها بلبنة أو لبنات .




لكن ذلك كله لم يكن ليسمح لأي مفترض أو متكهن بأن يتنبأ بانهيار كامل
للمسيحية قبل قرون عدة ، على الأقل ، فقد بقيت رغم الطعنات النافذة كياناً
قائماً تدعمه عواطف الكثرة الكاثرة من الناس . وتسانده موروثات عميقة
الجذور من القيم والمثل والتقاليد .


نعم ، لقد تغيرت نظرية الناس إلى المسيحية لكنها - إلى ذلك الوقت - لم
تتغير بالنسبة للتصور الديني في حد ذاته فقد بقى هذا التصور سائغاً ، بل
متأصلاً ، بدليل الجهد الذي بذله الفلاسفة لاصطناع دين طبيعي أو دين
أنساني - كما يدعون - .




وتغيرت كذلك نظرية الإنسان إلى الكون وحجمه فيه لكن نظرته لم تتغير
أبدا بالنسبة لإنسانيته وتفرده بوصفه كائناً روحياً متفوقا على كل
الموجودات ، إن لم يكن بجسه فبعقله وروحه .




وتغيرت نظرية الناس إلى حركة التاريخ وخط سير الحياة ولكن لم يكن في
وسع أحد أن يعتقد - أو أن يجاهر - بأنه لا توجد قيم ثابتة ولا أخلاق ثابتة
ولا تقاليد ثابتة .





ولقد صدق الناس الكثير مما قاله أعداء الدين ، كفولتير وهيوم ودولباخ ، ولكنهم إلى الآن يعدون مثل هؤلاء الناس ملاحدة ومجدفين .


وفي سنة 1859 نشر الباحث الإنجليزي ( تشارلز داوين ) كتابه (( أصل الأنواع
)) (1) فأحدث ضجة لم يحدثها أي مؤلف آخر في التاريخ الأوربي قاطبة ، وكان
له من الآثار في المجالات الفكرية والعلمية ما لم يكن في الحسبان .


والغرض الذي يدور حوله الكتاب هو افتراض تطور الحياة في الكائنات العضوية
من السهولة وعدم التعقيد إلى الدقة التعقيد ، وتدرجها من الأحط إلى الأرقي
، وأن الفروق الخلقية داخل النوع الواحد تنتج أنواعاً جديدة مع مرور
الأحقاب الطويلة ، ولذلك يفترض داروين أن أصل الكائنات العضوية ذات
الملايين من الخلايا كائن حقير ذو خلية واحدة .


وحسب قانون (( الانتقاء الطبيعي وبقاء الأنسب )) نمت الأنواع التي استطاعت
التكييف مع البيئة الطبيعية ومصارعة الكوارث المفاجئة وتدرجت في سلم الرقي
في حين هلكت الأنواع التي يحالفها الحظ في ذلك .


وعلة ذلك أن الطبيعة - حسب تعبير داروين - وهبت بعض الكائنات عوامل البقاء
ومؤهلات حفظ النوع فإضافة أعضاء أو صفات جديدة تستطيع بواسطتها أن تتوائم
مع الظروف الطارئة ، وقد أدى ذلك إلى تحسن نوعى مستمر نتج عنه أنواع جديدة
راقية كالقردة ونوع أرقى وهو الإنسان ، أما البعض الآخر فقد حرمته الطبيعة
من ذلك فتعثر وسقط ، والطبيعة إذ تهب هذا وتحرم ذاك لا تنتهج خطة مرسومة ،
بل تخبط خبط عشواء - على حد قوله - كما أن خط التطور ذاته متعرج ومضطرب لا
يسير على قاعدة منطقية مطردة.





ذلك بإيجاز شديد هو لب النظرية التي طلع بها داوين في ذلك الكتاب وهى في
جوهرها فرضية بيولوجية أبعد شيء عن أن تكون نظرية فلسفية عامة كما أنها
بعدة على أن تكون حقيقة علمية ثابتة .


ولقد قال عنها اثنان من أساطين علم الأحياء في القرن الماضي ، وهما أوين في إنجلترا وأغاسيز في أمريكا .





(( إن الأفكار الداروينية مجرد خرافة علمية وأنها سوف تنسى بسرعة )) (2) .





ولن نبحث الآن في السبب الذي لأجله خاب ما توقعه هذان العالمان لكننا
نستدل على حقيقة ما كان متوقعاً لها ابان ظهورها من قبل أصحاب الفن
المعترف بهم .


والواقع أن الجديد الذي جاء به داروين ليس فكرة التطور ذاتها ، ولكنه
القانون الذي تسير عليه عملية التطور ، بغض النظر عن قيمته العلمية .


فقد عرفت الفكرة سلفاً من قبل علماء اكتشفوا من استقرائهم للتاريخ
البيولوجي للحياة أن الحياة لم توجد على الأرض دفعة واحدة ، كما يتوهم
الناس ، بل وجدت تدريجياً في ترتيب تاريخي ، ولاحظوا أن الأنواع لمتأخرة
في الظهور أكثر رقياً من الأنواع المتقدمة ومن هؤلاء (( راى ، وباركنسون ،
ولينو ))




أما السبب في إهمال النتائج التي توصلوا إليها فهو - على ما يبدو -
التفسير الذي قدموه للتطور فقد قال هؤلاء (( إن التطور خطة مرسومة فيها
رحمة للعالمين )) (3) ولذلك وصفت نظريتهم بأنها (( لاهوتية )) وكان ذلك
كافيا لإضفاء النسيان عليها حتى داخل معامل الأحياء .





ذلك أن الصرع بين العلم والدين إنذاك كان في حالة من الهيجان لا تسمح بانتشار نظرية تشم منها رائحة إله الكنيسة السفاح الحقود !!





وكان العلم النيوتنى قد ألقي في روع أعداء الكنيسة إمكان تفسير الظواهر
الطبيعية (( ميكانيكياً )) أي دون الحاجة إلى مدبر ، ولذلك فلم تكن ظروف
الصراع تستدعى إلا إيجاد فكرة عن الحياة تقوم على قانون ميكانيكي كقانون
نيوتن في الفلك .





وفعلاً حاول الكثيرون الحصول على شرف اكتشاف هذا القانون فبذل كل من ((
بوفون )) و (( لا مارك )) و (( كوفييه )) و (( بترس كمبر ))جهوداً مضنية
في هذا الشأن . أما داروين فقد استطاع العثور على ذلك القانون المزعوم من
طريق بعيد عن مجال الحياة والأحياء ، إذ استوحاه من علم خر هو (( علم
دراسة السكان )) ومن نظرية (( مالتوس ))بالذات (4) .





استنتج داروين من إفناء الطبيعة للضعفاء لمصلحة بقاء الأقوياء ، كما توهم
مالتوس ، قانونه في التطور المسمى (( الانتقاء ( أو الانتخاب ) الطبيعي
وبقاء الأنسب )) وبواسطته والاستعانة بأبحاث (( ليل )) الجيولوجية تمكن من
صياغة نظرية ميكانيكية للتطور ، فعثر أعداء الدين على ضالتهم المنشودة .





وقبل أن نبحث عن الآثار التي خلفتها النظرية في مختلف الحقول والميادين يحسن بنا أن نقف لنرى مكانها من العلم والحقائق العلمية :


وأول ما ينبغي مراعاته بهذا الشأن هو التفرقة بن جوهر النظرية نفسها وبين
الإيحاءات الفلسفية والتفسيرات المنبثقة عنها والتطبيقات التعسفية لها وهى
أمور ربما لم تخطر لداروين على بال ، كما أنها ليست نظريات علمية ، إذ كان
الوضع الطبيعي للنظرية حتى في حالة ثبوتها كحقيقة علمية أن تظل محصورة
داخل المعمل متجردة من ذلك كله .


وأول من نقض هذه النظرية علمياً هم العلماء المعاصرون لداروين ، وقد مر
قول أغاسيز وأوين قريباً ، وانتقدها كذلك العالم الفلكي الشهير (( هرشل ))
ومعظم أساتذة الجامعات في القرن الماضي .





ولنضرب من هؤلاء صفحاً فربما قيل أنهم هاجموها لأسباب دينية أو عاطفية
ولننظر إلى ما نال هذه النظرية على يد أكثر الدراوينيين حماسة وتعصباً :


لقد اضطر أصحاب (( الداروينية الحديثة )) إلى إجراء سلسة من التعديلات على النظرية تستحق أن توصف - علمياً - بأنها نظريات جديدة .


فأرغموه على الاعتراف بأن قانون ( الانتقاء الطبيعي ) قاصر عن تفسير عملية
التطور فأضافوا واستبدلوا به - في الواقع - قانوناً جديداً أسموه (( قانون
التحولات المفاجئة )) أو (( الطفرات )) (5) وهو قانون لا سند له إلا
المصادفة البحتة .


ثم أرغموه على القول بأنه ليس هنالك أصل واحد نشأت عنه الحياة كلها كم
تخيل داروين بل آن هناك أصولاً عدة تفرع عن كل منها أنواع مستقلة .


ثم أرغموه - كذلك - على الاعتراف بتفرد الإنسان (( بيولوجياً )) رغم التشابه الظاهري وهو المنزلق الذي سقط منه داروين ومعاصروه .





يقول جوليان هكسيلى ، بعد أن سرد الكثير من خصائص الإنسان الفذة : (( هكذا
يضع علم الأحياء الإنسان في مركز مماثل لما أنعم عليه كسيد المخلوقات كما
تقول الأديان )) (6) . ومن الداروينيين المتعصبين - أرثركيت - الذي اضطر
إلى كتابة النظرية من جديد (7) رغم اعترافه بأنها لازالت حتى الآن بدون
براهن كما سيأتي :


ومن أشهر التطوريين المحدثين (( ليكونت دى نوى )) وهو في الحقيقة صاحب نظرية تطورية مستقلة ، ومع ذلك فهو يقول :


(( أما تطور الكائنات الحية بجملتها فإنه يناقض علم المادة الجامدة
تناقضاً تاماً وهو يتنافي مع المبدأ الآتي من مبادئ علم القوة الحرارية
وهو حجر الزاوية في علمنا المرتكز على قوانين المصادفة فلا سبب التطور و
حقيقته يدخلان في نطاق علمنا الحاضر وليس عالم يستطيع إنكار ذلك (Cool .



ذلك هو موقف أنصار النظرية فماذا قال العلماء المحايدون في هذا القرن؟






يقول كريسى موريسون : (( إن القائلين بنظرية التطور لم يكونوا يعلمون
شيئاً عن وحدات الوارثة )) ( الجينات ) وقد وقفوا في مكانهم حيث يبدأ
التطور حقا أعنى عند الخلية (9) .


أما أنتونى استند في كتابه ( العلم بقرة مقدسة ) فيناقش مشكلة الحلقة
المفقودة ، وهى ثغرة من ثغرات كثيرة عجز الداروينيون عن سدها بقوله :


(( إنه لأقرب من الحقيقة أن نقول أن جزءاً كبيراً من السلسلة مفقود وليس حلقة واحدة بل أننا لنشك في وجود السلسلة ذاتها )) (10)


ويقول ( ستيوارت تشيس ) : (( أيد علماء الأحياء جزئياً قصة آدم وحواء كما
ترويها الأديان … وإذا كانت تواريخ سفر التكوين في التوراة خاطئة وحوى
كثير من الحذف والتهذيب والبيان الشاعري فإن الفكرة صحيحة في مجملها
))(11)





وليت شعري ماذا سيقول هذا الرجل لو قرأ القصة كما وردت في القرآن - وتقول مجلة العلوم المصورة :


(( إن العلم يؤيد قصة أدم وحواء إلى حد ما ، إننا نعترف بحقيقة فكرة الأسرة البشرية ذات الأصل الواحد )) (12)


ويقول أوستن كلارك : (( لا توجد علامة واحدة واحدة تحمل على الاعتقاد بأن
أيا من المراتب الحيوانية الكبرى ينحدر من غيره ، إن كل مرحلة لها وجودها
المتميز الناتج عن عملية خلق خاصة متميزة ، لقد ظهر الإنسان على الأرض
فجأة وفي نفس الشكل الذي نراه عليه الآن (13) .




هذا من الوجهة العلمية ، فما الحكم على النظرية من الوجهة المنطقية المجردة ؟
إن نظرية التطور تقوم على أصلين كل منهما مستقل عن الآخر :


أن المخلوقات الحية وجدت على الأرض في مراحل تاريخية متدرجة ولم توجد دفعة واحدة .


إن هذه المخلوقات متسلسلة وراثياً نتج بعضها من بعض بطريق التعاقب خلال عملية التطور البطيئة الطويلة .





والذي عملته الدارونية : أنها دمجت بين الأصليين وجمعت شواهد ودلائل الأصل
الأول لتؤيد بها الثاني . وهذا اللبس غير العلمي هو الذي أغرى بعض العلماء
بقبول النظرية وأضفى عليها المسحة (( العلمية )) مع أن هذه المسحة يصح أن
تضفي على الأصل الأول ولكن إضفائها على الثاني خطأ محض ، إذ من المعلوم
بديهياً أن الترتيب التاريخي للوجود لا يستلزم التسلسل الوراثي بل أن
العقل ليؤكد ما هو ابعد من ذلك وهو أن الترتيب المنطقي لا يستلزم الترتيب
التاريخي فالترتيب المنطقي للكائنات الحية هو - تصاعديا - النبات ثم
الحيوان ثم الإنسان وليس في هذا الترتيب ما يدل على الوجود التاريخي لهذه
الأجناس وقع بهذا الترتيب بل نحتاج في إثبات ذلك إلى دليل خارجي وذلك يشبه
تماماً الترتيب المنطقي للأعداد : ( 1،2،3،4) وبديهي أنها ليس لها ترتيب
تاريخي ولا يوجد بينها علاقة وراثية .





ولن نفيض في مناقشة النظرية أكثر من هذا ، لكن ألا يحق لنا الآن أن نسأل :
إذ كان هذا هو حكم العلم والعقل على النظرية ، وإذا كانت تتعرض للطعون
والاعتراضات من كل جهة فلم يتشبث بها بعض علماء الغرب - بغض النظر عن
غيرهم - ويصرون عليها إصراراً أعمى ؟





والجواب على ذلك أقرب ما يكون إلينا : أنه الفصام النكد والعداوة الشرسة
التي قامت بين العلم والدين في ظروف غير طبيعية ، ولقد كفانا السير أرثر
كيث مؤونة الجواب بقوله :


( إن نظرية النشوء لازالت حتى الآن بدون براهين - وستظل كذلك - والسبب
الوحيد في أننا نؤمن بها هو أن البديل الوحيد الممكن لها هو الإيمان
بالخلق المباشر وهذا غير وارد على الإطلاق ) (14)


وإضافة إلى ذلك يقول واطسن : (( إن علماء الحيوان يؤمنون بالنشوء لا
كنتيجة للملاحظة أو الاختبار أو الاستدلال المنطقي ولكن لأن فكرة الخلق
المباشر بعيدة عن التصور )) (15)


ويقول د.هـ سكوت (( نظرية النشوء جاءت لتبقى ولا يمكن أن نتخلى عنها حتى لو أصبحت عملاً من أعمال الاعتقاد )) (16)


موقف واضح صريح ، أدنى ما يوصف به هو ما قاله ليكونت دى نوى حين اعترض
عليه بعض المتعالين بسبب استعماله كلمة (( الله )) في أحد كتبه قال :


(( آن عدم التسامح المنتشر في القرون الوسطى لم يمت مع أنه أنتقل إلى
المعسكر الثاني)) (17) وهذا حق فإن الموقف غير العلمي الذي يتخذه هؤلاء
المسمون ( علماء ) هو بعينه موقف الكنيسة في عقيدتها القائلة بأن الله خلق
أدم خلقاً مستقلاً سنة 4004ق.م فإذا كان هناك من فرق فإن الكنيسة لم تدع
أنها ( علمية ) كما يفعل هؤلاء المتعصبون . وان في هذه الاعترافات الصارخة
لعبرة بالغة للببغاوات في الشرق لو كانوا يعتبرون !!
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
http://www.boundk.tk
Bound2
*ابــــــــالبناديقــــــــــــــو*
*ابــــــــالبناديقــــــــــــــو*
Bound2


عدد الرسائل : 1286
العمر : 32
تاريخ التسجيل : 25/03/2007

مبادئ الملاحده الفكريه والرد عليها OoO متجدد OoO Empty
مُساهمةموضوع: رد: مبادئ الملاحده الفكريه والرد عليها OoO متجدد OoO   مبادئ الملاحده الفكريه والرد عليها OoO متجدد OoO Icon_minitimeالإثنين يونيو 04, 2007 8:43 pm

.*.*.*.
>>..<<






أولاً - انهيار العقيدة الدينية :





وجد الإلحاد في العلم الغربي المسيحي قبل داروين فقد أباحت الثورة
الفرنسية حرية الإلحاد تحت شعار ( حرية الاعتقاد ) وقدمت الميكانيكية
النيوتونية للملاحدة خدمة كبيرة ، لكن الإلحاد ظل حتى سنة 1859 قضية
فلسفية محدودة النطاق وظلت العقيدة المسيحية محتفظة بمركز قوى ليس في
الطبقات الدنيا من الشعب فحسب بل حتى في الجامعات الأكاديمية العلمية التي
كانت في الغالب هيئات دينية أو خاضعة لنفوذ رجال الكنيسة .


وبعد سنة 1859 أصيب العالم بنقص حقيقي في الإيمان - على حد تعبير ويلز -
بسبب ما أشاعه أعداء الدين من تفسيرات باطلة لنظرية التطور ، والاستغلال
البشع الذي قام به المغرضون ، والحماس المنقطع النظير الذي استقبلت به
النظرة ، أما موقف الكنيسة فقد كان مهزوزاً منذ البداية لا سيما وان الزمن
قد أثبت خطأ المواقف التي اتخذتها من النظريات الكونية السابقة ولذلك نخشى
الكثير من المتعاطفين معه أن يقعوا في الخطأ نفسه ، ناهيك عن أعداء الدين
شهروا بالدين ورجاله أشنع تشهير .





ونشبت معركة من أعظم المعارك الفكرية في التاريخ واشتط أصحاب النظرية في
موقفهم وتطرفوا إلى حد إنكار التصور الديني جملة وإعلان إلحادهم الصريح كم
تطرفت الكنيسة وأشياعها فأعلنت كفر وهرطقة كل من لم يكن في جانبها .





وانتهت المعركة إلى نتيجة مفزعة : فقد تزلزلت العقائد الدينية جملة ، وانتشر الإلحاد وشاع بطريقة غريبة وشاذة .


والواقع أن طبيعة الفلسفة المسيحية تجعلها أكثر الأديان تعرضاً للانهيار
في حالة ثبوت النظرية ، صحيح أن الأديان كلها تؤمن بعقيدة الخلق المستقل
لكن المسيحية تزيد على ذلك بأنها تجعل هذه العقيدة قطب الرحى للإيمان
المسيحي برمته .


فالمسيحية البوليسية تعتقد أن الله خلق أدم وحواء ونهاهما عن الأكل من
شجرة معرفة الخير والشر فأغرتهما الحية فأكلا من الشجرة فارتكبا بذلك
خطيئة لا تغتفر وظل الجنس البشرى يرسف في أغلال الخطيئة الموروثة حتى رحم
الله العالم فأرسل ابن الوحيد - تعالى عن ذلك - الذي هو الأقنوم الثاني من
الثالوث فقتل على الصليب ليخلص البشرية من الخطيئة .


وهذه العقيدة هي محور التعاليم الكنسية ولا يمكن بحال أن يعد المرء مؤمناً
بالمسيحية ما لم يعتقدها ، لذلك فبديهي أن تقض نظرية داروين مضاجع رجال
الدين والغيورين من المسيحيين الذين رأوا - محقين -أن التصديق بأن الإنسان
خلق بالطريقة التي فسرها داروين معناه بوضوح أنه لم يكن هناك آدم ولا حواء
ولا عدن ولا خطيئة (( وإذا لم يكن ثمة خطيئة فإن الصرح التاريخي للمسيحية
وقصة الخطيئة الأولى والكفارة التي أسس عليها التعليم الساري للعواطف
المسيحية فإن كل ذلك ينهار كبيت من ورق اللعب (18) وما دام أن الإنسان
الغربي عموماً لا يعرف عن الدين إلا أنه المسيحية فإنه سيجد نفسه تلقائياً
قد أصبح ملحداً .





يقول ويلز :

(( الحق أنه لم يخل عصر من
العصور من متشككة في المسيحية …على أن هؤلاء كانوا إناساً غير عاديين أما
الآن ( أي بعد نظرة داروين ) فقد أصبحت كل المسيحية بوجه الإجمال متشككة
إذ مست الخصومة كل إنسان قرأ كتاباً أو سمع محاورة بين اذكياء )) (19)حول
النظرية .


والحق الذي لا مرية فيه أن هذه النظرية لو تركت وشأنها أو وجدت في غير
الظروف والملابسات التي وجدت فيها لما كان لها هذا الشأن كله أو على الأقل
لما استشرت إيحاءاتها وصبغت الحياة والفكر بهذه السرعة المخيفة ، ولكن
الذي أعطى الداروينية هذا الحجم الكبير هو تضافر عاملين خارجيين عنها هما :




1: الظروف التاريخية السيئة :

فقد
ولدت النظرية في عصر كان فيه الصراع بين العلم والدين على أشده وكانت
الثورة الصناعية قد أخذت تطمس ملامح المجتمع الأوربي وتصبغه بصبغة جديدة
متحللة من الدين والأخلاق ، وكان الإنسان الأوربي في كل مكان يتحفز للأخذ
بثائره من رجال الكنيسة الذين أذاقوه ألوان الذل والاستعباد فكان ظهور
النظرية فتحاً جديداً بالنسبة لهم ، صحيح أن الجماهير وقفت أول الأمر
بجانب الكنيسة ضد داروين ( ولكن موقف الجماهير بعد ذلك تغير فلئن كانت قد
عز عليها أن يسلبها داروين إنسانيتها ويردها إلى أصل حيواني فقد أخذت تشمت
في الكنيسة ورجالها الذين وجدت أن الفرصة سانحة للتخلص من نيرها المرهق
وسلطانها البغيض (20) .




هذا بالإضافة إلى طبيعة الإيمان المسيحي ذاته فهو إيمان عاطفي لا
يقوم على الاقتناع العقلي بل على العكس تماماً فسواء لدى من أوتى حظاً من
الثقافة والمعرفة أن اله الكنيسة قد قتل أبنه ليخلصه من الخطيئة أم لم
يفعل ذلك فهو أصلا غير مقتنع بأنه ولد مخطئاً وأن للرب أبن ، كما أن عقيدة
التثليث والأساطير المسيحية الأخرى تسبب لعقله إزعاجاً مستمراً. لذلك فلا
غضاضة في أن يضحي بهذه العقيدة الهشة في سبيل نجاته من قبضة الكنيسة
الجائرة .
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
http://www.boundk.tk
Bound2
*ابــــــــالبناديقــــــــــــــو*
*ابــــــــالبناديقــــــــــــــو*
Bound2


عدد الرسائل : 1286
العمر : 32
تاريخ التسجيل : 25/03/2007

مبادئ الملاحده الفكريه والرد عليها OoO متجدد OoO Empty
مُساهمةموضوع: رد: مبادئ الملاحده الفكريه والرد عليها OoO متجدد OoO   مبادئ الملاحده الفكريه والرد عليها OoO متجدد OoO Icon_minitimeالإثنين يونيو 04, 2007 8:44 pm

>>..<<











.*.*.*. الاستغلال البشع للنظرية من قبل القوى الشيطانية الهدامة.*.*.*.


>>..<<غني
عن البيان أن نقول: إن اليهود يخططون للقضاء على البشرية و(استحمارها) من
طريق القضاء على دينها وأخلاقها وتقاليدها، فهي حقيقة آمن بها كثير من
العقلاء في الغرب، وإن الزمن ليكشف تدريجياً خيوط المؤامرة الشيطانية التي
يدبرونها ضد الجنس البشرى بجملته، وما من شك في أن نظرية داروين سلاح فتاك
لم يكن هؤلاء ليحلموا به.



تقول البروتوكولات : (لا تتصوروا أن تصريحاتنا كلمات جوفاء، ولاحظوا هنا
أن نجاح داروين وماركس ونيتشة قد رتبناه من قبل، والأثر غير الأخلاقي
لاتجاهات هذه العلوم في الفكر الأممي سيكون واضحاً لنا على التأكيد، [218]
ويستطيع المرء أن يتأكد من حقيقة هذه الدعوى إذا استعرض السرعة المذهلة
التي طبقت بها الداروينية في مختلف مجالات الحياة وميادين العلوم والفكر
والرءوس اليهودية البارزة في هذا التطبيق، ولعلنا الآن نتذكر السبب في
خيبة النبوءة التي تنبأ بها أوين وأغاسيز لمستقبل الداروينية .



وليس التطبيق العاجل للنظرية والرواج المنقطع النظير هو السبب الذي يؤكد ذلك، فهناك أسباب أخرى مؤيدة.



الإهمال الكامل للنظريات التطورية اللاهوتية ، حتى إن (والاس ) قرين
داروين وشريكه في اكتشاف النظرية لا يكاد يعرف عند غير المختصين، وليس
لذلك من علة، إلا أنه قال بأن وراء عملية التطور قوة مدبرة [219] .



الطريقة الغريبة التي استقبلت وأشيعت بها النظرية، والتي جعلت الناس
يتلقفونها لا بوصفها نظرية علمية بل كما لو كانت ديناً جديداً بالفعل،
وطرحت لا كمناقض للمسيحية فحسب بل كبديل لها.



التمجيد الأسطوري لصاحب النظرية فقد حاز داروين من الشهرة ما لم يظفر به
أعظم خدام البشرية من أمثال (باستور وفلمنغ وأديسون ) وجعله مؤرخو الفكر
الغربيون أعظم محرر للفكر البشري، بل إن بعضهم ليشبهه بالمسيح، وقال عنه
أرنست هيكل : (إنه أطلس يحمل عالم الفكر على منكبيه)، ووصفه آخرون بأنه
(قاهر الطبيعة) [220] .



الحملة الصحفية المكثفة للتشهير بأعداء النظرية، وتحيز الصحف شبه الكامل
لـداروين على الكنيسة، إذ كانت الصحافة قد وقعت في قبضة المرابين اليهود،
بفضل المركز المالي الذي هيأته لهم الثورة الصناعية.



وهذه جميعاً دلائل واضحة على أن المعركة لم تكن طبيعية، وأن عنصراً غريباً
كان ينصب شباكه في الظلام للإجهاز على القيم الدينية والأخلاقية، وهو غاية
ما تهدف إليه البروتوكولات .



ولقد كانت النتيجة المنطقية لانتصار الداروينية على المسيحية وهو الانتصار
الذي سببه العاملان السابقان - أن عمت موجة الإلحاد المجتمعات الغربية،
وانتقلت منها إلى بقاع العالم الأخرى، وسيطرت الأفكار المادية على عقول
الطبقة المثقفة، وتخلت جموع غفيرة من الناس عن إيمانها بالله تخلياً
كاملاً أو شبه كامل، وطغت على الحياة الأوروبية فوضى عقائدية غريبة.



والحق أن أوروبا بعد داروين ، قد عبدت الشيطان بعد أن كانت تعبد المسيح،
عبدته مرة عن طريق عبادة الطبيعة تلك الكلمة غير العلمية، فقد قال داروين
: (الطبيعة تخلق كل شيء ولا حد لقدرتها على الخلق) وقال (إن تفسير النشوء
والارتقاء بتدخل الله، هو بمثابة إدخال عنصر خارق للطبيعة في وضع ميكانيكي
بحت) [221] .



صحيح أن الطبيعة عبدت قبل داروين ، ولكن داروين كان نبياً جديداً لها، -إن
صح التعبير- وعبدته مرة عن طريق عبادة الإنسان، وهى الفكرة التي دعا إليها
الفيلسوف اليهودي [222] (نيتشة ) قائلاً: (إن الإله قد مات وإن الإنسان
الأعلى )سوبرمان) ينبغي أن يحل محله، ومن هنا قرنته البروتوكولات بـداروين
وماركس ) كما نادى بها في القرن العشرين الـدارويني الملحد دوليان هكسلي
الذي ألف كتاب (الإنسان في العالم الحديث )، زاعماً أن الإنسان اختلق فكرة
الله إبان عصور عجزه وجهله، أما الآن فقد تعلم وسيطر على الطبيعة بنفسه
ولم يعد بحاجة إليه، فهو العابد والمعبود في آن واحد.



وعبدته مرة عن طريق عبادة المادة ولا غرابة في أن يكون نبي هذه العبادة
يهودياً كذلك، وهى ديانة ماركس التي يدين بها اليوم مئات الملايين من
البشر.



وعبدته مرة عن طريق عبادة (الجنس) وكان اليهودي فرويد هو بطل هذه العبادة.



وعبدته في صور شتى تتفق جميعها في الاستمداد من داروين ونظريته.



وهكذا نجد أن نظرية التطور أسهمت إسهاماً عظيماً في هدم العقيدة الدينية
وتحطيمها، وليس من المبالغة أن نقول: إن دورها في ذلك لا يوازيه أي نظرية
بشرية أخرى.



ثانياً: نفي فكرة الغاية والقصد:



من الحقائق التي تتطابق عليها الأديان وتتضافر على الإيمان بها العقول
والفطر السليمة؛ أن للوجود الإنساني على الأرض غاية مقصودة أرادها الخالق
واقتضتها حكمته النافذة، ومهما اختلفت الآراء والمذاهب في ماهية هذه
الغاية وتصورها، فإن حقيقتها العامة لا تقبل الجدل.



وهذه الحقيقة درجت الأجيال البشرية المتعاقبة على الإيمان بها، ليس لأنها
منبثقة عن فكرة الخلق المستقل -كما يتوهم دعاة التطور- بل لأن الفكرتين
كلتيهما عميقتان في التصور الإنساني مركوزتان في الفطرة البشرية.



لذلك نجد أن الرسالات السماوية لم تأتِ لإثبات هذه الغاية، بل للتذكير بها
وأيضاح حقيقتها، وكذلك نلاحظ أن المباحث الفلسفية كانت تركز جهدها على
الخوض في العلل الغائية للأشياء لتبني عليها نظرياتها عن الكون والحياة،
ولا تبالي كثيراً بالعلل الصورية، فكان الفلاسفة يجهدون أنفسهم في البحث
حول الغاية من خلق الإنسان ووظيفته في الوجود، دون أن يهتموا كثيراً في
كيفية الخلق وعللها المباشرة.



فلما ظهرت نظرية التطور العضوي، ونادت بأن الإنسان وليد سلسلة طويلة من
التطورات المتعاقبة، بدأت من جرثومة في مستنقع آسن وانتهت في خط سيرها
المتخبط إلى صورته الراهنة، لم يعد هناك ما يدعو إلى التفكير في الغاية من
خلق الإنسان.



إن هذه النظرية تنسب عملية التطور إلى العوامل الطبيعية البحتة، والطبيعة
كما قال داروين : (تخبط خبط عشواء) وإذن فإنه من العبث أن نبحث عن غاية
مرسومة وهدف مقصود لعملية الخلق وللوجود الإنساني، فلو أن الطبيعة وهبت
الضفدعة - مثلاً - القدرة على التطور ومنحتها ما منحته صدفة واعتباطاً
للإنسان؛ لكانت هي سيدة المخلوقات، وقد قال دوليان هكسلي : (من المسلَّم
به أن الإنسان في الوقت الحاضر سيد المخلوقات، ولكن قد تحل محله القطة أو
الفأر) [223] .



وكان ظهور هذه النظرية في عصر ازدهار النظرية المكانكية أحد العوامل
المشجعة على قبولها فكلا النظريتين ترجع الحوادث الكونية كلها إلى قوانين
الطبيعة العمياء فراراً من نسبتها إلى إله الكنيسة.



ويشيد الفيلسوف الملحد برتراندرسل بالأثر الداروينى في هذا المجال قائلاً:



(بالرغم من أنه لا يزال في إمكان الفيلسوف أو عالم، اللاهوت أن يقول: إن
لكل شيء غرضاً ظهر أن الغرض ليس فكرة نافعة، حين نبحث في القوانين
العلمية، وقد قيل في الإنجيل: إن القمر قد خلق لينير بالليل، ولكن العلماء
مهما كانوا متدينين لا يعتبرون ذلك أيضاحاً علمياً لأصل القمر، ولقد كان
عمل داروين فاصلاً بهذه المناسبة، فالذي فعله جاليلو ونيوتن من أجل الفلك
فعله داروين من أجل علم الحياة).



(إن الذي جعل من الممكن تفسير التكيف دون الكلام عن الغرض، لم يكن حقيقة
التطور، بل كان الميكانيكية الداروينية كما تتضح من تنازع البقاء وبقاء
الأصلح، فالاختلاف الاعتباطي واختيار الطبيعة لا يستخدمان إلا العلل
الصورية) [224] .



ونجم عن ذلك أن أهملت العلوم الغربية بجملتها فكرة (الغائية)، بحجة أنها
لا تهم الباحث العلمي ولا تقع في دائرة عمله، وتحللت علوم الطب والفلك
والجيولوجيا والأحياء وسائر العلوم من التأثيرات الدينية -كما سيأتي في
فصل علمانية العلم- وأدى الإيمان بهذه الفكرة إلى اعتناق فكرة هزيلة لا
قيمة لها ولا وزن في حساب العلم، تلك هي فكرة المصادفة، فبعد أن أبطل
(باستور ) أسطورة (التولد الذاتي) إلى الأبد، لم يجد دعاة الإلحاد
والهاربون من الدين ما يسترون به عورتهم إلا هذه النظرية التافهة.



وإنه لمن المدهش حقاً أن يرى الإنسان الكثير ممن يسمون علماء، يعتقدون أن
الكون بدقته المذهلة وعظمته الهائلة وجد صدفة واعتباطاً ذَلِكَ ظَنُّ
الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ [ص:27].



هذا على المستوى النظري، أما على مستوى الحياة الواقعية فقد كانت النتائج
مروعة، إذ تزعزعت قيمة الحياة لدى الناس -لا سيما- ذوى الإحساس المرهف،
واستبد بهم شعور يائس بالقنوط والضياع، وظهرت في أوروبا أجيال حائرة
مضطربة لا تطمح إلى غاية ولا تفكر في هدف، وخيم الخواء الروحي على
المثقفين بصفة خاصة، وأصبح شغلهم الشاغل هو البحث عن الذات المفقودة
واستكناه أسرار النفس، وذلك هو المناخ الخصب الذي استغله اليهود لبذر
نظرياتهم الهدامة، فجاء (فرويد ) بالتحليل النفسي، و(برجسون ) بالروحية،
و(سارتر ) بـالوجودية .



يقول الفيلسوف (جود ) تحت عنوان تفاهة الحياة:



(إذا كان الماديون على حق فلا ينبغي أن نعتبر الحياة شيئاً مهماً في صميم
الكون، نتخذه أساساً لتفسير سائر الموجودات الأخرى، بل أنها لا تعدو أن
تكون حصيلة ثانوية قذف بها سير التطور مصادفة واتفاقاً، أو هي تحوير عرضي
للمادة أصبحت بموجبه تملك الشعور بذاتها) [225] .



ولقد تجلى الشعور بتفاهة الحياة أكثر ما تجلى في الأدب الأوروبي، حيث تلمح
الإحساس بالضياع هو السمة العامة للمدارس الأدبية التي ظهرت عقب الحرب
العالمية الأولى بصفة خاصة.



وهذا الشعور الناجم عن فقدان الإيمان هو العلة الحقيقية للتمزق الرهيب
الذي تعانيه النفسية المعاصرة في الغرب، رغم الرفاهية المادية المتناهية،
ومن هنا استحق هذا العصر أن يطلق عليه (عصر القلق)!!



ولقد صدق أحد العلماء [226] في قوله (إن أشقى الناس -جميعاً- هو الذي يأتي
إلى هذه الدنيا ثم يخرج منها وهو لا يدري لماذا جاء ولماذا خرج)!
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
http://www.boundk.tk
Bound2
*ابــــــــالبناديقــــــــــــــو*
*ابــــــــالبناديقــــــــــــــو*
Bound2


عدد الرسائل : 1286
العمر : 32
تاريخ التسجيل : 25/03/2007

مبادئ الملاحده الفكريه والرد عليها OoO متجدد OoO Empty
مُساهمةموضوع: رد: مبادئ الملاحده الفكريه والرد عليها OoO متجدد OoO   مبادئ الملاحده الفكريه والرد عليها OoO متجدد OoO Icon_minitimeالإثنين يونيو 04, 2007 8:45 pm

ثالثاً: حيوانية الإنسان وماديته

:





عندما طلع كوبرنيق بنظريته الفلكية القائلة: بأن الأرض
ليست مركز الكون، أحس الضمير الأوروبي بأنه قد صدم في صميم كرامته ومركزه
في الوجود، واعتقد البعض أن الإيمان بهذه النظرية إهانة مباشرة للإنسان
(سيد المخلوقات)، فلما جاء داروين بنظريته، لم يزد الطين بلة فحسب بل جاء
بالطامة الكبرى، فزعم أن الإنسان حيوان كسائر المخلوقات الحيوانية، فوجه
بذلك إلى الكرامة الإنسانية أعنف لطمة في تاريخها، وقلب الشعور الإنساني
رأساً على عقب، وهز المشاعر والمعتقدات والقيم التي كانت منذ فجر التاريخ
حتى عصره راسخة لا مراء فيها، وأصبح الحال كما قال جوليان هكسلي :



(بعد نظرية داروين لم يعد الإنسان يستطيع تجنب اعتبار نفسه حيواناً) [227] .



وداروين لم يكتف بأن جعل بين الإنسان وبين القردة نسباً، بل زعم أن الجد
الحقيقي للإنسان هو جرثومة صغيرة عاشت في مستنقع راكد قبل ملايين السنين.



لقد كانت بالفعل صدمة هائلة وانتكاسة خطرة.



نعم إن داروين لم يصدر أحكاماً مستقلة على الإنسان -وليس من حقه ذلك- ولكن الذين جاءوا من بعده أصدروا أحكاماً وأي أحكام!



ذلك أنهم تلقفوا النظرية -أصلاً- بدوافع مغرضة ووجهوها لتخدم أهدافاً
خفية، ولهذا فليس غريباً أن يثوب (الداروينيون المحدثون) -راضين أم
راغمين- إلى رشدهم، ويعترفوا بحقيقة تفرد الإنسان عن كل المخلوقات، بينما
لا يزال أولئك المغرضون ينفثون أفكارهم الهدامة التي تنظر للإنسان على أنه
حيوان، وتحدد مطالبه بمطالب الحيوان وتدرسه كما تدرس الحيوان.



وليس الإيحاء بحيوانية الإنسان هو الأثر الدارويني الوحيد الذي حط من قدره
وكرامته، بل اقترن به إيحاء آخر لا يقل خطورة عن الأول، وهو الإيحاء
بـ(مادية الإنسان) أي: خضوعه للقوانين المادية التي تفرض عليه ما تفرضه
على المادة الجامدة.



فالإنسان في نظر الداروينية لم يتطور مختاراً، بل كان تطوره مظهراً لخضوعه
المطلق للبيئة الطبيعية، أي لعوامل خارجية حتمية، صحيح أن هذا التطور
لمصلحته لكنه لم يكن نابعاً من إرادته، ولم يكن متوقعاً من الداروينية أن
تقول في تلك الظروف السيئة إن الله هو الذي اختار للإنسان، لأن ذلك يفقدها
صفة (الميكانيكية).



بل ويجرها إلى اعترافات أخرى كالإقرار بأن له روحاً، وأن لوجوده غرضاً،
كما تقول الكنيسة، وإذن فلا مناص من القول بأن العوامل الطبيعية وحدها
صانعة التطور وفارضته على الإنسان، والإنسان ما هو إلا مرآة تنعكس عليها
تقلبات الطبيعة المفاجئة وتخبطاتها غير المنهجية.



وعليه نستطيع أن نقول: إن فكرة التطور في ذاتها أوحت بحيوانية الإنسان، بينما أوحى تفسير العملية التي سار عليها التطور بماديته.



وظهر أثر هذين الإيحاءين جلياً في الدراسات الاجتماعية والنفسية التي تناولت موضوع الإنسان فرداً أو جزءاً من مجموع.



وهي دراسات تقوم على نظريات تلتقي بجملتها في نقطة واحدة (حيوانية الإنسان وماديته) ثم يسلك كل فرع منها طريقاً مستقلاً.



ومن أبرز الأمثلة على الأفكار الاجتماعية نظريتان: (النظرية الشيوعية ،
ونظرية العقل الجمعي) فاليهودي كارل ماركس -صاحب النظرية الأولى- استمد من
حيوانية الإنسان ما ظهر جلياً في البيان الشيوعي ، إذ حدد المطالب
الرئيسية له بـ(الغذاء والسكن والجنس).



واستمد من ماديته التي أوحت بها (جبرية التطور) التفسير المادي للتاريخ،
والجبرية الاقتصادية، فهو يرى (أن القوى المادية أو القوى الاقتصادية هي
التي تكيف الحياة البشرية وتعطيها طابعها، وتنشئ أفكارها ومفاهيمها
وعقائدها حسب درجتها من التطور، فإذا انتقلت البشرية من طور إلى طور بحكم
قوة التطور الدائمة المفروضة على الإنسان من خارج نفسه والتي لا علاقة لها
بإرادته الذاتية؛ فإن صور الحياة تتغير، ومشاعر الناس تتغير، وأفكارهم
ومفاهيمهم وعقائدهم تتغير، ويتغير كل شيء في المجتمع من أخلاق وعادات
وتقاليد تغيراً حتمياً [228] .



أما اليهودي (دور كايم ) فقد جمع بين حيوانية الإنسان وماديته بنظريته في
(العقل الجمعي) التي تقول: إن الإنسان حيوان خاضع (الجبرية الاجتماعية)،
أو قهر اجتماعي يفرضه عليه العقل الجمعي للقطيع البشري ويستمد شواهده
المؤيدة من عالم الحيوان ومجتمع الحيوان [229] .



أما المذاهب النفسية فمن واضح الأمثلة عليها (مدرسة التحليل النفسي):



فاليهودي (فرويد ) استمد من حيوانية الإنسان نظريته في تفسير السلوك
الإنساني من الولادة حتى الوفاة تفسيراً حيوانياً بشعاً، فهو يرى أن
الدافع الجنسي هو دافعه الوحيد، فالمولود يرضع ثدي أمه بدافع جنسي، ويتبرز
بدافع جنسي، ويظل يتعامل مع الآخرين بناءً على هذا الدافع وحده، والدين
والأخلاق والمثل العليا كلها نابعة من هذا الدافع أيضاً، وهكذا فالإنسان
عند فرويد ليس حيواناً فحسب، بل هو حيوان جنسي، وراء كل حركة منه شهوة
جنسية ظاهرة أو خفية، [230] واستمد من ماديته (جبرية نفسية تجعل الإنسان
خاضعاً لغريزته مسَّيراً بها بلا اختياره، فهو لا يملك إلا الانصياع
لأوامرها وإلا وقع فريسة الكبت المدمر للأعصاب [231] .



واليهودي (دور كايم ) وعلم النفس -بصفة عامة- يدرس الإنسان كما يدرس أي
حيوان ثديي، والنظريات النفسية التي استنتجها (بافلوف ، وثورندايك ، وواطس
، وهول ) وأضرابهم، إنما استنبطت من التجارب التي أجراها أولئك على الكلاب
والقردة والفئران... إلخ!![232] .



وهكذا تركت نظرية داروين فيما يتعلق بحيوانية الإنسان وماديته بصمات واضحة
في كل حقل من حقول الفكر، وصادفت هوى في نفوس الباحثين الماديين في كل
مجال.
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
http://www.boundk.tk
 
مبادئ الملاحده الفكريه والرد عليها OoO متجدد OoO
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 2انتقل الى الصفحة : 1, 2  الصفحة التالية
 مواضيع مماثلة
-

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
°o.Oßoundkawy 3la tooool°o.O :: _-_المنتديات الإسلاميه_-_ :: _-_السنه والعقائد_-_-
انتقل الى: