">">"> الثـــــــــــ الفصل ــــــــــاني <"<"<"
=>=>=> البدع المستحدثــة في الدين النصراني <=<=<=
.. تــــوطئــــــــــة ..
أدى التحريف المتعمد لنصوص الوحي المسيحي والتأويلات البعيدة لأعمال
المسيح وأقواله ، تلك التي فتحت الكنيسة لها الباب على مصراعيه ، إلى
استمراء وتسويغ التصرفات الخاطئة التي تلت ذلك فيما بعد ، ولما كانت
تحريفات الكنيسة تخبطات عشوائية لا ترتكز على قواعد محددة وليس لها ضوابط
رادعة ، فقد ظل المجال فسيحا لإضافات أكثر وثغرات أعمق ، وكان للمطامع
الدنيوية والرغبات الشخصية الفضل الأكبر في دفع الموجة قدما وتوجيها كما
يراد .
يضاف إلى ذلك الحماقات التي ترتكب بطريق السذاجة والبله من بعض المنتسبين
إلى الدين ولا تجد من ينكرها أو يحاصرها فتصبح مع مرور الزمن طقوسا وشعائر
دينية .
كل ذلك تعرضت له النصرانية فاستحقت أن توصم بأنها ديانة تركيبية أو بوتقة
انصهر فيها عقائد وخرافات وآراء متباينة ، شكلت دينا غير متسق ولا متجانس .
ونظرا لصعوبة التمييز بين الصحيح من الزائف والأصلي من المبتدع في الدين
النصراني ، فقد تباينت وجهات نظر النقاد الغربيين وتباعدت شقة الخلاف
بينهم ، فغالى بعضهم إلى حد التصريح بأن النصرانية ديانة وضعية أرقى
تكوينا وأدق تنظيما من الديانات السابقة التي ابتكرها الإنسان بزعمهم -
منذ فجر التاريخ ، وأن طقوسها وشعائرها هي امتداد للطقوس الطوطمية
والشعائر الوثنية التي كانت سائدة بين القبائل الهمجية القديمة .
وبالمقابل تعصب آخرون - لاسيما ذوى الميول الدينية - للرأي القائل بأن
الدين النصراني - مكتملاً - دين سماوي على الحقيقة وأن كل ما في الأناجيل
وحي صادق وأن أعمال الكنيسة مشروعة يقرها ويمليها المسيح فليس شئ منها
يستحق أن يوصف بأنه بدعة محدثة أو إضافة خاطئة . وتظل الكلمة الفصل في
الموضوع ، كما هي دائماً ، في القرآن الكريم الذي نزل مهيمناً على ما قبله
من الكتب ويظل الرأي الذي يصح أن يوصف بأنه موضوعي ونزيه - في هذه المسألة
وأشباهها - من نصيب الباحث المسلم وحده .
لقد سبق أن تحثنا عن تحريف المسيحية - عقيدة وشريعة - والتحريف في
ذاته بدعة خطرة ، لكن الأمر لم يقتصر على تحريف ما هو موجود بالفعل ، بل
انتقل إلى إحداث ما لم يكن وابتداع تعاليم وضعية أُلصقت بالمسيحية وأُدخلت
في صلبها وربما كانت بدعة رجال الدين - كما يسمون - أبعد البدع أثراً لأن
البدع الأخرى لم تكن لتنمو لولا أن رجال الدين هم الذين ابتدعوها وأقروها
وأضفوا الشرعية عليها لذلك سنبدأ بالحديث عن هذه البدعة ثم نعقب بعض البدع
الأخرى لتكون نماذج وأمثلة شاهدة على ما نقول .
.. .. أولاً - رجال الدين "الاكليروس" .. ..
ترى النظرة الجاهلية للتاريخ المتأثرة بنظرية التطور أن حياة البشر الدينية والاجتماعية مرت بثلاث مراحل رئيسية :
1-مرحلة السحر والخرافة .
2-مرحلة الدين .
3-مرحلة العلم .
وفي المرحلة الأولى كان الفكر البشرى يعيش أدنى أطواره وأحطها ، وكان
الإنسان آنذاك يرى أن حياته مرتبطة بأسباب خفية لا يستطيع إدراكها ، فلجأ
إلى السحر والشعوذة اللذين يستطيعان التأثير بطريقة غير محسوسة ، وكلما
ازداد وعى الإنسان بحياته وتفرعت آماله ومطامعه ، ازداد تعلقه بالسحرة
والكهان ، لدفع الأرواح الشريرة التي تسبب له الضرر في نظرة ولجلب المنافع
المعيشية المتنوعة . وبمرور الزمن أصبح السحرة والكهان يتمتعون بأسمى
المراكز الاجتماعية لدى الهمج ، فآلت إليهم زعامات القبائل وفرضوا سلطانا"
ماديا" لأنفسهم في أموال ونساء أتباعهم .
وبعد اكتشاف الزراعة واستقرار الحياة الإنسانية ، بُنيت المعابد والهياكل
وأصبح بعض الكاهن ملوكا" يتوارثون الحكم ، بينما ظل البعض الآخر يرأس
المعابد والهياكل التي كانت تدر عليهم الشرف العريض والمال الوفير .
وبانتقال الإنسان إلى المرحلة الثانية "مرحلة الدين" بقيت رواسب موروثة عن
المرحلة الأولى من أبرزها طبقة رجال الدين الذين ليسوا امتداد للسحرة
والكهان في المرحلة السالفة وظلوا يقومون بالمهمة نفسها التي كان يتولاها
أولئك من قبل ، والفارق الوحيد هو أن هؤلاء يستمدون من الدين بينما
يستمدها أولئك من السحر(1) .
هذا هو التعليل الجاهلي لظهور رجال الدين ، وهو تعليل قاصر لأنه ينكر
الوحي الإلهي ويغفل ، عامدا" ، الفترات المضيئة التي تخللت التاريخ البشرى
منذ البدء ، وهي الفترات التي شهدت مبعث الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم
((وإن من أمة إلا خلا فيها نذير)) ، ويقصر نظره على فترات الانحراف عن
منهج الله ، تلك التي طغت عليها الخرافات والشركيات وتحول فيها أتباع
الأنبياء إلى سدنة أوثان ومشعوذين وكهان .
والتصور الإسلامي للتاريخ ينظر إلى الحياة البشرية على أنها خطان
متوازيان : خط مشرق يمثل البشرية حين تهتدي إلى الله وتسلك طريق الأنبياء
الذين يتعاقبون لردها إلى جادة الطريق ، وخط آخر مظلم يمثل حزب الشيطان
وفترات الضلال الذي طرأ على البشرية بعد أن كانت أمة واحدة على الإيمان ،
والسمة العامة للتاريخ هي الصراع بين الهدى والضلال ، بين الحق والباطل .
ونحن لا ننكر التشابه الظاهر بين رجل الاكليروس في المسيحية وبين
السحرة والكهان في العصور السابقة ، لكننا نرجع ذلك إلى كون الطائفتين
انحرفتا عن أصل صحيح واحد ولا نمضي أبعد من ذلك ، أما التعليل المباشر
الذي يوضح الأًصل الحقيقي لرجال الدين فهو أن الله تعالى أنزل التوراة على
موسى ، عليه السلام ، واحتفظ بها الأحبار من بعده ، فكان الأمر يقتضي وجود
عدد من ذوي الموهبة والعناية يتفرغون لحفظ الكتاب وشرح تعاليمه وتأويل
مشكله وإيضاح أحكامه كي يسير عليها الفرد والمجتمع ، وأمر الله تعالى
هؤلاء العلماء أن يكونوا ربانيين بما كانوا يعلمون الكتاب وبما كانوا
يدرسون ، ونهاهم عن كتمان شئ منه أو تحريفه أو شراء شيء من عرض الدنيا به
، لكن الأمر آل إلى أن كثيراً من الأحبار أغرتهم المطامع الدنيوية الزائلة
واشتروا بعهد الله وأيمانهم ثمناً قليلاً ، ضيعوا الأمانة وفرطوا في الحفظ
وفرضوا لأنفسهم سلطة دنيوية يأكلون أموال الناس بالباطل ويتقبلون القرابين
ويفرضون على الناس العشور باسم الهياكل والبيع ، مستغلين منصبهم الديني
أسوأ استغلال .
وبذلك استحقوا المقت من الله وكانوا مثلاً سيئاً وقدوة طالحة لمن جاء
بعدهم . ثم بعث الله عيسى ابن مريم ، عليه السلام ، ومعه الإنجيل فحذر
أتباعه أبلغ تحذير من اقتفاء أثر أحبار اليهود الذين كان المسيح يسميهم
"بائعي العهد ، أولاد الأفاعي ، عباد الدنيا" ودعا قومه إلى الاتصال
المباشر بالله والتوبة إليه والخضوع له وحده دون سواه ، وكان يوصى
الحواريين والتلاميذ ، قائلا" : "رؤساء الأمم يسودونهم والعظماء يتسلطون
عليهم فلا يكون هكذا فيكم" (2) .
لكن القسيسين والرهبان لم يكونوا أفضل حالا" من الأحبار ، فقد سلكوا
الطريق نفسها وانصاعوا إلى الدنيا مستعبدين أتبعاهم المؤمنين ، وساعد
وجودهم ضمن الإمبراطورية الرومانية على تثبيت مراكزهم وتدعيمها وذلك بأنهم
اقتبسوا من الأنظمة والهياكل السياسية للدولة فكرة إنشاء أنظمة وهياكل
كهنوتية ، وكما كانت هيئة الدولة تمثل هرماً قمته الإمبراطور وقاعدته
الجنود ، كانت الهيئة الكنسية تمثل هرماً مقابلاً قمته الباب وقاعدته
الرهبان . ونتيجة لمبدأ فصل الدين عن الدولة رعت الإمبراطورية الهرم
الكنسي ولم تر فيه ما يعارض وجودها فرسخ واستقر .
يقول المؤرخ الإنجليزي ويلز في معرض الفرق بين مسيحية المسيح ومسيحية
الكنيسة - كما سبق -أن تعاليم يسوع الناصري تعاليم نبوية من الطراز الجديد
الذي ابتدأ بظهور الأنبياء العبرانيين ، وهي لم تكن كهنوتية ، ولم يكن لها
معبد مقدس حبساً عليها ولا هيكل ، ولم يكن لديها شعائر ولا طقوس ، وكان
قربانها "قلباً كسيراً خاشعاً " وكانت الهيئة الوحيدة فيها هيئة من الوعاظ
، وكان رأس ما لديها من عمل هو الموعظة .
"بيد أن مسيحية القرن الرابع الكاملة التكوين ، وإن احتفظت بتعاليم
يسوع في الأناجيل "كنواة لها" ، كانت في صلبها ديانة كهنوتية من طراز
مألوف للناس من قبل منذ آلاف السنين ، وكان المذبح مركز طقوسها المنمقة
والعمل الجوهري في العبادة فيها القربان الذي يقربه قسيس متكرس للقداس ،
ولها هيئة تتطور بسرعة مكونة من الشمامسة والقساوسة والأساقفة" (3)
وكان من الأسس الباطلة التي بنى عليها رجال الدين مبررات وجودهم مبدأ
"التوسط بين الله والخلق" الذي يقتضي ألا يذهب الإنسان إلى رجل الدين
ليعلمه كيف يعبد الله طالباً الصفح والمغفرة ، بل عليه أن يتجه إلى رجل
الدين معترفاً أمامه بذنبه ليقوم بالتوسط لدى الله فيغفر له ، وحسب هذا
المبدأ نصب رجال الدين أنفسهم أنداداً لله تعالى وأوقعوا أتباعهم في الشرك
الأكبر ( اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أرباباً من دون الله ) وفوق كونه مبدأ
باطلاً شرعاً ، ساقطاً عقلاً ، فإنه ليس في الأناجيل - رغم تحريفها - ما
يدل على أن المسيح أقره أو دعا إليه .
وقد ترتب على هذا المبدأ آثار سيئة للغاية ،منها احتكار رجال الدين لحق
قراءة وتفسير الإنجيل ، ثم مهزلة صكوك الغفران ، وكذلك الانشقاقات الدينية
المتوالية التي دمرت الحياة بصفة عامة ، وأخيراً كان هذا المبدأ إحدى
الحجج التي سلها ملاحدة القرن السابع عشر فما بعد ،في وجه الأديان عامة
والمسيحية خاصة ، وسيأتي تفصيل هذه الأمور في أبوابها - بإذن الله - (4) .
يقول العالم الفرنسي المهتدي " ناصر الدين دينيه " :
"الوسيلة هي إحدى كبريات المسائل التي فاق بها الإسلام جميع الأديان ، إذ
ليس بين الله وعبده وسيط وليس في الإسلام قساوسة ولا رهبان ، إن هؤلاء
الوسطاء هم شر البلايا على الأديان وإنهم لكذلك مهما كانت عقيدتهم ومهما
كان إخلاصهم وحسن نياتهم ، وقد أدرك المسيح نفسه ذلك ، ألم يطرد بائعي
"الهيكل " ؟ غير أن أتباعه لم يفعلوا مثلما فعل ، واليوم لو عاد عيسى فكم
يطرد من أمثال بائعي الهيكل ؟
"كذلك ما اكثر البلايا والمصائب ، بل ما أكثر المذابح والمجازر التي يكون
سببها هؤلاء الوسطاء ، سواء كانت بين العائلات وبعضها أو بين الشعوب
والشعوب ، وهم في ذلك كله يصيحون : باسم مجد الله " (5)
أما السلطة الكهنوتية ، الطاغية ، فإنها تستند إلى أسانيد واهية لا بد من مناقشتها :
لقد مر معنا وسيظل -حقيقة تاريخية واضحة هي أن الافتراء على الله من جهة
وسوء الفهم والخطل في الاستنباط من جهة أخرى ، أمران ملازمان للكنيسة
ملازمة الظل لأصله ، وقد أخذ الله تعالى على أهل الكتاب هذه الأخطاء
المتكررة ((يقولون على الله غير الحق )).. ((يحرفون الكلم عن مواضعه ))
..وجرياً على ذلك تزعم الكنيسة أن المسيح قال لبطرس كبير الحواريين " أنت
بطرس وعلى هذه الصخرة أبني كنيستي وأبواب الجحيم لن تقوى عليها وأعطيك
مفاتيح ملكوت السموات فكل ما تربطه على الأرض يكون مربوطاً في السموات وكل
ما تحته على الأرض يكون محلولاً في السموات " (6) ؟
فهمت الكنيسة من هذا القول أن المسيح يعنى أن السلطة الدينية المهيمنة
باسمه سترتكز في الموضع الذي يموت فيه كبير الحواريين بطرس ومن هذا المركز
تمد أجنحة نفوذها على العالم أجمع وتحكمه باسم المسيح ، وبما أن المسيح
بطرس - كما تقول الكنيسة - مات في رومة فإن رومة هي قاعدة المسيح لحكم
العالم ، وفيها مقر الكنيسة التي يرأسها ممثل المسيح ورسوله "البابا "
المعصوم عن الخطأ ، وكل ما تقرره الكنيسة هذه هو عين الصواب ، إذ أن
المسيح بواسطة الروح القدس هو الذي يملى عليها تصرفاتها ، ومادام أنها
تعمل باسم الله وتحل وتبرم حسب مشيئته - بل هو يحل ويبرم حسب مشيئتها
تعالى الله على ذلك علواً كبيراً فطاعتها واجبة وقراراتها إلزامية لكل
المؤمنين بالمسيح وليس على الأتباع إلا الطاعة العمياء والانقياد الذي لا
يعرف جدلاً أو نقاشاً ، والذنب الذي لا يغتفر هو أن تصادم أوامر الله ،
التي هي أوامر الكنيسة ، بواسطة العقل البشرى أيا كان صاحبه ، والخارج على
سلطة الكنيسة أو الناقد لقرارات مجامعها كافر "مهرطق" تحل عليه اللعنة
والحرمان من دخول الملكوت مهما بلغت وجاهة رأيه بل مهما كانت سوابقه
وخدماته للمسيحية وللكنيسة نفسها .
أما إذا كان المتمرد على الكنيسة وسلطتها حاكماً أو شعباً ، فإن الجيوش المقدسة ستسحقه بأقدامها ، إرضاء للمسيح .
ذلك هو زعم الكنيسة التي تحول إلى واقع تاريخي عاد بأسوأ النتائج على
أوروبا والعالم أجمع . ونحن لا نملك حيال إلا موقفاً واحدا صريحاً هو موقف
الإنكار القاطع لنسبة هذا القول إلى رسول الله المسيح عليه السلام .
إن هذا القول يخدش التوحيد الذي دعا إليه الأنبياء كافة ويمس العقيدة
الإيمانية الصحيحة في جوهرها ، وهو من نوع دعوى الأناجيل الزاعمة أن
المسيح قال " أنا ابن الله " سواء بسواء ، بل أن إنجيل متى ليصرح بأن
المسيح إنما قال ذلك لبطرس مكافأة له على قوله " أنت المسيح ابن الله الحي
" . ولقد قال الحق تبارك وتعالى " ما كان لبشر أن يؤتيه الله الكتاب
والحكم والنبوة ثم يقول للناس كونوا عباداً لي من دون الله ولكن كونوا
ربانيين بما كنتم تعلمون الكتاب وبما كنتم تدرسون ولا يأمركم أن تتخذوا
الملائكة والنبيين أربابا أيأمركم بالكفر بعد إذ أنتم مسلمون " آل عمران
79 - 80 "
فالأنبياء دعاة التوحيد ورسل الحق لا يتصور أن تصدر عنهم دعوى فيها شائبة
من شرك ، وحاشا أن يزعم أحد منهم لنفسه شيئا من خصائص الألوهية فضلاً على
أن يهبه لغيره .
والمسيح ، عليه السلام بشر رسول لا يملك لنفسه ضراً ولا نفعاً ، فكيف يجوز
أن ينسب إليه أن يمتلك مفاتيح الملكوت التي لا يملكها إلا الله وحده ؟
وإذا كنا ننكر جازمين أن يملكها المسيح فلا معنى للجدال في كونه وهبها
لبطرس أو لم يهبها ، وكون الكنيسة ورثتها من بطرس أو لم ترثها ، فالخطأ
هنا أساسي لا يمكن إقراره ، كما لا يمكننا أن نقر بأن المسيح إله .
ومع ذلك فليس في استطاعة الكنيسة أن تقنع أي باحث علمي بصحة مزاعمها بطريق
الأدلة اليقينية ، ولا يستطيع أي إنسان ذي عقل سليم أن يساير منطقها
الأعوج ويؤمن بمسلماتها العمياء .
وقد سخر الكاتب الأمريكي " جرين برنتن " من استدلال الكنيسة بهذه الفقرات
وأرجع السبب في وقوع الكنيسة في هذا الخطأ إلى التشابه الشكلي بين لفظي "
بطرس " " صخرة " (7)
وإذا كان مفسرو الأناجيل المتعصبون لدينهم يصرحون بأن آيات كثيرة في
الأناجيل لا أصل لها كما سبق في مبحث التثليث - فما بالك بالنقاد
والمفكرين من غير رجال الكنيسة ، فضلاً عن المسلم الذي يتفرد بمعلومات
يقينية لا يتطرق الشك إليها .
ومن وجهة نظر التاريخ لا يمكن تبرير الشناعات التي ارتكبتها الكنيسة
والحروب الطاحنة التي عرقلت مسيرة الحضارة وأزهقت أرواح الأبرياء ،
والاستبداد والطغيان اللذين مارسها رجال الدين في كل شؤون الحياة والوقوف
المستمر في صف الطغاة والظلمة ضد الشعوب البائسة ، ومحاكم التفتيش ،
وإحراق العلماء ، وبقية الجرائم الأخرى لا يمكن تبرر ذلك بأن المسيح أورث
سلطانه وملكوته للسلطة الكهنوتية الغاشمة .
وبالإضافة إلى ذلك لو راجعنا إنجيل متى الذي أورد هذا الافتراء لوجدنا
المسيح بعد ثلاث فقرات من هذا القول يخاطب بطرس قائلاً : " اذهب عنى يا
شيطان ، لأنك لا تهتم بما الله لكن بما للناس " … فكيف يتسق هذا الوصف
وهذه التهمة مع الهبة السابقة والتكريم الذي لا حد له ؟ .
ثم لماذا تنظر الكنيسة إلى هذا القول وإضرابه وتغض الطرف عن مثل قول
المسيح الصريح : " رؤساء الأمم يسودونهم والعظماء يتسلطون عليهم فلا يكون
هكذا فيكم " وقوله : " أحبوا أعداءكم أحسنوا إلى مبغضيكم ، باركوا لاعنيكم
وصلوا لأجل الذين يسيئون إليكم " (